كتاب ( أجندة نسوية) للناقدة العراقية عالية خليل

مؤسسة النور للثقافة والاعلام- قد نربط الحركات النسوية التحررية بالعالم بقضية الحداثة السياسية التي انطلقت مع الثورة الفرنسية، ولاسيما النص المؤسس لها ألا وهو (اعلان حقوق الانسان والمواطنة)، وجاء هذا النص كجرعة تغذت عليها الحركات النسوية، وقد نجد أن وجهها المشرق تمثل في دعوة “أولمب دوكوج” واعلان المرأة والمواطنة في سنة 1792م وأصبحت هذه المرأة رمزا لنضال الحركة النسوية بعد اعدامها في سنة 1793 م، حتى تحقق حصول النساء الفرنسيات على حق التصويت عام 1944م.

وأعتقد أن أهم محطة في تاريخ نهضة المرأة العربية عموماً والعراقية خصوصاً هي إنبثاق مؤتمرات خاصة بالمرأة، ويعزى ذلك للنشاط الذي تبناه المفكر اللبناني (محمد جميل م) ضمن مساعيه الحثيثة للدفاع عن حقوق المرأة العربية، فتلقت زعيمة النهضة النسوية العراقية (أسماء الزهاوي) رئيسة نادي النهضة .. رسالة من السيدة اللبنانية نور حمادة رئيسة المجمع النسائي العربي بداية آذار 1929 تدعو فيه المرأة العراقية للتشاور من أجل عقد أول مؤتمر نسوي عربي. ودعت الزهاوي في ضوء ذلك عضوات نادي النهضة للإجتماع والمداولة في موضوع المؤتمر فضم الإجتماع بالإضافة إلى عضوات النادي عدداً كبيراً من السيدات الناشطات.

ومما قالته الزهاوي في الإجتماع (إن إجتماعنا هذا لهو دليل على أن الحركة النسوية المباركة في العراق صادقة لا يثبط عزيمة القائمات عليها معارضة الفئة  الرجعية، إننا نسير في ظلمات التعصّب المخيّم على ربوع الرافدين ولكن الصبح آتٍ قريب وسنراه بعيوننا صبحاً يفيض نوره على الربى والبطاح).

كما إشتكت الزهاوي من عجز الحكومة انذاك عن مساعدتهن ضد القوى المتعصبة التي تصول وتجول وتهدد وتتوعد، معيبة عليها (أي الحكومة) الوقوف على الحياد في هذا الصراع الإجتماعي الصعب. وهو ما أرهب بالتالي النادي وأعجزه عن تسمية إمرأة عراقية واحدة لتمثيل العراق في هذا المؤتمر المنتظر (الذي تمنته نور حمادة أن يعقد ببغداد)، فإكتفى النادي بإرسال كلمة ألقيت بالنيابة عنه في أول مؤتمر نسوي عربي والذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة.

وقد نجد في كتاب (أجندة نسوية)، إضافة جديدة في مسيرة المرأة العراقية ودراسة أحوالها، وهو مجموعة مقالات للناقدة عالية خليل إبراهيم، جمعتها وبوبتها وفق رؤية عصرية معتمدة على ثقتها بالآراء التي تطرحها، محاولةً فكّ أسر المرأة وانطلاقها في حقول الحياة المختلفة بشرط ضابط مبدأ ديمقراطي مهم، وهو الحقوق والواجبات. وبذلت جهداً في التبويب والتسمية حيث نسبت تسميتها “أجندة نسوية” كمقاربة لجدول الأعمال. وقد ظهرت هذه التسمية في العقد الأول من القرن الجديد كما أشارت الكاتبة، الى قيادة امريكا للعالم الغربي باتجاه تغيير الانظمة الشمولية في العالم العربي، وكانت دعوة للديمقراطية وضمان حقوق النساء على الاخص .. ثم بعد ذلك أصبحت العلاقات الدولية، تستند إلى أجندة مشتركة في تنظيم شؤون المجتمع الدولي وإدارته.

