أورسولا ليندسي/الفنار ميديا- فتيات العالم العربي السيئات Bad Girls of the Arab World مجموعة جديدة مختارة وواسعة من مقالات مثيرة للاهتمام ودقيقة تعد بمثابة مقدمة ممتازة للنشاط النسوي والبحوث الدراسية في المنطقة.
تنظر مجموعة المقالات العلمية والشخصية الى العديد من الطرق المختلفة التي تتصرف فيها النساء العربيات “بشكل سيء” – ليتحدين بشكل متعمد الوضع الراهن – أو أنهن يتهمن بذلك، لمجرد أن تجاربهن أو أصواتهن تتعرض لحقائق غير مريحة.
الكتاب مستوحى من كتاب صدر عام 2005 يضم مقالات بعنوان “فتيات اليابان السيئات”، والذي ألقى نظرة على مفاهيم السلوك السليم وغير اللائق وأدوار الجنسين في ذلك البلد. وكانت محررتي الكتاب الجديد نادية يعقوب، الأستاذة المساعدة للغة والثقافة العربية في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل، ورولا قواس، التي عملت أستاذة للأدب الأميركي والنظرية النسوية في الجامعة الأردنية. (توفيت قواس بشكل مفاجئ في عام 2017 عن سن يناهز 57 عاماً).
في تقديمها للكتاب، تشير يعقوب إلى أن “النساء قد يخترن تجاوز الأعراف الاجتماعية، أو قد يتعرضن للانتهاكات. لدرجة أن نوايا النساء اللواتي يبدو وكأنهن متجاوزات لا يمكن أن تكون معروفة على الدوام؛ وقد تحدث الانتهاكات في إطار الظروف العالمية والمحلية التي تشكل القرارات والإجراءات والعواقب؛ وأن الخط الفاصل بين ما هو مقبول وما يعتبر انتهاكا خط مائع “فضفاض.”
لا تعمل هذه المجموعة على تهويل أعمال التجاوز أو عرضها بصورة رومانسية، بل تقوم بوضعها في سياقها التاريخي والسياسي والاجتماعي، بما في ذلك العبء الذي تتحمله النساء العربيات في كثير من الأحيان بصفتهن ممثلات للشرف الجماعي، وإرث ما بعد الاستعمار الذي جعلهن عرضة للاتهامات بخيانة أمتهن أو دينهن.
يغطي الكتاب الحالات الأخيرة التي كشفت فيها الناشطات العربيات عن أجسادهن للتعبير عن موقف ما. ويشمل ذلك علياء المهدي التي اضطرت، بعد نشرها لصورة شخصية عارية، لمغادرة مصر في آذار/ مارس 2012 بعد أن تلقت العديد من التهديدات. فضلاً عن الناشطة التونسية أمينة السبوعي التي كتبت بيانات سياسية على جسدها العاري وقامت بنشر الصور على الإنترنت.
يناقش الكتاب أيضاً حالات النساء اللواتي تمت تعرية أجسادهن ضد إرادتهن، مثل: “ست البنات” (أو “الفتاة ذات حمالة الصدر الزرقاء”) وهي متظاهرة مصرية تعرضت للاعتداء العلني وجردها الجنود في ميدان التحرير بالقاهرة من ملابسها جزئياً عام 2011 . وإيمان العبيدي، وهي امرأة ليبية اتهمت رجالاً مرتبطين بنظام القذافي باختطافها واغتصابها. وفي كلتا الحالتين، ساند البعض تلك النساء باعتبارهن بطلات أو ضحايا يستحقن التعاطف، لكن آخرين أدانوهن أيضاً بتهمة السلوك واللباس والكلام غير اللائق.
ويناقش كتاب “الفتيات السيئات” أيضاً الطريقة التي صورت من خلالها وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية الأمهات الفلسطينيات على أنهن “سيئات” بسبب السماح لأطفالهن بالانضمام إلى الانتفاضة الثانية ليتم قتلهم على أيدي الجنود الإسرائيليين. كما يدرس أيضاً عمل الناشطة والكاتبة السورية سمر يزبك التي أجبرت على العيش في المنفى بسبب حديثها ضد بشار الأسد ومجتمعها العلوي. ويكرس الكتاب فصلاً للمسؤولة التونسية فادية حمدي، التي تنسب لصفعها للبائع المتجول محمد البوعزيزي المسؤولية في اندلاع الربيع العربي. في الواقع، القصة أكثر تعقيداً من ذلك؛ فقدت توجهت حمدي إلى المحكمة في تونس لتطهير اسمها، بحجة أن لقاءها مع البوعزيزي، بمثابة لقاء ضحيتين، حيث قالت “هو ضحية وأنا ضحية.”
