وكالات- في لحظاتٍ تاريخية، ظهرت المرأة السعودية لأول مرة، الجمعة، في الملاعب السعودية، حيث استضاف ملعب مدينة الملك عبدالله الرياضية في مدينة جدة مباراة نادي الأهلي وفريق الباطن بالجولة الـ17 في الدوري السعودي. وعبّرت النساء اللاتي شاهدن المباراة من مدرجات الملعب عن فرحتهن بهذا الإنجاز غير المسبوق. وأشادت إحدى المشجعات بالتنظيم السلس وتيسير الدخول للنساء من البوابات المخصصة، كما أكدت أن حضور المرأة يفتح مجالاً لوظائف جديدة للسعوديات.
وقد فتحت النساء فصلاً جديداً في تاريخ ملاعب كرة القدم السعودية مساء يوم الجمعة الفائت، حيث سُمح لهن بحضور مباراة كرة قدم للمرة الأولى في تاريخ البلاد. حيث أظهرت صورٌ تداولها مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي نساءاً يصطففن أمام بواباتٍ مخصصةٍ للإناث للدخول وحضور مباراة الأهلي أمام الباطن في إطار مباريات الدوري السعودي في الرياض.
وتأتي هذه الخطوة الاستثنائية في وقت تشهد فيه السعودية سلسلة من التغيرات الاجتماعية المتسارعة، من بينها السماح للمرأة بقيادة السيارة ، وإعادة فتح دور السينما.
وقالت لمياء خالد ناصر (32 عاماً) المقيمة في جدة: “مع هذا الحدث، يتأكد لنا أننا نمضي بالفعل نحو مستقبل مزدهر. أشعر بفخرٍ كبير لأنني شاهدةٌ على هذا التغيير”.
من جهتها، رأت رويدة علي قاسم (50 عاماً) أن يوم المباراة “يومٌ تاريخي في السعودية يستكمل التغييرات الجذرية الأخيرة”، مضيفةً: “فخورةٌ وسعيدةٌ جداً بهذا التطور وبمواكبة الإجراءات الحضارية التي تنتهجها أغلب الدول. أتمنى أن يدوم هذا العز”.
تطبيق هذا القرار تزامن مع تنظيم أوّل معرض سيارات في المملكة مخصص للنساء، لأجل تشجيعهن على شراء السيارات بعد السماح لهن بالقيادة نهاية العام الماضي، وبالتالي إنهاء حظر كانت السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي تمارسه بحق النساء. ورغم أن المملكة لا تعرف وجود أيّ قانون يؤكد وجود هذا الحظر، إلّا أن نساء السعودية عانين من رفض السلطات إصدار رخص قيادة لهن، وكان الاعتقال نصيب كل تحاول قيادة سيارتها للاحتجاج على القرار، بتهم متعددة منها الإخلال بالنظام العام.
ولم يكن الشارع السعودي متعوداً على رؤية نساء يجربن قيادة السيارات في معارض خاصة تمهيداً ليوم 23 يونيو 2018 الذي حددته السلطات أوّل أيام تطبيق القرار الذي أعلن عنه ملك البلاد سلمان بن عبد العزيز. وقد تزامن هذا الحدث بدوره مع قرارات أخرى صفق لها جزء كبير من نخب السعودية كتمكين المرأة من إصدار فتاوى، وقبله تمكينها نهاية عام 2015 من حق التصويت والترشح في الانتخابات البلدية.
كما نشرت وكالة الأنباء السعودية قبل أيام تصريحات لعضو مجلس الشورى، زينب بنت مثنى أبوطالب، جاء فيها أن المرأة السعودية أصبحت “شريكاً في إعداد الأنظمة والقرارات أو تعديلها”، وأن “الدولة استثمرت كثيراً في بناء المرأة السعودية”. وأعطت العضو مثال دخول المرأة السعودية في مجلس الشورى وانتخابات المجالس البلدية كنموذج لـ”تمكين المرأة وتعزيز مكانتها”، مبرزة أن هذا القرار جاء انطلاقا من “التحديث المتوازن المتفق مع القيم الإسلامية”.
وكانت وزارة الاعلام السعودية قد أكّدت الأسبوع الماضي أن السلطات حدّدت ثلاث مبارياتٍ ضمن دوري المحترفين في ثلاثة ملاعب يمكن للنساء متابعتها من على المدرجات هذا الشهر.
وقالت نورة بخرجي: “كنت دائماً اشاهد المباريات عبر شاشة التلفزيون، بينما يذهب اشقائي الى الملعب. شعرت بالحسرة كلما ذهبوا وعادوا ليخبروني عن متعة مشاهدة المباريات من على المدرجات”.
وأضافت: “سألت نفسي مراراً: لماذا لا استطيع الذهاب؟ اليوم، تغير هذا الامر. انه يوم للمتعة والفرح”.