وتشير الكاتبة أيضاً، أنه أصبحت لكل دولة وجماعة وفئة أو طائفة “أجندة”، ومن هنا قسمت مقالاتها الخاصة بالمرأة على شكل أجندات ابتداءاً من المقدمة، دخولاً بالتمهيد، خروجاً إلى المقالات الأخرى. ولايفوتنا أن نؤكد أنها بشرّت بمنهج قرائي جديد، قد يكون خاصاً بها، عرفته (بالنسوية الإسلامية) .. وبعد التمهيد تناولت “المرأة العراقية بعد التغيير” الحادث بسقوط الدكتاتور 9/4/2003 وسمتها “الثوابت والأجندة الجديدة”؛ تناولت فيها معضلة سوق العمل واعتمدت نسباً معينة، وكانت من حسنات البحث العلمي ورصانته، أن تأخذ عيّنات دلت من خلالها أن المرأة العراقية أخذت دورها في الوظائف العامة وبالتالي حتى وزارة الدفاع العراقية فتحت نوافذها للمرأة ولو بشكل محدود. فاعتبرت الكاتبة عالية هذا خلخلةً في الثوابت الاجتماعية الراكدة، رغم أن انخراط المرأة بالعمل كان بدافع الفقر. وعزت هذا الأمر لعدم مساهمتها بمناقشة ما يجري من حولها من أمور.

وأشارت بأن أكثر المتعلمات بلا أجندة بعلة كون التعليم يقوم على فلسفة غير محدثة؛ وهذا أدى إلى عدم مراجعة الذات بالنسبة للمرأة، فبقيت أسيرةً لتلك الأنماط التقليدية من وحي الثوابت الاجتماعية، وبالتالي بقيت في شرنقة التعليم التلقيني. وظلّ الحال بعد التغيير، رغم الكوتا وصعود عناصر نسوية إلى البرلمان إلا أن صاحب هذا صعود نخبة إسلامية إلى الحكم حجمت دور المواطنة وبرزت الهوية الفئوية .. وأعطت الكاتبة إضاءة بقراءة كتاب الأداء البرلماني للمرأة العراقية للدكتورة نهلة النداوي، بتكوين شبه كتلة نسوية في مثال إقالة رئيس البرلمان المشهداني نتيجة اتحاد النساء في رفض تصرفه أنذاك تجاه المرأة.

وهكذا أخذت الناقدة عالية تتناول نشاطات المرأة العراقية في كافة مجالات الحياة، ولكن كان نشاطها يمتاز بالتردد والخجل وخاصة دور الإعلامية في البث الفضائي .. تقول الباحثة : (والشيء اللافت أن كل قناة تابعة لحزب أو توجه سياسي أو ايديلوجيا معينة تقدّم قضية المرأة على مقاساتها)، وهذا الامر كان بعد التغيير؛ لأنه قبل التغيير كانت المرأة الإعلامية مُستغَلّة تماماً ليس لها دور واضح .. وفي مقالة الحجاب تحدثت عن ثبوته في القرآن والفقه وهي الحدود المعقولة التي تحفظ للمرأة كرامتها الشخصية اللائقة .. وقد ابيح لنفسي القول أن الحجاب الاسلامي أو الزي لافرق هو بمثابة الحفاظ على الحدود المعقولة وحسب الفقه الشيعي أباح للمرأة المحجبة حرية العمل والحركة بأن حدد حجاب الجسد ماعدا قرص الوجه والكفين، واشترط الحشمة التي أكدت عليها الكاتبة عكس حجاب “المودرن”الذي تظهر فيه المرأة كل معالم فتنتها وزينتها مع الالتزام بتغطية الشعر. وتقول الكاتبة : (وبذلك نرى الآن بعض الفتيات بطابقين في الزي، تراث ديني على الرأس وعولمة ثقافية غربية على بقية الجسد)، واعتبرت هذا تناشز ثقافي ابتليت به المجتمعات التقليدية .. وهذا يؤدي إلى جرح الهوية الحقيقية.

