موقع “سوريا على طول”- على مدى السبع سنوات الماضية من القتال في سوريا، لم تؤدّ الجهود الدولية المتكرّرة لبناء السلام إيجاد حلّ طويل الأمد. واليوم، فإن العديد من الأشخاص داخل سوريا وخارجها يخرجون من جولات محادثات السلام دون جدوى، لا سيما وأن القوات الحكومية تستعيد المزيد والمزيد من مساحة البلاد.
في الآونة الأخيرة، انهارت المفاوضات التي قادتها الأمم المتحدة في جنيف في كانون الأول عام 2017 بعد أن رفض ممثلوا الحكومة السورية مناقشة أهم نقطتين محوريتين في جدول الأعمال: دستورٌ جديد وانتخاباتٌ رئاسية جديدة. وفي الوقت الذي وافق المشاركون في مؤتمر سلامٍ رعته روسيا في كانون الثاني الماضي على خطّةٍ لتشكيل لجنة دستورية، قاطعت معظم المعارضة السورية المحادثات.
وبما أن عمليات السلام التي تقودها الأمم المتحدة وروسيا ما زالت في طريقٍ مسدود إلى حدّ كبير، فإنه لم يتم بعد اعتماد أي تجربة استراتيجية وإن كانت بسيطة: مثل زيادة عدد المشاركات من النساء.
وقالت راشيل فوغلشتاين، مديرة برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مجلس العلاقات الخارجية، مركز أبحاث مقرّه واشنطن، “أن إدراج المزيد من النساء على طاولة السلام ليس فقط الشيء الصحيح الذي ينبغي القيام به، بل هو الشيء الذكي والاستراتيجي الذي يجب القيام به”.
وفي تقريرٍ تفاعلي عام 2018 بعنوان “مشاركة المرأة في عمليات السلام” قدّمت فوغلشتاين وفريقها في لجنة تقصّي الحقائق 12 دراسة فردية لتقييم الدور الرسمي وغير الرسمي الذي لعبته المرأة في عمليات السلام في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سوريا.
وعندما تشارك النساء في محادثات السلام كمُفاوِضات أو موقِّعات أو وسطاء أو شهود، فإن الاتفاق الناتج عن ذلك يزيد بنسبة 35 في المائة على الأرجح لأكثر من 15 عاماً، وفقاً لدراسة أجريت عام 2015 لـ 182 اتفاقية سلام من عام 1989 إلى عام 2011 نشرها معهد السلام الدولي في نيويورك.
وبالرغم من ذلك، فإن النساء لم تشكّل إلا 15 في المائة فقط من المفاوضين في جولة مفاوضات السلام السورية التي قادتها الأمم المتحدة في جنيف في كانون الأول عام 2017.
وقالت فوغلشتاين لمراسلة (سوريا على طول) أليس المالح “يجب أن نستثمر ضمن استراتيجية ثابتة من خلالها يمكننا الوصول إلى اتفاق سلامٍ ممكن في المقام الأول ومستمر أيضاً”.
وفي مقابلتها مع موقع (سوريا على طول)؛ تقدّم الباحثة فوغلشتاين قضية للنساء السوريات اللواتي يشغلن مقاعد أكبر على طاولة المفاوضات. وقالت “إن الفكرة القائلة بأن لدينا فرصة لتحسين استدامة واستمرارية السلام ببساطة عن طريق إشراك النساء على الطاولة هي فكرة مهمة لا يمكننا أن نتجاهلها”.
لماذا ينبغي إشراك المزيد من النساء في عملية بناء السلام؟
وفي هذه المرحلة، هناك مجموعة قوية من الأدلة على أن مشاركة المرأة في منع نشوب الصراعات وحلّ الصراعات تسهم في تحقيق السلام والاستقرار، وتحسين النتائج قبل الصراع أثناءه وبعده. وعلى سبيل المثال، تشير البحوث إلى أن مشاركة جماعات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات النسائية في مفاوضات السلام تجعل اتفاق السلام الناتج عن ذلك 64 % أقل احتمالاً للفشل.
كما أنه يزيد من احتمال إبرام اتفاق سلامٍ في المقام الأول. ولدينا أيضاً أدلةٌ تشير إلى أنه عندما تشارك المرأة في عمليات السلام، فإن الاتفاق الناتج عن ذلك من المرجح أن يدوم 15 عاماً على الأقل بنسبة 35 % أكثر.
وفي عصرٍ يتسم بالعودة إلى الصراعات، فإن الفكرة القائلة بأن لدينا فرصة لتحسين استدامة السلام وديمومته بمجرد إشراك المرأة على طاولة السلام هي رؤيةٌ هامة لا يمكننا أن نتجاهلها.
