لارجال في حافلات المدينة
أنا ومدينتي/ أليس غرينيه

سلوى زكزك/ FB- إنها العاشرة ليلاً بتوقيت دمشق.. ثلاثة عشرة امرأة في الحافلة ورجلٌ وحيد.. تقبض النسوة بأحكامٍ على محافظهنّ وأكياسهنّ.. سيدةٌ تسبّح بسُبحةٍ طويلةٍ ولامعة، وأخرى تتفقّد جوّالها.. اثنتان استسلمتا للنوم..

يغادر الرجل الوحيد الحافلة.. يقول السائق محاولاً إضفاء روح النكتة متسائلاً: هل نلحق سيارة العروس؟ أم ننتظر؟ ..وكأنه يقصد بأننا مدعواتٍ لحفلة عرسٍ نسوية الحضور…

لا نتجاوب معه. سيدةٌ تحصي نقودها الحجرية، وأخرى تتصل بأبي محمدٍ مُعلّمها بالعمل وتخبره بأنها قبضت اليوم عشرين ألف ليرةٍ سلفة طلبيةٍ وتُعلِمُه بمكانها…

نتوقف على الحاجز. يترجّل السائق محاولاً مدارة طول الانتظار بسيجارة.. تقول جارتي لقد غادَرَنا آخرُ الرجال.. بدت وكأنها تذيع خطبةً ملحمية.. لانبكي ولا نخاف شيئاً.. لكنّ عيوننا تتوه، ونغرق في حضور الغياب الساطع…

يمر باص النقل الداخلي الكبير.. نحصي عدد الرجال كردّ فعلٍ غريزيّ.. نعلن الرقم “عشرة رجالٍ مقابل أكثر من خمسٍ وعشرين سيدة” .. ويبدو واضحاً أن غالبيتنا كانت تقوم بذاك الإحصاء النوعيّ و الحصري.

لارجال في حافلات المدينة .. ولا قصص تدور عن العمل والموت والقسوة والأحمال الثقيلة وعن النَسب والأحفاد …

هل نداري الغياب بقسوة منطق الحرب؟ أم يملؤنا الأسف الذي بات مغرقاً في طغيانه؟

لا رجال في حافلات المدينة؛ والسائق يطمئن على سلامة وصول كلّ منّا.. وكأنه أبونا جميعاً.. وكأنه إبننا أو أخينا.

فجأةً يُعالَج الغياب بالاهتمام.. اهتمامٌ لحظي، لكنّه غامرٌ ومفرحٌ له وقعٌ مهدّئ؛ وإن كان بالفعل مجرد ربتةٍ على كتفٍ يحتاج السند والمشاركة.

لارجال في حافلات المدينة؛ وإن توقّف المقاتلون عن القتال سيتلوّن الحضور بالنقص الحاد والساطع للأطراف.. بالنظرات الغائرة والضائعة.. وبغياب الرغبة في قصّ الحكايا وفي مساندة الأكتاف…

قصص الحرب لايرويها الرجال.. ترويها النساء في الحافلات وفي البيوت والشوارع.. تتلوها بحزنٍ بالغٍ عندما يتلمسن جليّاً غياب الرجال، حتى في الحافلات العائدة ليلاً نحو الوحدة العميقة وثقل العتمة الطويلة. 

أنا ومدينتي/ أليس غرينيه

أنا ومدينتي/ أليس غرينيه

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015