“ليلكي غامق”.. سوريّاتٌ يتحدّين الحرب والمجتمع بكتابة القصص
ليلكي غامق

وكالات- احتفلت جمعية “تاء مبسوطة” منذ أيام بصدور مجموعتها القصصية الأولى “ليلكي غامق” وهي عبارة عن مجموعة قصص قصيرة جاءت نتاجا لورشة الكتابة السردية التي أقامتها الجمعية في فترة سابقة من العام 2019، وصدرت بالتعاون مع الهيئة العامة السورية للكتاب.

أشرف على الورشة الروائي والشاعر السوري خليل صويلح، الذي سبق وأن حصل على جائزة الشيخ زايد للكتاب في فرع الأدب، عن روايته “اختبار الندم” (2018)، وهي رواية رصدت الواقع السوري الحالي إبان الحرب، وهي ليست الجائزة الأولى التي يحصل عليها الكاتب فقد سبقتها بسنوات روايته “وراق الحب” 2009 التي توجت بجائزة نجيب محفوظ ضمن المسابقة التي تنظمها الجامعة الأميركية في القاهرة.

تجارب أدبية

مجموعة “ليلكي غامق” تحتوي على عشر قصص، كتبتها تسع متدربات، تراوحت كل قصة ما بين الصفحتين والخمس صفحات.

الروائي خليل صويلح، في حديثه لجريدة البعث السورية الرسمية، رأى أنّ خصوصية الورشة تنبع من أنّ المتدرّبات هاويات، ويعملن في مهنٍ لا علاقة لها بالكتابة، وكمشرفٍ على الورشة بيّن أنّه ركَّز على أبجدية الكتابة باعتبارهنّ هاويات، ونقل الخواطر التي كتبتها المتدرّبات إلى مستوى السرد والتعريف بقواعد كتابة النص القصصي والبحث عن الفكرة المبتكرة، مشيراً إلى أنّ عدداً منهنّ قد تطوَّر مع وجود مستوياتٍ متباينة ومختلفة بينهنّ، مؤكّداً أن فاقد الموهبة من الأساس من الصعب عليه أن يتطوّر، وأنّ الورشات عموماً لا تستطيع أن تصنع كاتباً؛ إن لم يكن موهوباً بالفعل، ومهمته في الورشة كانت تشذيب النصوص من الأعشاب الضارّة. كما نوّه الروائي صويلح إلى أنه قد استفاد بشكل شخصي من تجربة الإشراف على الورشة، من خلال مراجعته لأمورٍ كثيرة لها علاقة بكتابة القصة، كما وفّرت له الورشة فرصة الاشتباك اليومي مع اللغة.

الناقدة ديانا جبور، رئيسة مجلس إدارة جمعية “تاء مبسوطة”، تقول عن المتدرّبات “كنّ شغوفاتٍ ومتحمّسات ومخلصات وصادقات، سنكتشف بعد قراءة القصص قربهنّ من محيطهنّ الذي نقلنه بتكثيف إبداعي إلى المتلقّي”.

كما أكّدت رئيسة جمعية (تاء مبسوطة) ديانا جبور أن هذه الخطوة هي الثانية في إطار إصدار المطبوعات للمنتسبات إلى ورشات الكتابة الإبداعية التي تقيمها الجمعية بعد ورشة الكتابة المسرحية، وهي بالتعاون مع هيئة الكتاب، والتي تأتي إيماناً بأن الثقافة والفن والمعرفة هم الوسائل إلى التنمية المستدامة في المجتمع السوري.

وأكّدت جبور أن أيّ منجز إبداعي لا يحمل قيماً ثقافية ومعرفية سيكون محكوماً بصفة الآني والمؤقت، لأنّ هذه القيم تحمل فرصةً للتجديد والإبداع وتقديم منجز إبداعي يليق بالسوريين والسوريّات.

شاركت في كتابة المجموعة سيّدات سوريات، بعضهن سبق وأن كتبن في الأدب ونشرن قصصاً مثل سلوى زكزك، وهو الاسم الذي تستخدمه الكاتبة لتنشر يومياتها السورية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي يوميات تروي بشكل تفصيلي ودقيق تفاصيل الحرب على لسان سوريين وسوريّات يعشن تداعياتها، كما شاركت الكاتبة بشكل خاص بنشر قصتين ضمن المجموعة، الأولى بعنوان “النوم في تابوت” والثانية بعنوان “فائض عن الحاجة“، وسلوى أكبر المشاركات سنّاً في الورشة، سبق وأن صدرت لها مجموعتان قصصيتان، الأولى بعنوان “المرأة الملونة” في العام 2008، أما الثانية فقامت بنشرها مطلع هذا العام 2020، أي بعد انتهاء ورشة الكتابة، وكانت بعنوان “يوم لبست وجه خالتي الغريبة”، وهي عبارة عن مجموعة قصص تروي حكايات النساء في زمن الحرب.

كما شاركت في الورشة روعة سنبل بقصة بعنوان “في حياة أخرى”. سنبل سبق لها أن حازت مجموعتها القصصية “صياد الألسنة” على المركز الأول في جائزة الشارقة للإبداع العربي في دورتها العشرين، ونشرت لها دار «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان مجموعتها القصصية المعنونة بـ ”زوجة تنين أخضر وأحلام ملوّنة أخرى”.