وعلى الرغم من مساهمة المرأة في منع نشوب الصراعات وحلّها على حد سواء، فإنها غالباً ما تُستَبعد من جداول التفاوض. لذا، فإن القضية التي ذكرناها هنا في مجلس العلاقات الخارجية هي أن إشراك النساء على طاولة السلام ليست مجرد الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، بل هي في الحقيقة الأمر الذكي والاستراتيجي الذي ينبغي القيام به.
في عام 2000 أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراراً يعترف بإن ادراج المرأة في عمليات السلام يمكن أن يسهم إسهاماً كبيراً في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين و تعزيزهما. هل حدثت تغيّراتٌ ملحوظة في مستوى مشاركة المرأة في السنوات التي تلت ذلك، وفقاً إلى بحثكم؟
نعم أعتقد أن عدد الدول والحكومات التي ارتقت بالفكرة القائلة بأهمية إشراك المرأة في صنع السلام وحفظ السلام قد ارتفع بشكلٍ كبير منذ قرار عام 2000. فعلى سبيل المثال، قام عددٌ من البلدان بسنّ خطط عملٍ وطنية لضمان مشاركة المرأة في السلام والأمن من خلال استراتيجيات الحكومة الوطنية [اعتباراً من شهر آذار 2018، اعتمد 74 بلداً خطة عمل وطنية لتنفيذ برنامج قرار الأمم المتحدة عام 2000].
ومن ناحيةٍ أخرى، عندما تنظر إلى الأرقام يمكنك أن ترى أن عدد النساء المشاركات في طاولة السلام لم يزداد إلا زيادةً تدريجية. إنه تقدم بطيء بشكل لا يصدّق، وأودّ أن أقول أنه يجب عمل الكثير وعلى وجه الخصوص نحن بحاجةٍ إلى موارد أكبر للتأكّد من امكانية مشاركة المرأة في قطاعي الأمن والسلام.
ما الذي يمكن فعله لإشراك عدد أكبر من النساء؟
هناك عدّة طرق. نحن نوصي في تقرير الـ CFR لعام ٢٠١٧ بتبني هدف الأمم المتحدة لتوظيف ١٥٪ من مساعدات بناء السلام والأمان في البلدان المتضرّرة جراء النزاعات في بذل الجهود التي تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة وحمايتها. ويشمل ذلك التمويل والدعم الطويل الأمد للجماعات النسائية المحلية لزيادة فعاليتها.
كما نشجّع أيضًا الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى لضمان تمثيل النساء بنسبة ٣٠٪ من مجموع المندوبين، على الأقل، في عمليات السلام والأمن. ويجب أن يكون الشرط الأساسي للمشاركة في عملية السلام هو مشاركة الإناث بنسبة ٣٠ في المئة، مع قيام النساء بأدوارٍ رسمية، إلى جانب الأدوار غير الرسمية المتعلقة بالمجتمع المدني.
أعتقد أن النقطتان الرئيسيتان هنا هما ضمان مشاركة المرأة ومكانها على الطاولة، ثم التأكّد من وجود موارد كافية لدعم تلك المشاركة.
عند إشراك النساء في مفاوضات السلام، كيف يمكننا التأكّد من أنّ مخاوف النساء تؤخذ على محمل الجد، بحيث لا ينتهي الأمر بها على أنها “شكليّة” دون أيّ تأثيرٍ فعلي؟
أعتقد أن أنواع الأدوار التي تهمّ المرأة لها أهمية. على سبيل المثال، إذا تمّ إرسال النساء في مهمةٍ خارجية، ولم يتمّ إعطائهن أدواراً رسمية، فإن قدرتهنّ على التأثير سوف تتأثّر.
هناك مجموعة من أبحاث العلوم الاجتماعية التي تشير إلى أنّه عندما تصل المرأة إلى مرحلةٍ مهمة أي يتمّ تمثيلها بنسبة ٪٣٠، يكون لصوتها تأثيرٌ أكبر من ذي قبل. وهذا بالتأكيد صحيح خارج نطاق الصراعات، وفي الحياة السياسية، وحتى في قيادة القطاع الخاص.
كان هذا هو الحال، على سبيل المثال [في دراسةٍ أُجريت عام ٢٠٠٤ على مجلس إحدى القرى في الهند]، عندما وصلت مشاركة المرأة إلى ٣٠٪ في مجلس القرية المحليّ، أظهرت التحليلات وجود اختلافٍ في طريقة اتخاذ القرار: أصبحت النساء أكثر اهتماماً في المجمل بقضايا الصرف الصحي ومياه الشرب النظيفة والتعليم، أي كانت هناك تحولات سياسيّة واضحة.
