القاهرة/ مجلة (لها)- الرجل هو الشريك والسند والاحتواء والأمان، وليس هادم اللذات وقاهر النساء، وبناءً عليه انضم أكثر من ستة ملايين رجل إلى حملة الأمم المتحدة «لأني رجل» لدعم حقوق النساء والدفاع عنهن، فما هي آلياتهم وأسبابهم للدفاع عن قضايا المرأة؟ وماذا يقولون عن حملتهم؟
في 10 كانون الأول/ديسمبر 2017، أطلقت هيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة في الشرق الأوسط حملة «لأني رجل»، لتعزيز دور الرجال في مساواة النوع الاجتماعي والدفاع عن حقوق المرأة، وذلك بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة. وبمجرد انطلاق الحملة، حققت أكثر من ستة ملايين متابع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ودعمها العديد من مشاهير الفن والرياضة والمجتمع، وجاء في مقدمهم محمد صلاح نجم المنتخب المصري لكرة القدم ونادي ليفربول الإنكليزي، حيث أعلن تأييده للمساواة بين الجنسين على حسابه الشخصي في «تويتر»، قائلاً: «لأني رجل أفهم أن للرجل والمرأة الحقوق والواجبات نفسها، قررت دعم حملة «لأني رجل».
الموسيقار هاني مهنى أعلن أيضاً دعمه لحملة «لأني رجل» على مواقع التواصل الاجتماعي، موضحاً الأسباب لـ «لها» بالقول: «لعقود طويلة اقتصرت قضايا المرأة على النساء فقط، بعضهن حاول انتزاع حقوقه، وبعضهنّ الآخر تطرّف في الرأي وألقى بكامل اللوم على عاتق الرجل، لكن الخطورة انعكست على الأسرة في شكل عام، فازدادت نسب الطلاق بسبب عدم تفاهم كلا الطرفين، فالنساء يرين أنهن مظلومات والرجال يغالون في مفهوم خاطئ للرجولة، ما أدى إلى ارتفاع نسب الطلاق المبكر، وأذكر أنني مؤخراً حضرت زفاف ابن صديقي ثلاث مرات في عام واحد، بمعدل زيجة كل أربعة أشهر.
ويتابع: «لأني رجل، أربي بناتي على تحمّل المسؤولية، وأن لهن الحقوق والواجبات نفسها، لا فرق بينهن وبين الذكور، فضلاً عن غرس الثقة في أنفسهن، فلا أملي عليهن التصرفات والأفعال كونهن بنات، وأكتفي فقط بأن أقول لهن: «الشيء الذي تخجلن من إخباري به اعلمن أنه أمر خاطئ». ومن هنا، أربي لديهن الشعور بالمسؤولية تجاه أنفسهن أولاً ثم الأسرة والمجتمع.
تعدد العنف
الدكتور عمرو حسن، مدرّس أمراض النساء والتوليد في جامعة القاهرة ومؤسس حملة «أنتِ الأهم»، يدافع عن النساء منذ سنوات، ويدعم مؤخراً حملة «لأني رجل»، مؤكداً أن سبب حماسته للحملة هو تعدد أشكال العنف ضد المرأة في المجتمع المصري، حيث تختلف أشكاله باختلاف الطبقات الاجتماعية والتعليم، ففي الطبقات العليا يزداد العنف المعنوي من الرجل تجاه المرأة، بخاصة لو كانت زوجته، مثل منعها من العمل أو استكمال دراستها العليا بسبب غيرته منها، بينما الطبقات الفقيرة ينتشر فيها الختان، وهو أحد أشكال العنف الجسدي، وأيضاً التمييز في التعليم، حيث يفضلون تعليم الذكور على الإناث، وكذلك التحرش وإلقاء اللوم على الضحية، وهو شكل من أشكال العنف الجنسي، فضلاً عن العنف الأسري وهو الأكثر انتشاراً في جميع الطبقات الاجتماعية.