كتابات صادقة

وشاركت بالورشة متدرّبات سبق وأن كانت لهن مشاركات بسيطة في كتابة القصة القصيرة، مثل تقى البوش، صاحبة قصة “قف وعيناك في الأرض”، وهي أقصر قصص المجموعة وأكثرها تكثيفاً واختزالاً، لدرجة أنها تشبه النثر في الكتابة، والمشهد السينمائي في التخيّل، وحاولت الكاتبة عبر قصتها نقل صورة لمداهمة شرسة وعملية اغتصاب تتعرّض لها سيدة برفقة رجل.

أما أصالة القسام، خريجة كلية الآداب، فشاركت بقصة “لو أنني سألتها عن الطقس؟”، ويمكننا اعتبارها قصة نسوية بامتياز، دون نواحٍ أو بُكاء، وتحكي فيها عبر مشهدية شبه سينمائية حكاية فتاة “عطشى للحب، تستجدي ظلّ رجل يقيها شمس الصيف الحارقة”.

فيما شاركت بعض المتدربات ممن لم يسبق لهنّ أن كتبن في مجال القصة؛ مثل ميليا حسن، وهي سيّدة عملت لسنوات طويلة في حياكة الألبسة، ثم اتجهت إلى القراءة ومن ثم إلى الكتابة بتشجيع من عائلتها (بناتها)، وقدّمت قصة بعنوان “فساتين وستائر”، حاولت عبرها سرد تجربة إنسانية صادفتها أثناء عملها في الخياطة، مقدّمةً لمحة تفصيلية أنيقة عن تلك المهنة التي زاولتها قرابة ثلاثين عاماً من حياتها. والملاحظ أن الكاتب خليل صويلح قد اقتبس منها عنوان المجموعة “ليلكي غامق”.

وقدّمت فاطمة سيد محمد قصة بعنوان “خمسة أيام”، حاولت من خلالها سرد أحداث قصة حقيقية حصلت في مدينة تدمر الأثرية وتحديداً في نقطة عسكرية بالقرب من المطار، حين حاصر داعش لمدة خمسة أيام مجموعة من العساكر السوريين. اللافت في القصة أن الكاتبة جعلت من حسن، وهو أحد الجنود المُحاصَرين، صاحب القصة وراويها، ويبدو أن السرد جاء على هذا الشكل في محاولةً من الكاتبة لتوخّي الصدق، فالقصة حقيقية كان قد رواها حسن لفاطمة لتقوم بكتابتها أو تدوينها.

وكتبت رنا طه، خريجة كلية الحقوق والتي سبق أن تخرجت من معهد أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، في قصتها “فشل”، حول محامٍ يعمل مستشاراً قانونياً لمنظمةٍ تناهض العنف ضدّ المرأة، ولكن رغم ذلك يتعامل مع زوجته بعقلية شرقية بحتة، فهو لا يكتفي بتدميرها والقضاء على مستقبلها وسمعتها، بل ويستثمر ذلك في الحصول على لقب سفيرٍ للنوايا الحسنة وأكبر مدافع عن حقوق الإنسان، كما تشير إلى ذلك نهاية القصة.

أما فاطمة تلمساني فتكتب في قصتها “اللجوء إلى الحالة صفر”، عن تجربة سيدة مع مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً فيسبوك، كمكانٍ ينقلها إلى العالم الخارجي بعيداً عن عالمها الواقعي، فهي سجينة بيتٍ سجّانه زوج، لتُنهي حياتها بالموت شنقاً. وتعتبر تلك القصة واحدة من آلاف القصص التي تعيشها المرأة قهراً وظلماً في حالاتٍ كثيرة، وتموت دون أن يعلم أحد بسبب موتها الحقيقي.

وتحاول براءة خضرة في قصتها “لبلاب”، وهي أطول قصة في المجموعة تقريباً، أن تبتعد عن المواضيع النسوية وتتجه إلى الرمزية لتكون مسرحاً لأحداثها، ولكنها عبر تلك القصة تروي واقعاً ملموساً وحقيقياً تعيشه بعض البلدان وخاصةً البلدان العربية.

تأتي مبادرة “تاء مبسوطة” لإقامة ورشة الكتابة السردية كهدفٍ من أهداف تمكين المرأة على صعيد الثقافة والمعرفة، في محاولة جادّة للابتعاد عن الصورة النمطية التي وسمت بها المرأة وكرّستها إلى حدٍّ ما الدراما السورية، مقيّدةً إياها بالأدوار المنزلية وبعض المهن النسوية، وهي ليست الورشة الأولى للجمعية على صعيد الثقافة والكتابة، فقد سبق لها وأن أقامت ورشة للكتابة المسرحية، أشرفت عليها الأستاذة ميادة حسين وكانت نتيجتها أيضاً كتاباً، بالإضافة إلى ورشة كتابة السيناريو، وورشة الصحافة؛ التي رُوعِيَ فيها موضوع الجندر في التغطية الصحفية خلال الحروب.

يُشار إلى أنّ “تاء مبسوطة” هي جمعية غير ربحية سورية نسائية تُعنى بالقضايا الاجتماعية وتنمية المرأة عبر الثقافة والفن. وقد أطلقت الجمعية المجموعة القصصية “ليلكي غامق” مساء الأربعاء الماضي في المركز الثقافي العربي في المزة بدمشق، بحضور المشاركات ومدير عام الهيئة السورية للكتاب ثائر زين الدين إلى جانب رئيس مجلس إدارة الجمعية ديانا جبور والأديب السوري خليل صويلح. وتضمّن اللقاء عرض فيلم عن أهداف الورشة وكيفية العمل على الوصول إلى مخرجات إبداعية منها، كما تخلّله حوارٌ بين المشاركات والقائمين على الورشة.

ليلكي غامق

ليلكي غامق

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015