وتطرقت إلى ظاهرة التحرّش وتحدثت عنها بصورة واقعية كونها امرأة عاشت حالات استفحال هذه الظاهرة في زمن الحصار الاقتصادي بعلة عدم مقدرة الشباب على الزواج الذي يشبع الدافع الجنسي. وقد قلّت هذه الظاهرة نوعاً ما بعد التغيير لتحسن الحالة المعاشية.

وحاولت الكاتبة أن تلفت النظر لملف التحرّش ومعالجته ضمن تشريعات قانونية لمعاقبة المُتحرِّش وتشجيع المرأة على المطالبة بحقوقها في الشارع بدون خجل أو خشية أن تُتهم بسوء الخلق.

وكانت جرأة الكاتبة واضحة في تناول قضية المتعة، هذه الظاهرة أو الرابطة، وعلى الرغم من تقعيدها، أي وضعها وفق قواعد، الا ان المتعاملين بها يخرقون تلك القواعد ويسيئون لها وبالتالي افراغها من محتواها الشرعي، وستبقى مؤسسة الزواج الدائم، هي الأصلح في ديمومة العلاقة وإثراء الحياة الجميلة بين المرأة والرجل. وطرحت الكاتبة عالية خليل شبه أمنية في مجتمع لازال منغلقاً وذي عقلية عشائرية متأصلة، حيث تقول : (كان من الممكن لهذا الزواج؛ لوكان المجتمع سوياً ومحصناً وواعياً وأكثر انفتاحاً وتقبلاً لخيارات أفراده الشخصية، أن يخفف من الاحتقان الجنسي في بلد يعاني من ارتفاع في نسبة النساء وقلة في الذكور ويعاني شبابه من البطالة الاقتصادية والازمات النفسية ويكون في الاغلب مستنزفا جسدياً وروحياً من قبل ثقافة العري والجنس المُروّج لها وبشكل مقصود في جميع وسائل الاعلام، وفي بلد تزداد فيه نسبة العنوسة لكلا الجنسين وتنتشر فيه الجريمة المنظمة والشذوذ الجنسي والأخلاقي يوماً بعد يوم، كان من الممكن لهذا الزواج أن يخفف من حدة الأزمات النفسية للشباب والعوانس ويمنح المطلقات والأرامل حصانة أخلاقية ومجتمعية ومورداً اقتصادياً يساعدهن في تحمل أعباء المعيشة شريطة القناعة الشخصية وعدم الإكراه وحفظ كرامة المرأة).

وفي حقل آخر طرحت نموذج شذا حسون ومن خلالها وجدت الكاتبة صورتين أو نمطين : النمط الأول القديم الكلاسيكي وتمثّله المرأة الفقيرة الباكية المتشحة بالسواد البشعة المترهلة الخاضعة المستسلمة، والنمط الثاني الجديد وتمثّله المرأة الجميلة الأنيقة الواثقة من نفسها، الجريئة، فتاة الإعلام والإعلان والحياة المرفهة ..

وطرحت بمقابل هذا الثوابت ودافعت عنها، كتأصيل في السلوك والوجدان .. ومن قيمة التأصيل والثابت جددت الكاتبة الدعوة إلى تأسيس مجلس وطني لحماية حقوق المرأة العراقية بقولها : (بعد كل ما طرح أصبح لزاماً أن يُصادق مجلس النواب على مشروع تأسيس منظمة أو مجلس وطني لحماية حقوق المرأة وتقديم الدعم والمشورة لجهود تمكين المرأة وتقييم جهدها الأدائي والإبداعي للنهوض بواقع المرأة العراقية وترصين دورها الحضاري في مشروع بناء الدولة).

وفي مقالة أخرى سجّلت ملاحظاتها على كتاب (مدينة الأرامل) لهيفاء زنكنة (ومذكرات امرأة شيعية) رواية رجاء نعمة. حيث أظهرت من خلال الموازنة صراع الهويات ووجودها الموضوعي .. ودلت على صراع معين بقولها: (هناك عينان لرؤية الغرب، عين ترى في الغرب صورة المستعمر، وعين ترى صورة الحضارة الإنسانية التي غمرت العالم بنورها وشتان في النظرة إن كانت الأولى مدفوعة بكراهية مقيتة كما عبّرت عن ذلك هيفاء زنكنة …. وبين نظرة ترى في الغرب الوعد الحضاري الذي أشرق على العالم بأنواره كما عبّرت عن ذلك رجاء نعمة).

