“كورونا” يُفاقم العنف الأسري بحقّ لاجئات سوريّات في الأردن
لاجئات سوريّات في مخيم الزعتري في الأردن (أرشيف: صلاح ملكاوي/ المملكة)

آلاء نصار & ندى عطية/ syriadirect- “لم يعد المنزل هو المكان الآمن لي ولأطفالي، فألم الاضطهاد فيه يفوق ألم آلاف الفيروسات في الخارج”، تقول اللاجئة السورية إلى الأردن روان (اسم مستعار)، حول كيفية قضائها أيام الحجر المنزلي مع فرض الحكومة الأردنية حظر التجول لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد. إذ “زادت حدّة العنف الجسدي واللفظي الذي يمارسه زوجي علي”، كما تذكر لـ”سوريا على طول”، من خلال “ضربي ونعتي بألفاظ نابية منذ أن بدأ فرض الحظر” في 21 آذار/ مارس الماضي. واصفة العنف الذي تتعرّض له بأنه “أصبح أمراً اعتيادياً ويومياً في حياتها، كالهواء الذي تتنفسه والطعام الذي تتناوله”.

وفيما لا تتوفر إحصاءات رسمية لأعداد النساء المعنَّفات في الأردن بشكل عام خلال فترة الأزمة الحالية، تؤكد الأمينة العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة، سلمى النمس، ملاحظة “ارتفاع في نسبة العنف الممارس على النساء منذ اليوم الأول لفرض حظر التجوّل، مع إغلاق المحاكم والتجمعات المدنية”. مضيفةً في حديثها إلى “سوريا على طول” إلى أنه “حذَّرنا الحكومة على الفور بأنه ستكون هناك زيادة في العنف قد لا يتم توثيقها”، إذ إن “تواصل المرأة مع الشبكات الرسمية التي تتعامل مع حالات العنف قليل جداً، كما لا تزال لدينا قيود على كيفية تمكّن النساء المعنَّفات من الوصول إلينا. إذ إن أول ما تفعله هؤلاء النسوة هو الخروج للتحدّث إلى العائلة والأصدقاء، من دون أن يفكّرن بالتقاط هواتفهنّ المحمولة لتقديم شكوى عبر إدارة حماية الأسرة أو المنظمات الفاعلة في هذا المجال”.

معضلة الحماية

“حالات العنف الأسري في الأردن بازدياد في ظل أزمة كورونا” كما تؤكّد أيضاً، المديرة التنفيذية لاتحاد المرأة الأردنية، أشارت مكرم عودة. لكنها “لا تخص النساء اللاجئات السوريّات فقط، وإنما تشمل الأردنيّات وعاملات المنازل أيضاً”.

وتعدّ إدارة حماية الأسرة من أبرز الجهات الحكومية الفاعلة في تقديم المساعدة للنساء المعنَّفات في الأردن، بدءاً من تأمين المأوى للمرأة المعنَّفة وحمايتها، وحتى إحالة القضية إلى الجهات القضائية إن طلبت المرأة ذلك.

كذلك، تعمل منظمات محلية أخرى، مثل اتحاد المرأة الأردنية على “حماية وإيواء النساء المعنَّفات وأطفالهنّ إن وجدوا، سواء كنّ لاجئات أو مواطنات. بالإضافة إلى توعيتهنّ بحقوقهنّ والعمل على تمكينهنّ مجتمعياً واقتصادياً” بحسب عودة.

كما تعمل اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة على “نظام إحالة قضايا النساء المعنَّفات إلى الجهات المعنية، كإدارة حماية الأسرة، بعد استقبال شكاويهنّ عبر خطوط ساخنة لهذا الغرض”، بحسب النمس التي تُلفِت إلى أنه “على الرغم من أن اللجنة لا تركّز على قضايا اللاجئين، فإن استراتيجيتنا الأخيرة التي اعتمدتها الحكومة، شملت جميع الفئات الضعيفة بما فيها اللاجئون”. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ معظم النساء المعنَّفات “لا يُرِدن تقديم شكوى إلى إدارة حماية الأسرة”، كما تقول النمس، إذ “يُرِدن المساعدة في الحماية والدعم، لكنهنّ لا يعرِفن إلى أين يذهبن وماذا يفعلن”.

أما في حالة اللاجئات تحديداً، فيعدّ قسم الحماية التابع للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن المسؤول عن استقبال حالات التعنيف الأسري الخاص باللاجئين. “وعلى الرغم من القيود المفروضة على الحركة” ضمن إجراءات مواجهة فيروس كورونا، فإن “موظفي قسم الحماية متواجدون على مدار 24 ساعة لاستقبال الاتصالات على الخطوط الساخنة، وتقديم المشورة لضحايا العنف المنزلي وإن كان عن بعد”، بحسب ما تؤكّد المتحدّثة باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين-الأردن، ليلي كارليل، لـ”سوريا على طول”. وبشكلٍ عام، تقدّم “المفوضية مساعدة نقدية عاجلة لضحايا العنف في الحالات التي قد يحتاجون فيها إلى مغادرة الأماكن التي يعيشون فيها، والبحث عن مأوى في مكان آخر”.

لكن من وجهة نظر السيدة روان، فإن “استقبال الاتصالات من اللاجئات المعنَّفات وحده لا يكفي”. معتبرةً أنه “كان يجب على المفوضية تخصيص مراكز إيواء، وتأمين الحماية لنا. ففي ظلّ تلك الظروف ماذا سأستفيدُ من التواصل معهم عبر الهاتف وأنا أعيش مع معنِّفي في نفس المنزل؟ أو حتى إن أعطوني المال بلا حماية”.