ساهمت رولا قواس بفصل عن تجربتها في تدريس النظرية النسوية والكاتبات العربيات في الأردن، حيث كتبت “ليس من غير المألوف أن تجد المرأة العربية بأن يوصف تفكيرها أو سلوكها الانشقاقي بأنه “سيء”. حيث يتم نشر اتهامات بالسوء لتأكيد السلطة على النساء.”
يصف الفصل الذي كتبته قواس حادثاً قامت فيه أربع طالبات في فصلها الدراسي بعمل مقطع فيديو عن التحرش الجنسي في الحرم الجامعي، حملت فيه الطالبات بصمت ملصقات تظهر الكلمات والعبارات التي وجهت إليهن. وفي حزيران/ يونيو 2012، نشر شخص ما الفيديو على موقع يوتيوب وحقق نصف مليون زيارة. وبينما أشاد البعض بالفيديو، قام آخرون باتهام الطالبات وقواس بـ “مجموعة من الانتقادات التي تضمنت إساءات عاطفية ونفسية”. وقد وُصفت الشابات بأنهن “غير مستقرات عاطفياً وسيئات النية ومعاديات للرجال وغير إسلاميات ومشاكسات”، بحسب ما كتبت قواس. ونظم أستاذ في كلية الشريعة احتجاجاً دعا فيه إلى مزيد من الاحتشام النسائي. فيما دعت منشورات الطلاب الذكور إلى مقاضاة قواس واتهمتها بأنها عميلة للغرب. ومع ذلك، تقول الاستاذة إن الضجة قد غيّرت الأمور نحو الأفضل، “لم يعد التحرش الجنسي في الحرم الجامعي محمياً بالصمت. وأصبح عوضاً عن ذلك موضوع نقاش مكثف ومستمر.”
أعتقد أن المقالات الشخصية للعديد من المساهمين مضيئة بشكل خاص. إذ ترى ضيا عبدو، الأستاذة المساعدة للغة الإنجليزية في كلية غيلفورد في ولاية نورث كارولينا، التي تركز على الكاتبات العربيات، والنسوية الإسلامية، والترجمة في عصر ما بعد الاستعمار، بشكل جميل على الصعوبات التي تواجهها في الخارج ووطنها الأردن على حدٍ سواء.
في الغرب، تكتب “لم أكن أعرف كيفية التوفيق بين نسويتي وبين قوميتي. … شعرت في كل منعطف بأنني أخون جانباً ما من جوانب هويتي: إذا ما قدمت اهتماماتي النسوية، كنت خائنة لقومي، وإذا ما ميزت هويتي ما بعد الاستعمار كعربية ومسلمة، كنت أبدو كتبريرية مدافعة عن دين أو قومية ما”.
لكن، وبعد أن شغلت منصباً في الجامعة العربية المفتوحة في الأردن، حيث أحبّت التدريس، قيل لها بأن منشوراتها وأفكارها “غير مقبولة” في الجامعة و”لا تتفق مع القيم العربية الإسلامية”. وكانت القضية في هذا الصدد ورقة بحثية عن الكاتب المسرحي الأيرلندي فرانك ماكغينيس والكاتبة اللبنانية حنان الشيخ، الذين تصف عبدو تصويرهما للصراع السياسي بأنه “يعتمد إلى حد كبير على انعدام المساواة والاضطهاد الجنسي”.
كتبت عبدو “أن توصف بأنك معادٍ للإسلام بمثابة قبلة الموت بالنسبة للمثقفة العربية.”
وفي اجتماع تم عقده في الجامعة، لم يحاضرها رئيس الجامعة بخصوص مضمون مقالتها بل على “كيفية ارتداء الملابس، وكيفية الابتسام، وكيف تكون العلاقة مع طلابي، وكيف أنني قد قمت بهذه الأشياء بطرق غير لائقة.”
اتخذت عبدو خياراً صعباً جداً بتركها وظيفتها مقابل منصب تعليمي في الولايات المتحدة. وعن السلام الذي وجدته في منصبها الجديد وحياتها الجديدة، كتبت “ما أعظم الراحة وما أكبر الخسارة!”