ويوضح الدكتور عمرو سبب دفاعه عن النساء قائلاً: «المرأة قد ترتكب عنفاً ضد نظيراتها في كثير من الأحوال، فطبيعي أنها نصف المجتمع، لكنها تربي فعلياً النصف الآخر، وهي من تغرس فيه الفكر الذكوري، كأن تؤكد أن له حق التحكم في أخته وتعنيفها، بدافع أنه الرجل، كما تزرع فيه أنه من حقه تأديب زوجته فتزيد نسبة العنف الأسري، أو تدلل ابنها فيفشل في تحمّل المسؤولية وتزداد نسبة الطلاق المبكر، وبالتالي تمارس النساء عنفاً ضد النساء في شكل غير مباشر، وإيماناً بالمساواة قررت رفع الوعي بتأسيس مبادرة «أنتِ الأهم» منذ سنوات، ولأني رجل أؤكد حماية المرأة في تعليمها العالي وثقافتها وعملها، فرغم اعتقاد كثير من العائلات أن اسم العائلة الكبير أو النفوذ المادي هو سبب نجاة المرأة من العنف الأسري والمجتمعي، إلا أنه بالتجربة على أرض الواقع من خلال آلاف الحالات التي أقابلها، لا يحمي المرأة إلا استقلالها المادي ومكانتها الاجتماعية التي تحققها بأمانها الوظيفي بالعمل في وظيفة مرموقة.
حقوق إنسان
أما فتحي فريد منسق مبادرة «أمان» لمناهضة العنف الجنسي، بدأ دفاعه عن النساء منذ عام 2012، إيماناً منه بأنها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان، التي بدأ العمل في مجالها كراصد إعلامي في 2005، ويقول: «في كل الفعاليات النسائية التي كنت أحضرها في البداية، كنت أواجه نظرات التعجب في عيون النساء، لكني كنت مؤمناً بأن المجتمع لن يعترف بمختلف قضايا المرأة إلا إذا آمن بها الرجال وكانوا شركاء فيها من دافع إنسانيتهم، إذ أنه بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011 تفاقم العنف ضد المرأة بأشكال متباينة، ودائماً كنت أجد أن لديَّ التزاماً إنسانياً للدفاع عن ضحايا العنف من النساء».
ويضيف فريد: «أطمح الى الحد من العنف الجنسي ضد النساء، كما أن تكون منظومة العدالة في محاسبة المعتدين أكثر إنصافاً من جانب القانون والمجتمع معاً، فعلى رغم نجاح المجتمع المدني في الضغط على الحكومة لتجريم التحرش الجنسي لا تزال هناك فتيات يتخوفن من التوجه لإبلاغ الشرطة، وكذلك على رغم إلغاء القانون المصري الذي يقضي بتزويج المغتصبة من مغتصبها، إلا أن العرف والثقافة يتحكمان بذلك كثيراً، خصوصاً في القرى والنجوع، رغم ذلك فالقانون ليس منصفاً للمرأة في جميع أشكال العنف الجنسي، فمثلاً اغتصاب الزواج غير مجرّم قانوناً».
ويؤكّد فريد أن تربية الأب لابنته هي التي تشكل شخصيتها، فالفتاة أكثر تعلقاً بأبيها، ويقول: «أربي ابنتي على أنها مواطن لها الحقوق والواجبات نفسها بالتساوي مع الرجل، وأنها ليست عورة أو مواطناً درجة ثانية».
دعم قانوني
المحامي والناشط الحقوقي سيد أبو العلا، يؤكد انتشار الظلم الاجتماعي في المجتمع ككل، لكن النساء هن الأكثر معاناة، نظراً إلى كونهن من الفئات الأكثر ضعفاً، ويزيد على ذلك أن الثقافة الاجتماعية تشجع التمييز ضدهن عن طريق العادات والتقاليد.
ويتابع: «حتى قوانين الأحوال الشخصية غير منصفة للنساء، وبناء عليه تقدمت بمشروع تعديل لقانون العقوبات في نيسان (أبريل) 2017، فالقانون المعمول به حالياً وضعه رجال بفكر ذكوري لا ينظر إلى كينونة المرأة وظروفها المختلفة عن الرجل، فمنظومة العدالة برمتها وأجهزتها تعمل بوجهة نظر ذكورية، وبناء عليه اقترحت تعديل قانون العقوبات بما يراعي خصوصية النوع الاجتماعي، بداية من ألفاظه حتى الجرائم غير المجرمة، مثل التمييز المبني على النوع الاجتماعي، كالحرمان من الميراث والتمييز في التعليم والتزويج بالإكراه والحرمان من ممارسة الحقوق الشخصية، فضلاً عن عدم تجريم العنف الأسري، كما أن المادتين 7 و17 في قانون العقوبات الحالي تحميان مرتكبي الجريمة من الذكور أفراد الأسرة وفقاً لحقهم الشرعي، وبالتالي يندرج العنف الأسري في قانون العقوبات تحت الحقوق الشرعية للزوج أو الأب أو الأخ».
ويضيف أبو العلا: «قانون العقوبات يحمي الذكور في الجرائم المبنية على دوافع الشرف، وفي المقابل لا يمنح المرأة الحق نفسه إن وجدت زوجها متلبساً بجريمة زنى في منزلها».
