لاجئاتٌ سوريات وقعن ضحية العنف في إطار الزواج، وبعد أن قدمن إلى ألمانيا عرفن طبيعة حقوقهن في مجتمعهن الجديد، فتطلّقن من أزواجهن لبدء حياة مستقلة ملؤها الحرية بعد الحصول على دعم المنظمات النسوية الألمانية.
دويتشيه فيليه- “كنت أفكر في الانفصال عن زوجي منذ أن كنت في سوريا، إلا أني عدلت عن ذلك خوفاً من تدهور وضعي المالي وكلام المجتمع والعائلة”، بهذه الكلمات شرعت اللاجئة السورية الشابة أم سامي تحدثنا عن حياتها الزوجية في برلين، حيث تقيم منذ ما يزيد عن السنتين.
وكبقية العائلات السورية الحديثة العهد في ألمانيا فرّت هذه الأخيرة مع زوجها وطفليها من جحيم الحرب من أجل حياة آمنة ومستقبل زاهر.
التقينا بالسيدة سمر (اسم مستعار)، التي تبلغ 28 عاماً في إحدى المقاهي البرلينية رفقة صديقة لها. وتقول سمر في حديثها إلينا عن كيفية تبلور فكرة الطلاق والانفصال عن زوجها: “أخذت قرار الانفصال عن زوجي نهائياً هنا في برلين حينما علمت أنه يخونني مع امرأة أخرى، ناهيك عن أنه كان يعنفني ويعاملني بازدراء. لم تكن العلاقة بيننا مبنية على حب متبادل بين الطرفين”.
زواج سمر من زوجها الذي هو في الحين نفسه ابن عمها، كان تقليدياً. وتضيف الشابة السورية بأن عائلتها قامت بتنظيم الزواج بين الطرفين، موضحة بالقول في حوار مع DW عربية: “لم تكن لي قبل الزواج أي علاقة به كما أني لا أعرف خصاله”. وتستمر سمر بالقول بأن الاختلافات بدأت تظهر بين الطرفين عند ولادة ابنها الأول سامي الذي يبلغ الآن ربيعه الثامن.
منظمات نسوية
تتأمل سمر هذه السنوات التي قضتها مع زوجها صامتة وتلتفت لتقول: “بعد عام من زواجنا أخذت أواصر العلاقة الزوجية بيننا تتدهور. لقد شرع يضربني ويهينني ويتركني لوحدي في البيت ليلاً، ومنعني من زيارة أهلي وأقاربي…”. علاقة أم سامي ازدادت سوءا في برلين في المبيت الجماعي حيث واصل في اعتدائه عليها بالعنف، ما استدعى تدخل الشرطة الألمانية للحد من هذا العنف، كما تؤكد.
علمت السيدة سمر من إدارة المبيت أن هنالك منظمات نسوية تقوم بتوعية النساء اللواتي يرغبن في تحرير أنفسهن من وضعهن المزري.
اتصالها بمنظمة “فراون كرايزه” في حي ميتي البرليني كان بالنسبة للكثير من النسوة السوريات والسيدة سمر خصوصاً منفذاً للتخلص من زوجها الذي يخونها ويعنفها، كما تقول الأم الحلبية مسترسلة في كلامها: “لقد علمت أن القوانين الألمانية تدعم المرأة في الطلاق إن كانت ترغب في ذلك وأن الدوائر الحكومية تقوم بدعم المرأة مادياً وتؤمن لها السكن والمساعدات العينية ما بعد الانفصال مباشرة هذا ما جعلني أنفصل عن زوجي رفقة ولدي الصغيرين”.
حصلت الأم الشابة على الدعم المعنوي من خلال لقاءات متعددة ونصائح من قبل منظمة “فراون كرايزه”، و تقطن سمر اليوم في شقة بإحدى الأحياء البرلينية بكل استقلالية. فهي اليوم تدير حياتها بنفسها، وتشارك بانتظام في حصص تعلم اللغة التي كانت محرومة منها وتلتقي بصديقاتها بكل حرية.
خوفاً من النظرة السلبية
نائلة (اسم مستعار) لها قصة أخرى مع الطلاق عن زوجها في ألمانيا، وقد انفصلت اللاجئة السورية البالغة من العمر 30 عاماً، عن زوجها مؤخراً. وتذهب إلى أن “أغلب من يقدمن عن الزواج من السوريات كن غير مرتاحات مع أزواجهن في سوريا، لكن نظرة المجتمع للمرأة المطلقة سلبية”. وهذا ما جعلهن يفضلن البقاء في جحيم قفص الزواج، حسب قولها في حوار مع DW عربية.