وقبل ساعاتٍ من المباراة، شجّعت فرقٌ في الدوري السعودي النساء على الذهاب الى المباريات في تغريداتٍ عبر حساباتهم بـتويتر، وأعلنت بعض الفرق عن ملابس وعباءات خاصة بالمشجعات تحمل ألوان الفريق. كما اعلنت الخطوط الجوية السعودية عن سحبٍ على تذاكر مجانية لخمس عائلات ترغب في السفر من مدن او دول اخرى لتشاهد مباراة مساء الجمعة من على المدرجات في مدينة الملك عبد الله الرياضية في جدة.
وتمنع السعودية الاختلاط بين النساء والرجال في الاماكن العامة، وقد سمحت السعودية للنساء بدخول ملعبٍ لكرة القدم في الرياض في ايلول الماضي للمرة الاولى، حيث حضرن احتفالاً لمناسبة العيد الوطني.
ما هي المباريات التي يسمح للسعوديات بحضورها؟
يسمح للنساء البالغات بدخول ملاعب كرة القدم في السعودية للتشجيع في ثلاث مدن رئيسية هي الرياض وجدة والدمام. وبعد السماح لهن بحضور مباراة الجمعة في ملعب الملك فهد، سيتاح لهن حضور مباراة الأهلي والاتحاد في ملعب الملك عبد الله لكرة القدم في مدينة جدة، والاتفاق والفيصلي في ملعب محمد بن فهد في مدينة الدمام في 18 يناير/ كانون الثاني الجاري.
وعلى صعيدٍ متصل، نظّمت السعودية أول بطولة اسكواش للنساء قبل أيام. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استضافت مدينة جدة بطولة الجامعات لكرة السلة للنساء، بحضور أكثر من ثلاث آلاف امرأة للتشجيع في المدرجات.
أين تجلس النساء في ملاعب كرة القدم؟
تجلس النساء في قطاعٍ من المدرجات مخصص للنساء والأسر. وتخصص أماكن أخرى منفصلة النساء اللاتي يشاهدن المباراة دون مرافقٍ من الرجال. كما أجريت تعديلات على المطاعم داخل الملاعب بما يتناسب مع هذه الترتيبات الجديدة.
المرأة السعودية في الملاعب
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، تعدّدت الآراء بين مساندٍ ومعارضٍ لدخول النساء إلى الملاعب الرياضية، إذ يمكن أن نقرأ في وسم “الشعب يرحب دخول النساء للملاعب” انقساماً شديداً للغاية، ففي الوقت الذي تبنى فيه مغرّدون على تويتر هذا الوسم، مؤكدين احتفاءهم ببدء تطبيق القرار، مالت الكفة من حيث كمّ التغريدات، إلى من عبّروا عن رفضهم الشديد للقرار، بدعوى أنه يضرب القيم الدينية ويتعارض مع هوية المجتمع السعودي.
وترى دلال الشهيب، ناشطة سعودية مقيمة في إيرلندا، أن دخول الملاعب ليس من أولويات المرأة السعودية. وقالت لـDW عربية: “هذه خطوة بسيطة وتبقى عموماً إيجابية، لكن الهدف الذي نريد الوصول إليه هو إسقاط نظام ولاية الرجل على المرأة، أي أن تكون المرأة السعودية متساوية في الحقوق والواجبات مع الرجل السعودي”، في إشارةٍ منها إلى القوانين التي تلزم المرأة بالعودة إلى ولي الأمر في مختلف جوانب حياتها.
كانت دلال تعيش سابقاً في السعودية، وغادرت البلاد مُضطرة رفضاً لنظام الوصاية، خاصة وأنها لم تتمكن من الزواج بالشخص الذي تحب في بلدها وفق تصريحاتها. تقول إنه لم يكن متاحاً لها بناء حياة في السعودية، وإن المجتمع لم يكن يتعامل معها كإنسانة ناضجة، فهي لم تكن حرة في اتخاذ القرارات التي تخصها كغيرها من نساء البلد، لذلك تركز المتحدثة على أن أهم ما يجب أن يتحقق في السعودية هو إنهاء نظام الولاية “الذي يمارس وصاية ذكورية” وفق قولها.
وتعبّر دلال عن شكّها في استشارة السلطات للنساء السعوديات في القضايا المهمة التي تواجههن في حياتهن اليومية، لذلك ترى أن الحاجة ماسة في السعودية لـ”حملات توعية واسعة حتى يتم تغيير الإيديولوجيا التي تنظر للنساء على أنهن أقلّ مكانة من الرجال”، مردفة: “من العيب أن يستمر نظام ولاية الرجل في القرن 21”.
وتندرج القرارات السعودية الجديدة في إطار “رؤية 2030” التي تُظهر رغبة سعودية بتطوير جذري للاقتصاد مع ما يحمله ذلك من انعكاسات قوية على المجتمع. وتشير الكثير من التقارير أن ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي يوصف بأنه الحاكم الفعلي للمملكة، يضع سياسات جديدة ليبرالية يرغب من خلالها بإخراج السعودية نوعاً ما من ثوبها المحافظ.