فلورنس غزلان/ الحوار المتمدن- من هو الذي يستحق أن نتوقف وننحني أمام صبره واحتماله الأيوبي النادر؟ … لا أرى أمامي نموذجاً يمكنه أن يحمل قدسية تنحني لها الهامات رجالاً وأطفالاً … صغارا وكباراً ونساءاً متنوعات الانتماء… إلّا المرأة السورية….
أن ينتهي عام ويحلّ آخر، لافرق عند أم أنهكها الجوع والتشرد، وتآكلت أطرافها بحثاً عن سقف آمن، لافرق بين البارحة، التي لم تحمل لها سوى المزيد من الأحزان وفقدان الأمل بأن الغد سيحمل لها شعاع أمل ينير عتمة نهاراتها…. قبل لياليها… وبين غدٍ لاتبشّر طلائعه بتغيير يتساوى طرداً مع ماقدمه الشعب السوري من تضحيات.
سيقول أحدكم … لايمكنك أن تعممي… أو تشملي كلّ السوريات، لابد وأن يكون هناك نموذجاً تودين تكريمه أو تقديسه كما قلتِ… نعم … فلايمكنني أن أضمّ في لوحتي هذه من تغلق عينيها أمام الظلم وتتماهى مع العسف … لذا أختصر القول فأقدّم كل التحية والتكريم لهن… لمن أقصدهن… دون تسييسٍ أو تأطير.. وإنما بتصويرٍ أتمنى أن يجود به قلمي فيمنحهن بعضاً مما يستحقنه…
ــ لسوريةٍ، فقدت رب أسرتها وتحوّلت لمعيل، شردها الطغيان لتصبح لاجئة في الوطن أو خارجه، تعاني من حصارٍ اجتماعي وتحرّش جنسي ولفظي ومساومةٍ من أجل لقمة العيش، تعمل بكل أنواع العمل… مع أملٍ بأن الليل مهما طال سيزول وستكون هناك عودة ما لسقفها الأول، لن يعود الفقيد، لكن الصغار سيكبرون…. ومن يدري ربما سيشقّ بعضهم درباً تنير غدها، وسيفتحون كوةً في فضاءٍ أكثر رحابة وسعة تبعدها عن هذا الكون الذي يضيق حتى على أنفاسها…
ــ لسوريةٍ، اختطف الطغيان على أشكاله “الأسدي، الداعشي، وباقي التشكيلات المتزعمة للأحياء والمناطق” ابنها أو ابنتها… غُيّب أو” غيّبت” دون خبرٍ أو مصير.. ومازالت تنظر للسماء ولكل مفارق الطرق علَّها تحظى بخيال يشير إلى أنه أو أنها قادمة، أتقنت كل فنون الانتظار، كَبُر ألمها وصار بحجم الكون… صخرةً تجثو فوق صدرها، تتدحرج تاركةً بصمات حرمانٍ وشوق وظمأ لاتطفئه مياه المحيطات مجتمعة… ومازالت ترنو وتسأل… مازالت تحلم ويساورها الأمل… لأنها لم ترَّ ولم تسمع مايشير إلى حياة أو موت… إذن يكبر ككرة الثلج صبرها ووجع انتظارها… لها أنحني… لها أجثو وأتشارك معها ألمها… لأن هذا النوع من الفقد… أصابني في الصميم…. نعيش كَيَّ الانتظار…
ــ لسوريةٍ، اختطفتها يد القاتل وأزلامه… وزجّت بها في غياهب السجون لتُعَذب وتُغتصب وينكّل بها… منهن من قضى ومنهن من ينتظر، يعاملن كالعبيد… ولكن آذان القاتل لاتسمع ولا تستجيب، لأنه يعلم أن هذا السلاح أدهى وأشد فتكاً من كل الأسلحة التي يمكنها أن تُذِلّ وتكسر الأسرة السورية وتقضي على جذورها وروابطها… يعلم أنه باعتقاله للمرأة يطعن كرامة أهلها ويرمي بها إلى حضيض “الشرف”؛ لأنه بلا أخلاق وبلا شرف…. يريد أن يجرّب كل أعمال الفتك، التي تسمح له بأن يغربل المجتمع السوري ليصبح مطواعاً… “متجانساً”.
ــ لسوريةٍ، تنتظر زوجاً رحل معصوب العينين، مكبل اليدين والقدمين، فقط لأنه ممن قال لا للطغيان… فقط لأنه أراد أن يفك قيوده وقيود أولاده ويحررهم ممن أوغل في دم الشعب السوري، وسرق لقمته وأفسد حياته وعيشه، يريد أن يكون حراً ويعيش في وطنٍ حر… فكانت نتيجة رفضه للعسف أن غاب ورحل إلى غير رجعةٍ في سجون الطغاة، أو في سجون داعش، لأن مقاييس الحرية عنده ترفض القيود والسلاسل، وهذا يعني أنّه العدو اللدود… لنظام الخليفة ابن الخليفة. .فلا فرق فكلاهما طغيان بوجه مختلف.
ــ لكل سوريةٍ، تكدح وتعمل متمسكة ببيتها وأرضها، ترفض المغادرة وتحاول إيجاد حلولٍ لأيامها الصعبة في ظل حرمان يومي من أبسط مستلزمات الحياة… من علبة الدواء إلى شربة الماء، ومن حربها من أجل لقمةٍ مغموسةٍ بالدم.. بالجوع والقهر… ومع هذا لازالت تواصل صبرها وصمودها… محاولةً الابتسام، لم تفقد الأمل… لأن التاريخ علّمَها أن لاظلم يدوم ولا أبدية لاستبداد وطغيان واحتلال.
لكُنّ نساء بلدي أنحني، وحدكن من يستحق التكريم والتذكّر في نهاية هذا العام الأسود كمن سبقه، على أملٍ أن يحمل العام الجديد بوادر الخلاص من الاحتلالات القابعة فوق الجسد السوري.