فكرة طلاق نائلة أم ماهر التي تعيش في برلين منذ أكثر من سنتين أيضاً، نشأت عقب الجلسات التوعية لدى قامت منظمة “فراون كرايزه” بتقديمها وتشجيعها على الانفصال والطلاق. وتضيف السيدة نائلة بالقول: “رغبتي في الحرية بعيداً عن العنف والقيود والأوامر شجعتني في أخذ هذا القرار المصيري ،كما أن كلام المجتمع وإعالتي نفسي لم يعد يمثلان أي عائق بالنسبة لي”.
أضحت أم ماهر بالتعاون مع المنظمة النسوية ومكتب العمل تعيش حياة مستقلة وكريمة. لقد حصلت الأم الشابة لها ولأبنها ماهر البالغ من العمر سبع سنوات على بيت وراتب. وتقول الأم السورية إنها ليست نادمة قط على “القرار المصيري” الذي أخذته.
دعم من أجل الاستقلالية والحرية
من جانبها تقول فيكتوريا هوفر من منظمة “فراون كرايزه” في حوار مع DW عربية إن “ظاهرة الانفصال والطلاق لدى اللاجئات السوريات من الوافدين الجدد في برلين في ازدياد”. وحول أسباب الانفصال والطلاق تضيف هوفر بالقول: “سببت البطالة والجلوس في المبيتات الجماعية في فضاء ضيق الكثير من المشاكل الزوجية والعنف التي تعود في كثير من الأحيان إلى عوامل نفسية واجتماعية”.
وترى هوفر أن الخيانات الزوجية والعنف عاملان مهمان أيضاً في إقدام النساء السوريات على الطلاق أو الانفصال عن أزواجهن، وتقول في هذا السياق: “حسب تجاربنا مع النسوة السوريات اللواتي تأتين إلينا رغبة في المساعدة، لاحظنا أن نصفهن تعانين من الخيانة الزوجية، والنصف الآخر منهن ضحايا للعنف الجسدي والنفسي والإهمال، إنها ظاهرة متفشية في المبيتات الجماعية.”
وتوضح الأخصائية في الشؤون النسوية بأن “الكثير من العلاقات الزوجية لم تقم أساساً على الحب، ولكن بقاء المرأة مع زوجها كان ناجماً عن فرض الأهل على الفتاة بالحفاظ على لحمة العائلة لأن الطلاق عار على المرأة وذويها”.
أزواج يشككون في عمل المنظمات النسوية
بالمقابل، يضع بعض اللاجئين السوريين علامات استفهام على عمل المنظمات النسوية في دعم النساء السوريات اللواتي يتعرضن للعنف في العلاقات الزواجية. ” لا اعتقد أن الدولة الألمانية تساعد المرأة بقدر ما تريد قص أواصر العلاقات العائلية وتشريد الأطفال”، يقول سامي عامر الحلبي الذي فقد بدوره منذ سنة زوجته بعد أن قررت الانفصال والطلاق.
وعن السبب الذي جعل زوجة سامي تطلب الانفصال عنه يقول اللاجئ الثلاثيني: “أعترف أنني كنت قاسياً جداً مع زوجتي. أعترف أنني قمت بتعنيفها أمام أطفالي، لكني لا أفهم المساعدة التي تقدمها المنظمات النسوية. إنها ليست مساعدات بل هي إجراءات لعقوبة العائلة.”
ويوضح الأب السوري بأنه كان يتمنى أن تساهم هذه المؤسسات في الجمع بينه وبين زوجته “من أجل الأطفال والحفاظ على لحمة العائلة”، مؤكداً على أن “التفرقة بين الأزواج ليس حلاً مناسباً ولا عقلانياً ولا يخدم مصلحة الأطفال”.
ويرجع الشاب السوري أزمته الراهنة إلى حياته في المبيت الجماعي في فضاء ضيق وإلى الضغوطات الإدارية من مواعيد مع الإدارة ومدارس الأطفال وإجبارية تعلم اللغة الألمانية. وفي ختام حديثه صب الزوج الحلبي جل غضبه على المنظمات النسوية التي يعتبرها “معادية للرجل”، مضيفاً بأن “عملها يتنافى مع العادات والتقاليد السورية”.