شيماء بخساس/ وكالة أخبار المرأة- قد يبدو العنوان غريبًا، وقد يتساءل البعض عمّا إذا كان العنوان عبارةً عن مصطلح جديد يضاف إلى عالم “الفوبيا”. لكن بقليل تمعّن من القارئ، بخاصة لو أنه من العالم العربي، فقد يفهم المغزى من العنوان، فالبلدان العربية، أكثر من غيرها، تعيش نوعًا من الرهاب تجاه المرأة، أو ما أسميناه “فوبيا النساء”.
تدل على ذلك الكثير من المظاهر داخل المجتمعات العربية دون استثناء، لتؤكد أن المجتمع يخاف كثيرًا من المرأة، ومن كل شيء يتعلق بها: من صوتها، من تحركاتها، من أفكارها، ومن جسدها أيضًا. ويظهر هذا الخوف واضحًا في التقاليد التي يقدسها العربيّ بكل أطيافه، رجالًا ونساءً.
قد يرى البعض أنني أبالغ، وأنّ عصر اضطهاد المرأة ولى بلا رجعة، وأن النساء بتن في كل مكان، يُمارسن حقهن في التعليم والعمل وما إلى ذلك. ومع ما في تلك النظرة من صواب لا يمكن تغافله، يبقى السؤال حول كيفية تفسير العديد من التقاليد العربية التي خُلقت خصيصًا لتقييد النساء، واتهام المجتمع لمن يتمردن عليها، أو من يرفضها حتى من الرجال.
أتفق كثيرًا مع ابن خلدون عندما قال قبل قرون، إن “اتباع التقاليد، لا يعني أن الأموات أحياء، بل أن الأحياء أموات”، وهذا ما يبرر تقديسنا لتقاليد أجدادنا من سنوات ماضية، وذلك لا يعني أنهم أحياء بيننا وإنما أننا نحن الأموات.
في مصر مثلا، تعاني المصريات كثيرًا من عمليات الختان، وبشكل مستمر لم يتوقف إلى اللحظة، في الوقت الذي ينادي فيه حقوقيون للحد من هذه العادة التي تقتل المرأة نفسيًا بتشويه جسدها.وبحسب منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) تأتي مصر بين أعلى الدول ممارسةً لختان الإناث، بنسبة بلغت نحو 97%، بخاصة مع انتمائها إلى القارة السمراء.
وفي السنة الماضية فقط، وبعد ضغوط عدة من منظمات نسوية أقر البرلمان المصري تعديلات لقانون العقوبات بموجب قانون رقم 78 لسنة 2016، ليدخل لأول مرة تعريفًا لختان الإناث في متن القانون، معرّفا إياه بأنه “ختان للأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي”، لكن ما تزال الكثير من الفتيات المصريات ضحايا لممارسة الختان.
في كل من المغرب وتونس، هناك رهاب من عذرية المرأة، التي يلجؤون للحفاظ عليها، أو بالأحرى للدفاع عن رهابهم، إلى “التقاف” أو “التصفيح” كما يُسمى في تونس. وعلى مر السنين، ورغم تطور المجتمع المغربي والتونسي، يبقى مفهوم العذرية عند الفتاة غير قابل للتغيير أو النقاش، مرتبطًا بـ”الشرف” الذي هو مرتبط بغشاء البكارة!
وبحكم الأعراف والدين أيضًا، تبقى عذرية الفتاة مطلبًا مهمًا لا تنازل عنه أمام سلطة التقاليد وأمام أعين أفراد المجتمع، الذين قد يتسامحون في عديد الأمور إلا في عذرية الفتاة، ومن أجل هذا تلجأ بعض النسوة بخاصة في الوسط القروي، إلى هذه الممارسات التي هي التصفيح أو التقاف، والتي هي ممارسات أقرب إلى الشعوذة والدجل، يُنظر إليها على أنّها درع حامٍ وحصين للفتاة أمام الشهوة.
من جهة أُخرى، هناك من لا يزال يرفض قيادة المرأة للسيارة، أو هكذا هو الحال في السعودية التي تحول الأمر فيها إلى قضية رأيٍ عام، ومنذ سنوات، دون أن يتزحزح الوضع قليلًا، وكأنّ الدولة غير مستعدة لمجتمع يرى الرجل فيه المرأة تمر من أمامه قائدة لسيارة!
غير بعيد عن السعودية، حيث البلد الجار اليمن الذي ما أن يُذكر في سياق موضوعنا، وإلا وتبادرت إلى الأذهان قصص زواج القاصرات، إما باسم الدين أو العرف والتقاليد، لكن جانبًا آخر يغيب عنا وعن المشهد العام، وهو أن اليمن من قليل البلدان في المنطقة، وربما في العالم الذي حكمته المرأة عدّة مرات، بداية من بلقيس ملكة سبأ قبل آلاف السنين، وحتى أروى بنت أحمد الصليحي، ملكة الدولة الصليحية، وأول ملكة في الإسلام. وعليه، فأحيانًا يكون تاريخ العرب مشرقًا ومشرفًا فيما يخص التعامل مع النساء عمومًا، ووصولهن إلى السلطة خصوصًا، وذلك خلافًا للحاضر.
مظاهر أُخرى تكشف الفوبيا من النساء، وهي جرائم قتل المرأة بحجة “غسل الشرف”، إما لما يتعلق بممارسة المرأة بالفعل ما يراه المجتمع مخلًا بالأخلاق، أو أمام الشائعات المغرضة التي لا تخلوا صغار المدن والقرى منها، لتكون المرأة ضحية للممارسات أُخرى شائهة تعرف باسم “جرائم الشرف”
إنها إذن فوبيا حقيقية من النساء، يتمثل تعامل المجتمع العربي معها بالهجوم، لتصبح المرأة في النهاية ضحية أعراف ومعتقدات وهمية، أو أوهام نفسية تقود المجتمع، أو ممارسات مهينة كالتي أشرنا إليها هنا، وكل ذلك يضيق الخناق على المرأة ويحرمها من حقها في أن تكون عنصرًا فاعلًا ذا احترام وحرية في المجتمع.