أحمد دملخي/ منبج/ شبكة الصحفيات السوريات & شبكة آسو الإخبارية- “العاملات المنزليات“ أو “مُساعِدات ربّات المنازل”، مهنةٌ تتوسّع الحاجة إليها مع تزايد احتياجات النساء العاملات أو توسّع الحياة العصرية، ويزداد عدد النساء اللاتي يلجأن لامتهانها، لسدّ الحاجة، في ظلّ تردّي الأوضاع الاقتصادية. تعدّدت أسبابها وكانت الحرب والعمليات العسكرية في المنطقة أكبرها.
العاملات المنزليات، هنّ سيّدات يساعِدن ربّات البيوت في التنظيف اليومي أو الموسمي، وتتعدّد المهمات التي يقمن بها، وتتنوّع بين تنظيف المنازل وتنظيف مخلفات المرضى، وتصل إلى الطبخ أو تربية الأطفال أو رعاية المسنين مقابل أجر محدّد يكون عادةً يوميّاً، أو قد يُحالفها الحظ فيصبح منتظماً أسبوعياً أو شهرياً.
تواجه هؤلاء السيدات صعوبات كثيرة أهمها عدم انتظام العمل، واضطرارها للتنقّل من مكان إلى أخر، وتنوّع أرباب العمل والخطورة من دخول بيوت، قد تُواجه فيها مخاطر التحرّش أو الاستغلال الاقتصادي.
في مدينة منبج بشمال وشرق سوريا، تعيش أولئك السيدات قصصاً خلال عملهنّ، مخبأة بعيداً عن عيون المجتمع، خوفاً من تضاعف النظرة الدونية لهنّ.
“رحاب” سيدة أربعينية، لديها أربعة أطفال أكبرهم سناً يبلغ من العمر عشرة سنوات، فقدت زوجها إثر مرضٍ عُضال، ومن هنا بدأت مسيرتها في العمل كمساعِدة لربّات منازل المدينة في تنظيف منازلهن.
تقول “رحاب” لشبكة آسو الإخبارية، إنها وبعد وفاة زوجها، كانت أمام خيارين، إما أن تختار عملاً وتعتمد على نفسها، أو أن تنتظر المساعدات من أهالي المدينة، لكن وجودها في مجتمع شرقي كان سيُرفِقُ المساعدات المقدَّمة لها بالإذلال على حدّ وصفها، لذا اختارت أن تعمل وتؤمّن معيشة أطفالها بنفسها.
وكان طلب إحدى الجارات منها أن تُساعِدها في تنظيف منزلها بمقابلٍ مالي، أولى خطوات “رحاب” في هذا المجال، الذي كان يُخبئ لها الكثير من الصعوبات.
إحدى أصعب المواقف التي تعرّضت لها “رحاب” أثناء عملها كمساعِدة لربّات المنازل، كان اتهامها بسرقة مبلغ مالي، من قبل صاحبة المنزل. تقول: “وجّهت صاحبة المنزل الاتهام لي بسرقة مبلغ مالي احتفظت به في غرفة نومها التي لم أدخلها قط، وحين فقَدَت المبلغ، وتبيّن فيما بعد أنّ زوجها من أخذ المبلغ من غرفتها، اعتذرت السيدة لي ودفعت لي مبلغ مالي كتعويض، لكنني رفضتُه، فتلك الساعات المرعبة التي عِشتُها وأنا متهمة بالسرقة كانت كفيلةً بأن أتنازل عن كلّ ما أملك لأتخلّص من الاتهام”.
تعاني العاملات المنزليات، وخصوصاً إن كنّ من نفس المدينة التي يُقِمن فيها، من وصمة المهنة حيث يتم تقييمها اجتماعياً، وتواجه تنمّراً يجعلها تخجل من الإفصاح عن عملها أمام الناس، حتى لو كانوا من نفس طبقتها الاجتماعية.
إنها تلك الفئة التي تخفي الكثير من الجوانب المظلمة في حياتها العملية، والتي يتم تسليط الضوء عليها دوماً من خلال الدراما السورية، التي تظهِرهنّ بأدوار ضعيفة ومهمّشة.
أما “مرام” (34 عام)، بدأت العمل كمساعِدة لربّات المنازل في المدينة منذ ما يقارب من ثلاث سنوات. تعرّضت مرام لوعكة صحية في عام 2018 وفقدت عملها على إثرها كعاملة نظافة في أحد معاهد المدينة، لكن بسبب الوضع المعيشي الصعب، اختارت أن تعمل من جديد لتُشارِك مع زوجها في حمل أعباء الحياة.
تعرّضت مرام لإصابات كثيرة خلال عملها كمساعِدة في المنازل، كانت آخرها صعقة كهرباء أفقدتها الوعي لدقائق أثناء تنظيف جدران إحدى المنازل، كان إقناع زوجها باستمرارها بالعمل بعد هذا الموقف صعباً للغاية.
الخوف من المجتمع ومن انتشار الأحاديث المسيئة، منعا س.ف من البوح بما تعرّضت له من إساءة وانتهاكات خلال عملها كمساعِدة في تنظيف المنازل.
(س.ف) تبلغ من العمر (28 عاماً)، أم لطفلين، تركها زوجها دون أن يلتفت لها ولأطفالها وغادر خارج البلاد، حينها وجدت نفسها وحيدةً في مواجهة الحياة، مع طفلين صغيرين، يحتاجان للعناية والمصاريف الكثيرة.
التحرّش الجسدي، كان من أخطر الانتهاكات التي تعرّضت لها (س.ف) في عملها من قبل صاحب المنزل التي تعمل به، حيث كانت على رأس عملها في الوقت الذي يُفتَرض أن يكون كل أصحاب المنزل خارجه، لتتفاجأ فيما بعد بعودة صاحب المنزل ومحاولته التحرّش بها.
“كنت أرغب بإخبار زوجته؛ لكن الخوف من ردة فعلها وتجنّب الفضيحة منعني من البوح، تركتُ العمل وكانت حجّتي هي مرض طفلي” بحسب س.ف.
يعتبر العمل في تنظيف المنازل من ضمن الأعمال الحرّة، ولا يوجد قانون خاص بالعاملين/ات في هذا المجال لتنظيم عملهم/ن أو حمايتهم/ن من الاستغلال. ولا يوجد في النظام الداخلي للإدارة الذاتية أي بند يُلزِم هذه الفئة بالتسجيل لديهم، ولذلك أيضاً لا تتوفر أية احصائيات حول عدد العاملين/ات في هذا المجال؛ بحسب “أسماء رمو” الرئيسة المشتركة لمكتب التشغيل والعمل في مدينة منبج.
وتضيف “رمو” أنهم لم يتلقّوا حتى اللحظة أية شكوى أو قضية مرتبطة بما تتعرّض له العاملات في تنظيف المنازل، وقد يكون السبب الأبرز هو أن العاملات في هذا المجال، يرين أنفسهنّ الطرف الأضعف إلى جانب الخوف من أحاديث الناس عنهنّ.
يبقى وجود قانون يحمي المرأة في أي مجال تعمل به، هو الحل لتخليصها من المصاعب التي تواجهها، إضافةً إلى وعي المجتمع بأهمية عمل المرأة وعدم النظر إليها كمذنبة في أي مشكلة تعترض طريقها.
(تنشر هذه المادة بالتعاون والشراكة بين مؤسسة “شبكة الصحفيات السوريات” & “شبكة آسو الإخبارية”، ضمن مشروع النساء والسلام والأمن)
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.