وبما ان الادب كما هو معروف، معرفة بدهية أنه انعكاس عن الواقع ومؤثراته، وما أكدته الكاتبة هنا أن هذه البدهية حتى عند أولئك الأدباء الذين كرّسوا في كتاباتهم استقلالية الأدب عن شرطه الاجتماعي والسياسي وحاولوا جعله نشاطاً لغوياً، غير أن هذه الأبعاد بقيت عالقة في الأدب سواء كان شعراً أم سرداً .. والظاهر أن هذا الأمر أكدته دراسات ومنهجيات ما بعد الحداثة وبالتالي أصبح إطاراً منهجياً لما يسمى بالنقد النسوي.

وفي أجندتها الأدبية درست الوجع الذي حملته أشعار نسوية عراقية أمثال عنوانات انشطارات الذاكرة/آمنة عبدالعزيز،ومن بقايا ذاكرة/غرام الربيعي، انشطار/منور ملاحسون وهناك أشعار حملت الوجع والأسئلة مثل أغنيتي والأسئلة/ناهضة ستار، تساؤل/فليحة حسن ..وغيرها من النصوص الاخرى ..

وأظهرت صراع المرأة لإثبات وجودها مقابل هيمنة الآخر في السرد العراقي وتناولت عدة من القصص والروايات مثل “مناديل أنثى” للقاصة اطياف ابراهيم سنيدح، وعدداً آخر من النماذج ..

وفي أجندة فكرية ذكرت كيف ظهر مصطلح النسوية الإسلامية في مطلع التسعينات وفي العاصمة طهران بعد الثورة الاسلامية وفي ظل ولاية الفقيه وقالت الكاتبة في هذا الصدد: (يهدف مفهوم النسوية الإسلامية في مجمل ما تدعو إليه دعاته من النساء والرجال إلى إعادة قراءة النصوص الدينية والشريعة الإسلامية من منظور نسوي، أي ايجاد منظومة لتفقّه نسوي في الدين، وهذا يعني منح رتبة أو درجة الاجتهاد للمرأة المسلمة، وهذا ما يرفضه الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية مستندين إلى أحاديث نبوية بهذا الشأن). ولكن الكاتبة أعطت مثال المرأة المتفقهه بالدين، وهي بنت الهدى، فهل ترضخ المؤسسة الدينية للقضية النسوية الرافضة للتمركز وثالوث الدين المتمثل بـ(المقدس، السلطة، الذكورة)؟

بيد أن الكاتبة أكدت بأن إعلان الرفض والمناداة بأحقية قراءة النصوص وتأويلها من قبل المرأة أسوةً بالرجل؛ لايعني التصادم والقطيعة مع منظومة الفقه السائدة والمُتبَنّاة من قبل جمهور المسلمين، وقد تكون هي لبنات أولى للحوار مع المؤسسات الدينية المتحكمة بشقيها السني والشيعي.

حسب خارطة المشاركة النسائية في أنشطة المجتمع، يبدو واضحا انحدار حالة المرأة العراقية بسبب القوانين المجحفة بحقها على سبيل المثال، الولاية أو الوصاية الأبوية والزوجية ، مسألة الإرث والشهادة في المحاكم...

حسب خارطة المشاركة النسائية في أنشطة المجتمع، يبدو واضحا انحدار حالة المرأة العراقية بسبب القوانين المجحفة بحقها على سبيل المثال، الولاية أو الوصاية الأبوية والزوجية ، مسألة الإرث والشهادة في المحاكم…

وهكذا يبقى كتاب (أجندة نسوية) مثار جدل وحوار يستحق الالتفات له والتمعن فيه …

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015