وفيما لم يتسنَ لـ”سوريا على طول” الحصول على إحصاءاتٍ بشأن عدد ضحايا العنف الأسري من اللاجئات السوريّات خلال الأزمة الحالية، تذكر كريستينا كاغدو، الناشطة في مجال حقوق المرأة، استناداً إلى إحصاءات إحدى المنظمات التي عملت فيها بالأردن، أنه تمّ “الإبلاغ في العام 2019، عن 168 حالة للاجئات سوريات تعرّضن للعنف المنزلي من أصل 9000 حالة في الأردن”.

عوامل نفسية واجتماعية متوارثة فاقمتها الأزمات

منذ اليوم الأول الذي زُفَّت فيه ميساء (اسم مستعار) إلى زوجها، وكان عمرها 22 عاماً، “تعرّضتُ للضرب من زوجي”، كما تروي. مبرراً تصرّفه بأنها “عادة متوارثة في عائلته كي لا تخرج زوجته عن أمره، ولزرع الخوف في قلبها حتى لا تسيء إليه”.

وتكمل ميساء في حديثها لـ”سوريا على طول”، أنه “عندما اتصلتُ بعائلتي، طلبت مني السكوت. فهم لا يعتبرون ذلك مشكلة، خاصة وأن العريس مقتدر مادياً، وهو بمثابة فارس الأحلام على حدّ تعبيرهم. لكنه بالنسبة لي كان قاتلاً للأحلام وللسكينة النفسية”.

اليوم، وبعد سبع سنوات من زواجهما، والتي تخلّلها لجوؤهما إلى الأردن،  لا يحتاج زوج ميساء “لمبرّرات كي يعنِّفني. إذ بوجود وباء كورونا أو عدمه أتعرّض للضرب أنا وأطفالي”.

وتتمثّل أهم العوامل التي ما تزال تقيّد النساء المعنَّفات في البلدان العربية  بشكلٍ عام، بحسب الأخصائية الأسرية والنفسية رهف محي الدين، في “تلك التي ترتبط بالثقافة المجتمعية المتوارثة، وربطها بمبادئ وقيم دينية بشكل مغالط للحقيقة. ومن أبرزها، النزعة الذكورية التي تتيح للرجل فعل ما يشاء، والصورة النمطية التي ترعرعت فيها المرأة، خاصةً إن كانت أمّها قد تعرّضت لذات العنف من والدها”. فهي بهذه الحالة، كما تضيف محي الدين، لن تجرؤ على كسر دائرة العنف الذي تتعرّض له، لأنها تعيش وضعاً طبيعياً، ولن تستطيع تحديد ما إذا كان ما تتعرّض له تعنيفاً أم لا”.

في هذا السياق، فإن ردّ أسرة ميساء على ما تتعرّض له هو “ابقِ في منزلك، لا تجلبي لنا الفضيحة”، كما تقول، “وكأن الفضيحة مقرونة بخروج المرأة من منزلها الذي تعيش فيه مع وحشٍ على هيئة بشر”. مضيفةً: “إن تقدّمت بشكوى، سيتبرأ أهلي مني ولن يستقبلوني. كما إنني أخشى من سلطة زوجي إن شكوت أمر تعنيفي لجهة قضائية، إذ لديه الكثير من الأصدقاء [المتنفّذين]، ويمكنه دفع أي تكاليف مالية للوصول إليّ والانتقام مني”.

وتلفت محي الدين إلى أن “حالات الطلاق بين اللاجئات في أوروبا أكبر من اللواتي يعِشن في الدول العربية، بسبب انفتاح المجتمعات هناك، وتأمين المرأة المعنَّفة أو المطلَّقة بسكن ملائم وتوفير متطلباتها ومتطلبات أطفالها المعيشية والدراسية أيضاً”. محذّرةً من “أن كتمان العنف المنزلي الذي تتعرّض له النساء في هذه الظروف، له تأثيرات سلبية على صحتهن. إذ قد يسبب للمرأة استنزافاً عاطفياً وأمراضاً عصبية،  وارتفاعاً في ضغط الدم أو احتشاء عضلة القلب، نتيجة ارتفاع مادة الكورتيزول الذي تفرزه الغدة النخامية وانخفاض هرمون تعديل المزاج  في الجسم، والذي قد يؤدّي لاضطرابات بيولوجية وانهيارات عصبية نتيجة التوتر والضغط المستمر لزمن طويل، مما يدفعها لممارسة العنف على من هم تحت سلطتها ألا وهم أطفالها”.

وكانت تستقبل محي الدين في إحدى المنظمات التي تعمل بها ما بين “20 إلى 30 حالة عنف منزلي للاجئات سوريات. وهي إحصائية لمنظمة واحدة فقط ولشهر واحد، فكيف ستكون الإحصاءات الشاملة لجميع المؤسسات مع ارتفاع حدّة العنف خلال أزمة كورونا، خاصةً مع تطبيق حظر التجوّل الذي فَرَضَ على الضحية المعنَّفة البقاء مع المعتَدي عليها في نفس المنزل طوال الوقت؟”.

لاجئات سوريّات في مخيم الزعتري في الأردن (أرشيف: صلاح ملكاوي/ المملكة)

لاجئات سوريّات في مخيم الزعتري في الأردن (أرشيف: صلاح ملكاوي/ المملكة)

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015