دمج الرجال
أما محمد الناصري، المدير الإقليمي لهيئة الأمم المتحدة لدعم المرأة، فيقول: «الأمم المتحدة حريصة على دمج الرجال في الدفاع عن قضايا المرأة، إيماناً بأن كلا الطرفين شريكان في المجتمع، فضلاً عن أن إشراك الرجال في القضية يساعد على محو الثقافات الخاطئة، ففي نتائج دراسة استقصائية أخيرة لهيئة الأمم المتحدة، اكتشفنا أن الرجال يقاومون عمل المرأة خارج المنزل ومشاركتها في مختلف جوانب الحياة السياسية.70 في المئة من الرجال دعموا ختان الإناث، و60 في المئة اعترفوا بممارسة التحرّش الجنسي ضد النساء، ما يظهر لنا أن العنف ضد النساء والفتيات عرف سائد لا يجرّمه المجتمع».
تصحيح المفاهيم
في المقابل، تقول الدكتورة مايا مرسي، رئيس المجلس القومي للمرأة، إن ثمة فارقاً بين الذكورة والرجولة، وهذا ما تدعمه حملة «لأني رجل»، فالرجل هو السند والأمان والشريك الداعم في حياة المرأة، وهو الأب والأخ والابن والزوج، لكن الثقافة والمعتقدات الخاطئة تجعل البعض يعتقد أن الرجولة تحكّم وانتقاص لحرية المرأة، متمثلة في حرمانها من التعليم وممارسة الرياضة والعمل والوصول إلى مواقع اتخاذ القرار، والإجبار على الزواج المبكر، وقد يستغلها القلة مبرراً للتحرش أو ممارسة العنف ضد المرأة والفتاة.
تتابع الدكتورة مرسي: «مع ارتفاع الوعي الثقافي بحقوق الإنسان، أصبح هناك رجال يؤمنون بأن المفهوم الحقيقي للرجولة هو عكس كل ما سبق ذكره، وأن الرجل الحق هو الذي يدعم شريكته ويؤازرها، ومن هنا جاءت حملة «لأني رجل»، بهدف تصحيح المفاهيم ونشر الوعي بالفارق بين الرجولة والذكورة، واشارت إلى أنها حملة هادفة وبناءة، هدفها تأكيد الدور المهم والمؤثر للرجل في حياة ابنته- زوجته – أخته- أمه – زميلته في العمل، ومؤكدة أنه بمجرد انطلاق الحملة أعلن العديد من الشخصيات الرياضية والثقافية دعمهم لها، منهم اللاعب المصرى العالمي محمد صلاح، الإعلامي القدير أسامة كمال، الإعلامي الكبير خالد صلاح، الفنان الشهير ظافر العابدين، الفنان زاب ثروت، الإعلامي الكبير خالد حبيب، السيناريست محمد حفظي، الموسيقار هاني مهنى، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة.
نماذج إيجابية
يوضح الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسي في جامعة الزقازيق، أن حقوق الإنسان مرت بثلاث مراحل، الأولى اهتمت بحقوق الإنسان ككل، والثانية ركزت على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والمساواة بين طبقات المجتمع، بينما جاءت المرحلة الثالثة، وهي حقبة حقوق المجموعات مثل المعوّقين والنساء والأطفال، وهي الحقبة التي نشهدها حالياً، لافتًا إلى أن العنف يظهر ضد النساء لكونهن فئة ضعيفة.
ويلفت الى أن إدراج الرجال في الدفاع عن قضايا المرأة يصحح المفاهيم بالنسبة إليهن، وبالتالي المرأة المعنفة ستدرك أنها مستاءة من العنف الواقع عليها، وليست مستاءة من الرجال بصفة عامة، بعدما رأت نماذج إيجابية تدافع عن حقوقها، مما يحد من حالة الاكتئاب التي قد تقع فيها نتيجة العنف الواقع عليها، فضلاً عن تحسن حالة المعنفات نفسياً.
في المقابل، ترى الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن إدراج الرجال في قضايا النساء أمر مهم لتغيير ثقافة المجتمع القديمة، ما ينعكس إيجاباً على المعاملات الاجتماعية بين الجنسين، والمعاملات الزوجية أيضاً، فإضافة إلى تحسين صورة الرجال الذهنية عند النساء، سيتطلع أيضاً الرجال الى الاقتداء بالنماذج الإيجابية الشهيرة، ما يقلل من حالات العنف الأسري والجنسي ضد المرأة.