بسام ناصر/arabi21- على الرغم مما تبديه النسويات العربية في سياق مطالبتهن بحقوقهن، من الحرص على عدم تجاوز التقاليد والأعراف المجتمعية والدينية المستقرة في المجتمعات العربية، فإن ثمة اعتراضات وتخوفات كثيرة يبديها المعارضون لتلك التوجهات والأفكار، تشكل تهديدا للأسر العربية، ويعرضها لمزيد من التفسخ والتفكك طبقا لقناعاتهم.
ونظراً لطبيعة التحول الجارية في كثير من الدول العربية، من الأنماط المجتمعية المحافظة، إلى أنماط أكثر انفتاحا وتحررا، باتت فيها النساء يلعبن دورا مختلفا عما كن عليه في سابق عهدهن، فإن من الأهمية بمكان مناقشة مدى تأثير الأفكار والرؤى النسوية على تماسك الأسرة العربية، وقدرتها على مواجهة ذلك اللون من التحديات الجديدة.
وفي الوقت نفسه فإنه من الملحّ كذلك اختبار مدى تأثير الأفكار النسوية على زيادة معدلات الطلاق في العالم العربي، وكيف ستنعكس تلك الأفكار على طبيعة العلاقات بين الرجال والنساء في الأسر العربية، وبالتالي ما هي الأنماط والنماذج التي ستسفر عنها في تفاعلاتها ومآلاتها النهائية؟
ولا يخفى ما للأسرة من مكانة في بناء المجتمع، بوصفها اللبنة الأساسية في ذلك، لكن الأسرة العربية والإسلامية “منذ سنوات تتعرض لهجمة شرسة منظمة تستهدف تقويض أركانها وهدمها باعتبارها آخر حصون هذه الأمة” حسب الباحث الاجتماعي، مدير جمعية العفاف الأردنية، مفيد سرحان.
وأضاف: “وهذه الهجمة المنظمة تأخذ أشكالا متعددة وتحت شعارات براقة منها حقوق المرأة، وحقوق الطفل والنوع الاجتماعي، ومحاربة العنف ضد المرأة وضد الطفل وغيرها من مصطلحات خادعة تستهدف تمرير المخططات التي تستهدف الأسرة”.
وواصل سرحان حديثه لـ”عربي21″ بالقول: “وتعمل القوى التي تستهدف الأسرة من خلال مؤسسات بعضها يحمل الصفة الدولية (منظمات دولية) وأخرى محلية تعمل على تحقيق أهداف تلك المنظمات، وتتلقى منها الدعم وهو دعم كبير في سبيل تنفيذ أجندتها”.
وتابع: “وغالبا ما تنشط مثل هذه المؤسسات في الأوساط النسائية في مختلف المناطق بالنظر إلى إمكانياتها المادية كما أنها استقطبت مجموعة من العاملين في مجال الإعلام لترويج أفكارها بشكل منظم، وقد وقعت معظم الدول العربية والإسلامية على معاهدات متعددة تتعلق بالمرأة والأسرة والطفل وهي معاهدات تحمل الكثير من البنود التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية ومصلحة الأسرة”.
ولفت الباحث الاجتماعي سرحان إلى أن “تلك المنظمات تسعى إلى التنفير من الزواج والتركيز على المشكلات الأسرية، والمبالغة فيها، واعتبار الزواج قيدا على المرأة، وقد أدّت مثل هذه الأفكار إلى زيادة حجم المشكلات الأسرية وتفاقمها سواء بين الزوجين، أو بين الأبناء والأبوين حيث تشجع التوجهات الأممية والتي تم ترجمة جزء منها ضمن القوانين المحلية للدول إلى تمرد الأبناء على الآباء وإضعاف سلطة الأبوين تحت ذريعة الحرية الشخصية وحرية التفكير”.
وأردف: “وقد أدّت التغيرات التي طرأت على قوانين الأحوال الشخصية إضافة إلى إذكاء روح الصراع والتنافس بين الزوجين إلى زيادة حالات الطلاق بمسمياته المختلفة سواء كان إنهاء الحياة الزوجية من طرف الرجل أو المرأة، بل أصبحت بعض النساء تتفاخر بأنها هي من قامت بخلع زوجها”.
وحذر سرحان من أن “استمرار نشر الأفكار الوافدة وقوننتها، وفرض الأجندة الخارجية بشتى الوسائل وتغيير المناهج الدراسية بما يساهم في نشر هذه الأفكار وفرض قوانين جديدة تترجم محتوى المعاهدات الدولية المتعلقة بالأسرة، وقيام الإعلام بالترويج لهذه الأفكار سيساهم في مزيد من إضعاف دور الأسرة وزيادة المشكلات بين الأزواج”.
من جهتها قالت الباحثة والكاتبة السورية، المدير العام لدار نشر مؤمنون بلا حدود في بيروت، الدكتورة ميادة مصطفى كيالي: “إن كنا نقصد ما هو تأثير الأفكار والرؤى النسوية العربية على الأسرة العربية، فعلينا أن نتوقف عند سؤال: هل لدينا نسوية عربية واضحة المعالم؟ وهل لدينا فكر نسوي واضح المنهجية؟”.
وأضافت: “في العالم هناك أكثر من حركة نسوية، وهناك الفكر النسوي التنظيري الذي يلخص في أنّه المحاولة لهدم النظام البطريركي بكل ما أنتجه من قوانين ساهمت ليس في إخضاع النساء فحسب، بل حتى الرجال، والأقليات والطبقات الفقيرة، هذا النظام منح فئةً من الرِّجال حق القرار السياسي والسلطة التنفيذية والاقتصادية والحقوقية، وبالتالي اجتهد التنظير النسوي الغربي لإعادة التفكير جذرياً في جميع مكونات المجتمع في ضوء الشروط الثقافية والطبقية والاجتماعية المختلفة عن تلك التي كانت سائدة”.
