يارا نحلة/ المدن- تجتاح العالم العربي مشاهد نضالية متفرقة، رائداتها نساء يقفن في الصفوف الأمامية للحركات التحررية والثورية. في السودان، تحوّلت الشابة آلاء صلاح، إلى أيقونة ثورية. وفي الجزائر، أعلنت النساء ثورتهن الخاصة، التي لن تكتمل قبل إنتزاعهن كامل حقوقهن. لكن هذه النماذج الباعثة على التفاؤل تقابلها صور عنف مضادّ هدفه إقصاء المجموعات النسوية وكتم صوتها الآخذ في الإرتفاع.
تعكس السوشال ميديا هذا الصراع الثنائي الذي تخوضه المرأة العربية؛ صراعها مع الأنظمة السياسية القمعية، وصراعها مع “رفاق” صفها من الثوريين الذكوريين. وفي الجزائر تحديداً، تحوّلت مواقع التواصل إلى مرآةٍ للثورة النسوية، والثورة المضادة. فطرح الجزائريات لقضاياهن في الشارع وفي المنصات الإفتراضية، قوبل بالتهديد والوعيد من جانب الذكور المعترضين، فوصل الحال بأحدهم إلى تهديد النساء “بتاع حريتي” بالحرق بالأسيد.
على الصعيد اللبناني، ليس المشهد شديد الإختلاف، وإن كان بعيداً من إسقاط الأنظمة السياسية وإشعال لهيب الشارع، إلا أنه ليس أقلّ تصميماً على إسقاط منظومة العنف البطريركي المعشش في كافة جوانب الحياة المجتمعية. تكافح اللبنانيات من أجل حريتهن، التي لا تتحقّق سوى بالإفلات من سجن المؤسسة الأسرية الخاضعة لسلطة رجال الدين. ومن أجل حقهن بالتواجد في المجال العام دون أن تنتهك أجسادهن، ودون أن تكبح أصواتهن.
هذه المساحة المحظورة على المرأة في المجال العام، يعوّض عنها في العالم الإفتراضي الحافل بمظاهر السخط والغضب النسويين. فهن قد أنذرن بأن زمن الصمت عن العنف والظلم قد إنتهى، وصمّمن على فضح المعتدين والمتحرشين بدافع نبذهم خارج الدوائر الاجتماعية لجعلها أكثر أماناً.
لكن في مناداتهن بحقوقهن البديهية، وأوّلها حق اللبنانيات بمنح جنسيتهن لأطفالهن، يهاجم الكثيرون هذا النضال النسوي، ويتهمونه بأنه غير واقعي، حالم، بعيد المنال، ومعادٍ للرجل وحقوقه الطبيعية. يقف اليساري الثوري، إلى جانب اليميني المحافظ، في التصدي للخطاب النسوي، بحجة أنه إقصائي بحق الرجل، أو أنه سابق لأوانه، “ومش وقتو”. وكأن الحرمان من الحقوق الأساسية والأمان الشخصي ليس مدعاةً للغضب والإحتجاج، ويستخدم معادو النسوية سخط النساء ضدهنّ، فيشككون بحراكهن بحجة أنه غاضب، ومغالي في عاطفيته.
إزاء هذه الإدانة المبتذلة، تردّ النسويات بكل هدوء “ايه غاضبات.. وشو يعني؟” ومع إستمرار محاربة الصوت النسوي، تحت مسميات وبطرق عديدة، أقلّها “المانسبلينيغ” المتجسّد برفع الصوت الذكوري ليطغى على الصوت المرأة في الجلسات الاجتماعية، يتخذ الخطاب النسوي من السخرية الفايسبوكية منبراً له، متجسداً بمجموعة من “الميمز” بشكل كوميكس.
على كلّ من يعاير النسويات بغضبهن، تردّ “خرابيش نسوية” بالقول “ما تفكرني زعلانة، صفة نسوية غاضبة ليست إهانة”. وعن الرفيق الذي يدّعي النسوية من دون نقد تصرفاته الذكورية المكتسبة، تقول: “وصل الرفيق النسوي أكتر منك وعباله يوعظنا عن كيفية التنظيم النسوي الفعاّل.. إهربوااا!”.
تبرز السخرية في إستعارة الصفحة نموذج كوميكس تقليدي يعود إلى الإعلانات التي راجت في خمسينات القرن الماضي في أميركا، وقد إشتهرت بتكريسها للأدوار الجندرية التقليدية، عبر إظهارها المرأة بمظهر ربّة المنزل المطيعة والمبتسمة على الدوام.
مؤخراً، إنضمت إلى جبهة النضال بالكوميكس صفحة بإسم “تمييع الصراع”، معلنةً في أولى مشاركاتها: “جاييلكو يا شوية ذكوريين”. بغرض كشف النفاق الذكوري، توجه هذه الصفحة أسهمها إلى نمط خاص من العدوان الموجه ضد المرأة، هو ذلك الذي يصدر عن “رفاق ثوريين” يحاضرون بالتحرّر، على ألا يشمل قضايا المرأة. وهؤلاء الموهومون بأنهم الأكثر ضلوعاً في شؤون الثورة وتحرّر الشعوب، يشرعون في إقتحام الفضاءات النسوية، محاولين إستلاب حراكها وتوجيه خطابها.
يعتقد هذا النوع من الرفاق نفسه أكثر معرفةً بحقيقة “إضطهاد المرأة” لأنه قرأ كتاب “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة” لفريدريك إنغلز. في مكانٍ آخر، يشهر رفيق آخر معارضته للنسوية بحجة أنها “حركة ليبرالية لا علاقة لها بالماركسية”. إزاء هذا الإستنتاج، يقف ماركس، لينين، وإنغلز مشدوهين. وفي صورةٍ أخرى، ينتف لينين شعره لإكتشافه أن حزبه “والرجعية في الخندق نفسه” لإكتظاظهما بالذكوريين.
اللافت في هذه الحركات الميدياوية هو سعيها لكسر الهيمنة الثقافية الغربية على القضية النسوية، بما في ذلك قاموسها اللغوي المكتوب باالغة الإنكليزية. تسهم هذه المنصات في صياغة لغة نسوية عربية قادرة على التعبير عن صراعاتنا بسياقاتها التاريخية والثقافية. فلا يزال هناك الكثير من الظواهر والممارسات الذكورية التي لا نملك العبارات المناسبة لها، ما يضطرنا إلى تبني السردية الغربية حيالها.
ومن هنا الحاجة إلى خلق نقاش محلّي حول موضوعات النسوية، وإستغلال كافة الأدوات المتوفرة لذلك، بما فيها “الكوميكس” و”الميمز” والمنشورات الفايسبوكية. فنحن لن نفلح في هزّ أركان المنظومة الذكورية ما لم نكن قادرين/ات على وصفها والحديث عنها بلساننا الخاص.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.