عندما تقوم بمقارنة ذلك، تجد أنّه ليس لدينا أمثلةٌ على وصول النساء إلى هذا الحدّ، لذلك من الصعب، تقديم حجّةٍ قويّة تستند إلى الأدلة حول النسبة الملائمة للمشاركة أو مجموعة الأدوار التي من شأنها تحسين التأثير النسائي. ولكن ما نعرفه من قطاعاتٍ أخرى هو أن وجود أدوارٍ رسمية ووجود أدوارٍ مهمة أحدث فرقاً في تلك السياقات.
بالانتقال إلى السياق السوري على وجه التحديد، أنشأ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا، ستيفان دي ميستورا، لجنةً استشارية نسائية في عام ٢٠١٦ ودعا ١٢ امرأة سوريّة للمشاركة كطرفٍ ثالثٍ مراقب في مفاوضات جنيف. كيف تقيّمين دور وفعالية هذه اللجنة حتى الآن؟
على الرغم من بدء المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة في عام ٢٠١٢، إلا أنّ اللجنة الاستشارية لم يتمّ إنشاؤها حتى عام ٢٠١٦، لذلك مرت سنواتٌ دون مشاركة المرأة. وبالرغم من أنّه أمرٌ رائع أن يكون هناك لجنة استشارية، إلا أن المشاركة كطرفٍ ثالثٍ مراقب ليست مماثلةً لوجود مقعدٍ رسميّ على الطاولة.
يفوق عدد الرجال عدد النساء بشكلٍ كبير من حيث الأدوار الرسمية. وشكلت النساء حوالي ١٥٪ من وفود المعارضة والوفود الحكومية في المحادثات التي جرت في كانون الأول في جنيف. ما يزال هناك الكثير من العمل للقيام به.
ما هي الطرق الأخرى التي شاركت بها النساء في سوريا في عملية السلام؟
وسّعت المرأة، سواءٌ على طاولة المفاوضات أو المشاركة في المجتمع المدني، الأجندة، وتجاوزت الانقسامات وساعدت في الواقع على التفاوض من أجل وقف إطلاق النار في المجتمعات المحلية.
على سبيل المثال، مارست مجموعةٌ من النساء الضغوطات، في إحدى ضواحي دمشق، على مجموعةٍ عسكريّة لقبول وقف إطلاق النار لمدة ٢٠ يوماً مع قوات النظام، حسب ما جاء في تقرير الأمن الجماعي في عام ٢٠١٤ [وهي منظمة غير حكومية تهدف إلى تعزيز مشاركة المرأة في عمليات السلام من خلال البحوث والدعم].
وفي عام ٢٠١١، أغلقت النساء طريقاً سريعاً [في مدينة البيضا الساحلية، وطالبن بالإفراج عن المعتقلين]. أسفر الاحتجاج عن إطلاق سراح مئات المعتقلين عشوائياً من عدة قرى.
وهناك أيضاً حادثةٌ أخرى: دخل مجموعةٌ من المسلحين قريةً، ولم يتمكّن الرجال من الخروج بسبب التهديد بالقتل. عندها خرجت النساء و حاصرن المقاتلين و أجبروهنّ على المغادرة [حسب ما قالته إحدى المشاركات في اجتماعٍ لمبادرة النساء السوريات من أجل السلام والديمقراطية في ٢٠١٤].
اتُهمت محادثات جنيف للسلام بأنها غير فعّالة ومنفصلة عن الواقع على الأرض، لا سيما وأنّ العنف الشديد مستمرٌ في سوريا. إذا كانت فاعليّة المحادثات نفسها موضع تساؤل، ما هي أهميّة إشراك النساء، من وجهة نظرك؟
إنّ زيادة العنف تؤكّد الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع. يجب أن نستثمر في استراتيجيةٍ ثابتة -وبالتحديد، بما في ذلك النساء- من شأنها أن تجعل اتفاق السلام أكثر فعّالية واستمرارية.
وفي ضوء البحث، فإن السؤال ليس التالي “ماهي أهمية إشراك النساء؟” بل بالأحرى، “لماذا لا نستغل الفرصة للتوصّل إلى نتيجةٍ فعّالة ونزيد احتمال التوصّل إلى اتفاقٍ من المُرَجّح أن يستمر”.