وتابعت: “في المجتمعات العربية لم تكن هناك حركة نسوية واحدة متناغمة تمتلك تنظيراً واضحاً، بالرغم من وجود شخصيات نسوية بارزة، لأنَّ أية حركة فكرية تنشد التغيير، لا بد لها من أن تمر بصراعٍ طويلٍ مع مختلف القوى المؤثرة في المجتمع، وصاحبة القرار، متحصنة بقاعدة شعبية واسعة تساهم في مساندتها ودعمها، وهذا ما حصل في رحلة بناء وتشكل الفكر النسوي الغربي، الذي تشكل عبر موجات لخصت النضال المرير الذي خاضته النسوية الغربية ولا تزال”.
وردّاً على سؤال “عربي21” حول مدى تأثير النسوية العربية على الأسرة العربية أوضحت الباحثة السورية، كيالي “أننا إن افترضنا وجود نسوية عربية واضحة، فلا أظن أنَّ هناك خوفاً منها على الأسرة العربية التي تشكلت في ظل نظام بطريركي مهيمن، وضع شروط وأسس تكوينها، وهذا النظام سيبقى يحارب كل من يسحب امتيازاته، وهذا ما يفسر لنا سبب مطالبة النسويات العربيات بحقوقهنَّ مع الإبقاء على خطوط لا يمكن تجاوزها، بل ويحاولن التأكيد في الكثير من المناسبات أنهنَّ لن يخالفن الدين والأعراف”.
وقللت كيالي من المخاطر التي تُقال عن تأثير الأفكار النسوية على طبيعة العلاقة بين الرجال والنساء في الأسرة العربية معتبرة ذلك بأنه “ذعر يروج له الكثيرون، وخاصة أولئك الذين اعتبروا أنَّ أهم مؤشرات العلاقة المقبولة والجيدة هو مؤشر الخضوع والتبعية، وبالتالي أية دعوة للمساواة في الحقوق والفرص ومنع العنف ضد المرأة، سيعتبرونه انعكاساً سلبياً على العلاقة بين الرجل والمرأة”.
وأشارت إلى أنَّ “الأفكار النسوية العربية عند تمكنها من توحيد جهودها وتضافرها، بالتأكيد ستؤثر على العلاقة بين الرجل والمرأة، ولكن ليس سلبياً كما يتم الترويج له في نظام بطريركي، لا يتخيّل العلاقة بين الرجل والمرأة إلا علاقة هرمية، وعلاقة قوي وضعيف، وتابع ومتبوع”.
ودعت كيالي في ختام حديثها إلى “أننا بحاجة للتخلي عن هذه الصيغة الحتمية، للتفوق حسب الجنس والعرق والطبقة والدين حتى نبني أسرة صحية وصحيحة، ونبني علاقة رائعة بين الرجل والمرأة، وهذا ما تحاول النسوية أن تترجمه عملياً، وتسعى إليه ولا تزال تصطدم بتابوهات الموروث الديني والثقافي وموروثات الأعراف والتقاليد” حسب عبارتها.
وفي ذات الإطار رأت الناشطة الأردنية، المتخصصة بالإعلام التربوي، الدكتورة منال العواودة أن “الإحاطة بالفكر النسوي يجعلنا ندرك مدى تأثيره على المجتمع، وعلى لبنته الأساسية (الأسرة)، وبالرغم من أن الفكر النسوي فكر هزيل يروج له على أنه يضمن الحقوق، ويحقق السعادة والحرية للمرأة إلا أنه فكر ضال شيطاني..” على حد وصفها.
وتابعت: “وإذا ما علمنا مدى التأثير السلبي لهذا الفكر على الأسرة فإننا لا محالة سنعلم علم اليقين أن نسب الطلاق ستكون في ازدياد، وأن الطلاق باكورة الهدم، ثم سيأتي وقت تكون البلاد خرابا لا أسر حقيقية فيها، إن لم يحمِ المسلم مجتمعه من هذا الغزو الشيطاني، فالأسر المشكلة بناء على الفكر النسوي ستكون شاذة لا حياة فيها، تضم امرأة اقترنت بامرأة، وذكرا اقترن بذكر” وفق قولها.
وأردفت في حديثها لـ “عربي21”: “وها هي موجة الترويج لهذا الشذوذ تحظى برعاية عالمية لتؤسس لها في بلاد المسلمين من خلال أنظمة تابعة وحكومات غير مستقلة تسن القوانين بناء على توصياتهم وتغلف للناس بغلاف مزيّن برّاق، خداعا للحمقى والسذج من عبيد النظام العالمي الذي هو بنفسه لا يفرض هذا الشذوذ على مجتمعه”.
ووفقا للناشطة الأردنية العواودة فإن “الفكر النسوي (الشاذ) سينعكس على الرجال والنساء في المجتمعات، حيث ستشب ريح الكراهية والعداوة بين الجنسين، تحمل لواءها امرأة حمقاء سفيهة ورجل تافه أخرق.. وكأن كل واحد منهما خلق نفسه بنفسه، وتحكّم بجنسه من تلقاء نفسه”.
وختمت حديثها بالإشارة إلى أن “العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة في صناعة الحياة مهددة بنمو هذا الفكر الذي استخدم المرأة كانطلاق له، وهي في ديننا الضامن للحياة الكريمة، ولبناء مجتمع معمّر للأرض كما أراد الخالق، وأن التجاوز على نواميس الكون التي عرفها الإنسان منذ خلقه وحتى يومنا هذا ما هي إلا مدعاة لغضب الرب كما فعل بأقوام ضربهم لنا مثلا..”.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.