شيرين الدايداموني/ جريدة العرب- ما السر وراء قبول امرأة الزواج من رجل متزوج، هل للهرب من نظرة مجتمع ذكوري لا يرحم كل من كانت “عزباء”، أم هو بحث عن الحنان والدفء العاطفي والأمومة؟ وكيف تتحمل الزوجة الثانية اتهامات الأعين ونظرات الاستهجان، كونها “خطّافة رجال”، وإلى متى سيظل اضطهاد “الضُرّة” في مجتمعاتنا العربية؟
التفاهم يقضي على شبح العنوسة
ألستُ امرأة؟ سؤال طرحته سوجورنر تروث (ناشطة أميركية في مجال حقوق المرأة) عام 1851، في خطابها أمام مؤتمر أوهايو لحقوق المرأة، والآن، وبعد مرور أكثر من 160 عاما، تعيد طرحه كل امرأة عربية، لاقت اتهامات ونظرات سلبية، كونها ارتضت لنفسها أن تكون زوجة ثانية، أو ثالثة أو حتى رابعة.
كان سؤال السيدة تروث وقتذاك تعبيرا عن الاستهجان والرفض لنظرة المجتمع للمرأة، كونها سوداء عانت كل أشكال الاضطهاد، ولا تختلف المرأة العربية عنها كثيرا فيما تلاقيه الآن من تمييز، إذا قررت ركوب قطار الزواج في درجة غير الأولى، ومن ثم تعيد طرح السؤال نفسه على مجتمعات لا تعترف بأنوثتها، وتبخسها احتياجاتها العاطفية والجسدية.
في الوقت الذي تحررت فيه المرأة السوداء من التمييز بسبب اللون، مازالت المرأة العربية واقعة تحت وطأته بسبب اختياراتها، لتصبح مضطهدة ومطاردة، فهي إن سلمت من سهام العنوسة، أصابتها سهام أخرى أشدّ فتكا بها، وإن هي تزوّجت من رجل متزوج، حيث يتم اتهامها بأنها “خطافة رجالة”، وبها عيوب، وربما “امرأة لعوب”، تجيد رمي شباكها لاصطياد فريستها وهدم البيوت.
المرأة التي تتزوّج من رجل متزوج تطلق عليها المجتمعات العربية تسمية “الضُرّة”، وهو مفهوم “بدائي”، له تداعيات نفسية خطيرة، كونه يصدر حكما مسبقا بأنها تمثل ضررا على الزوجة الأولى، وأنها أتت لتبنّي سعادتها على أنقاض أخرى، وتتجاهل تلك المجتمعات أن الزوجة الثانية هي مثل الأخريات، “امرأة قبل كل شيء”، ارتضت لنفسها أن تكون الرقم التالي، وليس الأوّل، لتحصل من الرجل على أنصاف كل شيء.
الفنانات حريصات على التفرد في الإطلالة لكنهن لا يمانعن في الارتباط برجل متزوج
الإحساس بالاضطهاد تشعر به الضرّة، وتساءلت دائما: لماذا يلومنا المجتمع بينما هو من ألبسنا تقاليده في صورة قوالب جامدة منذ الصغر، شكلتها نصائح الجدات في أن “ظلّ رجل ولا ظلّ حيطة”، أو”الذي لا يُدرك كله لا يُترك كله”، و”القليل خير من العدم”، بالتالي فإن الزواج من نصف رجل أفضل من العنوسة والمعاناة والوحدة المريرة وقسوة الحياة وجفاف المشاعر.
بات لسان حال فتيات كثيرات يتساءل: ولم اللّوم؟ أليست هناك فنانات، هن المثال النموذجي للنساء، ويعشقهن الرجل، ومع ذلك ارتضين أن يكنّ زوجات بالتناوب في حياة أزواجهن؟ أليست كل النساء في سلة واحدة؟
هؤلاء الفنانات حريصات دائما على التفرّد بطابع خاص بهن، سواء في الإطلالة، أو الأدوار السينمائية التي يقمن بها، بل وكثيرا ما يرفضن ارتداء ما ظهرت به زميلة لهن من قبل، ترين في ذلك نوعا من الإهانة، ورغم هذا كله فإن بعضهن لا يمانع في الارتباط برجل متزوج.
في هذا الخصوص يقول حامد عبدالواحد، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، لـ”العرب” إن الخوف من الوحدة يكون غالبا الدافع الأقوى لكثير من الفتيات لاتخاذ قرارات مصيرية، والرضا بـ”نصف حياة زوجية”، والزواج من رجل متزوج، فالوحدة فتّاكة، وتقصّر العمر، كما أن قطار العنوسة سريع وقد لا يرحم. والمرأة ترى في تعرضها للظلم، كونها “ضرة”، خيارا أفضل من أن تبقى “عزباء”، تتناولها الألسن، وتظل المحيطات بها يتساءلن: لماذا لم تتزوج حتى الآن؟ وفي حال كانت مطلقة، يشار إليها بالبنان، وينهش الناس سيرتها، ويرصدون حركاتها وسكناتها.
ونصح أستاذ الطب النفسي بضرورة أن تتروّى الفتاة قبل الإقدام على هذا الزواج، وأن يتحرر قرار الزواج من أيِّ ضغط أو ظرف، لأنَّه قرارٌ ستتوقَّف عليه سعادة المرأة مدى العمر، وعليها أن تنظر إلى المستقبل البعيد، فلا تقتصر نظرتها على المنفعة الآنيّة التي قد تتحقَّق أو لا.
مروة حسين (محاسبة)، أتمّت عامها الأربعين، ولا تمتعض من كونها زوجة ثانية، لأن هناك أسبابا لقبول النساء برجل متزوج، أهمها التخلص من السلطة الذكورية المتمثلة في وليّ الأمر، إضافة إلى الحاجة إلى الحب وممارسة الأمومة، وهذه احتياجات لا يمكن تلبيتها إلا في إطار مؤسسة الزواج.
لكن هناك فتيات يقبلن الزواج برجال متزوجين لمجرد إرضاء غرورهن، واعتقادا منهن بأن الزوجة الثانية مدللة.