انهارت الجولة الأخيرة من محادثات السلام التي عُقِدت في سوتشي، في أعقاب مجموعةٍ غير ناجحةٍ من محادثات الأمم المتحدة في كانون الثاني، وهنا لدينا استراتيجية ليست في الواقع مكلفة بتطبيقها، كما أنّ الأدلة تشير إلى أنها ستجعل الجهود الدبلوماسية في هذا المجال أكثر فاعليّةً. لذا، فإن السؤال المطروح هو “لماذا لا نفعل ذلك؟”
إذا كان إشراك المزيد من النساء في عملية السلام هو حلٌّ واضح، فلماذا يكون التقدّم من هذه الناحية بطيئاً؟ ما هي المعوقات؟
كثيراً ما نسمع أنّ ضمّ ممثلين جدد، بما في ذلك الجماعات النسائية، في المفاوضات، يمكن أن يهدّد المفاوضات الهشّة بالفعل. إلا أنّ الأدلة تُظهر خلاف ذلك. لدينا أدلةٌ على أنّ مشاركة النساء كمُفاوِضات، كخبيرات، أو كمُمثّلات للمجتمع المدني، في الواقع يقلّل من خطر فشل التفاوض ويزيد من شرعيّة المفاوضات كما يحسّن من احتمال التوصّل إلى اتفاقٍ ويضمن استمراريته.
غالبًا ما يُشار إلى الثقافة على أنها تهديدٌ لجدوى مشاركة المرأة في عمليات السلام. على سبيل المثال، هناك مخاوفٌ من أن تشجيع مشاركة المرأة سيكون غير مناسبٍ للمجتمع. ما يتم تجاهله حقّاً هو أنه سواء كنا نتحدث عن سوريا أو أفغانستان أو اليمن، فهناك جهاتٌ محليّة في المجتمعات المحافظة قادت الدعوات إلى تخصيص حصصٍ للجنسين أو لإدراج وجهات نظر المرأة على الطاولة. هناك اهتمامٌ حقيقي بمشاركة المرأة. ويمكن أن يتيح فرصةً لوضع أسسٍ لمستقبلٍ أكثر عدلاً وازدهاراً، من أجل دولة ما بعد الصراع. هناك دليلٌ قوي على أنّ مشاركة المرأة، ليس فقط في الحياة السياسية ولكن أيضاً الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ترتبط بكلّ من الازدهار والاستقرار.
يدّعي البعض أن مشاركة المرأة في عمليات السلام غير ممكنة، بسبب الافتقار إلى النساء اللواتي يتمتّعن بالخبرة التقنيّة اللازمة. من المؤكد أنّه في معظم مناطق العالم، لا يكون هناك تمثيلٌ كافٍ للمرأة في السياسات الوطنية أو في القوات المسلّحة، ولكننا رأينا أيضاً أنّ هذه الفجوة بدأت تتلاشى. ويعزى ذلك جزئياً إلى التدريب وبناء القدرات، وفي العديد من الحالات، هناك منظمات المجتمع المدني المحليّة والوسطاء الدوليين الذين يحدّدون مجموعةً من المفاوضين والخبراء المؤهلين تأهيلاً عالياً كمرشحين للمشاركة في الوفود.
ويقول آخرون إن النساء لسن مسالماتٍ بشكل عام، ولذلك يعارضون فكرة أنّ مشاركة المرأة في عمليات الأمن والسلام ستؤدي بالضرورة إلى نتائج أفضل. ومن المؤكّد أن هناك زعيماتٍ قُدن دولاً للحرب، وخِدمن في أدوارٍ قتالية في جميع أنحاء العالم، وأنّ النساء ينجذبن بشكلٍ متزايد إلى المنظمات المُتطرّفة. لكن ما تظهره هذه الأمثلة هو أنّ النساء مؤثراتٌ ضمن كل المجالات، سواءٌ كنّ يخدمن قوى معتدلة أو مسالمة في مجتمعٍ ما أو يعملن كمقاتلاتٍ أو قياديات في المجال العسكري. لذا، فإن إشراكهن في منع نشوب الصراعات وتسويتها أمرٌ بالغ الأهمية، ونحن نتغاضى عن تلك الفرصة من خلال عدم إدراك التأثير الفعلي لهنّ.
وأخيراً نسمع أنّ إدراج النساء في عمليات السلام هو أمرٌ مهم ولكن ليس هناك ما يكفي من الأدلة، مقارنةً بالمبادرات الأخرى، لتبرير إنفاق الوقت المهم أو الموارد لتعزيز إشراك المرأة. ليس لدينا جميع الأدلة التي نحتاجها، لكن التحليلات التجريبية التي نقدّمها تشير إلى أنّ مشاركة المرأة عبر نطاق النزاع -سواءٌ كنا نتحدث عن تحذيراتٍ أولية أو وقائية وإحلال السلام وحفظ السلام، أو حتى عمليات ما بعد الصراع- مرتبطة بنتيجة أفضل.