فكر جديد للعدالة بين الجنسين
المساواة بين الجنسين

جريدة الحياة- تواجه الدول العربية تحديات جمة لتحقيق العدالة، التي باتت قضية محورية في تعزيز السلم والأمن، وضرورية لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة التي قدمتها الأمم المتحدة واعتمدها قادة العالم في أيلول (سبتمبر) 2015، باعتبارها أجندة متكاملة تدفع عجلة التقدم والتنمية وتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات.

عقود كثيرة مضت تعاملت فيها المنطقة العربية مع مفهوم العدالة والنوع الاجتماعي في معزل عن بعضهما بعضاً، كأنهما مساران متعارضان. فكان التعامل مع مفهوم العدالة من منظور لا يترك مجالاً للخلاف في شأن المساواة عموماً. لكن مفهوم النوع الاجتماعي أثار جدالاً لتضاربه مع بعض التفسيرات الدينية التي وضعت المرأة في مستوى أدنى من ناحية الحقوق والواجبات، ما ساهم في إرساء نظرة جزئية إلى مفهوم العدالة بين الجنسين فقط على تحقيق المساواة، وتغفل جوانب عدة مثل تطبيق نظم المساءلة الفاعلة التي تضمن وصول المرأة إلى العدالة. كما غفل المفهوم الضيق أهمية مواءمة المساواة بين الجنسين والتشريع الديني، لما يلعبه الدين من دور محوري في بلورة حقوق المرأة وقضاياها. ونتج من تبني هذا المفهوم الجزئي شرخ بين قضايا المساواة والتشريعات الدينية، التي أصبحت دائماً العذر وراء وضع المرأة المتدني في المنطقة العربية، والذي نشأ نتيجة اختلاف الفهم وجمود في الاجتهاد الديني.

نتج من تبني ذلك المفهوم المتجزئ للعدالة بين الجنسين تدهور أوضاع المرأة العربية، حتى أصبحت تحتل أدنى مستوى في العالم في المؤشر العالمي للفجوة النوعية بين الجنسين، خصوصاً الفجوة السياسية والاقتصادية. فلا تزال مشاركة المرأة العربية في سوق العمل هي الأقل في العالم، إذ تصل إلى 23 في المئة بينما يبلغ المتوسط العالمي 50 في المئة. وتُعتبر مشاركة المرأة السياسية البالغة 19 في المئة، متدنية مقارنة بمناطق أخرى من العالم وصلت فيها مشاركة المرأة السياسية فيها إلى 41 في المئة. وزادت أشكال العنف ضد المرأة، وتم التعامل معها لسنوات عدة بصمت وكتمان بسبب التفسيرات الدينية الخاطئة التي أباحت ضرب الزوجات واغتصابهن وقطع أعضائهن التناسلية تحت مسمى الشرف. وفي غياب المساءلة القانونية، بات من الطبيعي أن نتقبل وضع المرأة المتدني، بل نستغرب إذا نجحت امراة في الوصول إلى أحد المناصب القيادية أو كسرت حاجز الصمت حول العنف الذي يمارس ضدها ونراه غريباً على مجتمعاتنا، غافلين بذلك أن ثقافتنا العربية والدينية تحضّنا على احترام المرأة وإعطائها جميع حقوقها المدنية والاجتماعية والاقتصادية.

وفي مقابل هذه التحديات الراهنة على مستوى مكونات العدالة وكيفية الوصول إليها، اعتمدت لجنة المرأة التابعة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، «إعلان مسقط» للعدالة بين الجنسين. وقدّم هذا الإعلان الذى أقرته وزيرات ووزراء ورئيسات ورؤساء وممثلو الآليات الوطنية المعنية بالنهوض بالمرأة في المنطقة العربية، مفهوماً شاملاً يعكس نقلة نوعية في مقاربة قضية العدالة بين الرجل والمرأة، ويرتكز على قاعدتين أساسيتين: الأولى، استحداث وتطبيق عملية رسمية للمساءلة من أجل تحقيق العدالة، وإيجاد آليات فاعلة للمحاسبة تضمن الحد من الإجراءات التمييزية، سواء في سن التشريعات والقوانين أو في تطبيقها. وتتمثل القاعدة الثانية في جني ثمار تطبيق المساءلة بما يؤدي إلى المساواة بين الجنسين من خلال إلغاء أشكال التمييز الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كافة ضد المرأة. وهذا المفهوم الشامل لا يتعارض مع الثوابت الوطنية والدينية المتعارف عليها في المنطقة العربية، فهو مفهوم يحفظ خصوصية المنطقة ويبني على قيمها الأصيلة.

ومنذ ذلك الحين، بدأت «الإسكوا» بالشراكة مع الدول العربية، البحث في اتخاذ إجراءات ترسخ العلاقة الوطيدة والمستمرة بين المساءلة والمساواة لتحقيق العدالة بين الجنسين وضمان أن النساء شقائق الرجال، وذلك من خلال وضع آليات عملية للمساءلة، ودعم التعاون بين الدول العربية لتشجيع الاجتهادات المستنيرة من خلال تعزيز الاتساق بين مفهومي العدالة والنوع الاجتماعي في الخطاب الديني.

المساواة بين الجنسين

المساواة بين الجنسين

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015