مستقبل العمل المدني السوري.. بين شتات الخارج ومحدودية العمل بالداخل
المجتمع المدني

ريما فليحان\thelevantnews- (خط الثقة) هو مشروعٌ واعد كان يعمل على منح المشورة والمساعدة للنساء المعنَّفات من الناحية النفسية والقانونية، وتقديم الحماية للنساء المعنَّفات في سوريا. قرأتُ مؤخراً بأسف أنّ المشروع انتهى.. هو كان مشروعاً واعداً ساعد عدداً هائلاً من النساء السوريّات في ظلّ تحدّياتٍ منها ضآلة الدعم الذي تتلقاه النساء السوريّات اللواتي يتعرّضن للعنف في سوريا، حيث لا قانون يردع العنف الأُسري ولا قانون يُحاسب المُسيء ويحمي الضحايا والأطفال، وفي ظلّ ذكوريّة المجتمع وأبويَّته التي تُكرّس تشيئ المرأة وتُغمِض العين عن العنف بحقّها أو عن سلبها حقوقها.

هذا الخبر قادني إلى عددٍ من التساؤلات حول مستقبل العمل المدني في سوريا في ظلّ واقعٍ سياسي يَعِدُ للأسف بإطالة رحلة الألم السوري، وباستقطاب العمل المدني في داخل سوريا لوضعه بالكامل تحت مظلّة السياسة، سواءٌ عبر الوكالة السورية للتنمية، أو ضمن حواجز الترخيص المقيتة والمرتبطة بانعدام الأُفق لترخيص الجمعيات وربط موافقات الترخيص بالموافقات الأمنية الصعبة المنال.

وبينما ينذر هذا الواقع بصعوبة الحراك المدني بالداخل والذي مازال يختزل العمل المدني بوصف “العمل الأهلي”، حيث تُعتبر كلمة مدني من المحرَّمات، فهو يطرح السؤال عن مدى تأثير الحراك المدني عموماً والحقوقي خصوصاً لكلّ المنظمات التي نبتت بالمئات في الخارج على واقع السوريين في داخل سوريا، وهو حراكٌ ممنوع لاسيما إن كان خارج العباءة السلطة.

ويطرح السؤال نفسه بفظاظة: كيف يمكن تنظيم العمل المدني وهو يتعرّض للتضييق يوماً بعد يوم في خارج سوريا أيضاً؟ لاسيما أن جزء منه بدأ يتحوّل شيئاً فشيئاً لبوابات عبور للأجندات السياسية والشخصية، التي ارتأت أن العمل المدني قد يكون مفتاحها للمشاركة السياسية المحرّمة على السوريين منذ عقود، وفي بعض الأحيان بتكليفٍ لتمرير أجندات سياسية تخدم هذا الطرف أو ذاك وأقول البعض هنا وليس الكل بالتأكيد، كما أن شتات السوريين والسوريّات وتوزّعهم في كل أنحاء المعمورة وتحرّكهم الدائم تبعاً للأوضاع السياسية في البلدان التي يعيشون بها، ومدى ترحيبهم باللاجئين عموماً يشكّل تحدّياً إضافياً لا يمكن التغاضي عنه.

ويحقّ التساؤل على هذا الصعيد: هل يجب أن يستهدف العمل المدني السوريين بالخارج فقط؟ أو أنه يجب أن يستهدف السوريين بالداخل ليكون ذي قيمة؟ وهو أمرٌ مرهون بالحالة العسكرية على الأرض من جهة، ومناطق السيطرة والنفوذ والتي لا ترحب بالعمل المدني بكل الأحوال، وهل هذا الواقع يعني أن يُترَكَ السوريون بالداخل لمصيرهم تحت رحمة تلك الجهات المسيطرة؟ وهو أمرٌ يشعر بغصّة ولكنه واقع مرير يصعب إيجاد حل حقيقي للخروج منه في ظل الحالة السياسية المتعثّرة، أو أن هناك اعتبار لحقيقة مفادها أن نصف الشعب السوري بات مشرّداً ولا يجب إهماله أيضاً ولا يقل أهميةً عن النصف الآخر المخطوف داخل سوريا!

هل يجب على منظمات المجتمع المدني الاعتناء بفكرة تمكين السوريين والسوريّات في ملاجئهم وأينما كانوا على مستوى التنمية والتوعية وتطوير المهارات وحتى المساعدة على الاندماج في مجتمعاتهم الجديدة؟ وهذا ليس من أجل تكريس فكرة استدامة هذا المنفى، بل من أجل تسهيل عبورهم لتلك المرحلة، من خلال تمكينهم من أدوات تساعدهم على العطاء وتعبئة الوقت بشكل إيجابي يساهم في تحسين أوضاعهم في تلك المنافي وينمّي ثقافة حقوق الإنسان والعمل المدني، ويعني أيضاً الاستفادة من نتاج العمل المدني والتجارب في البلدان التي يعيشون بها، وهو ما سيساهم لاحقاً في صقل وتأهيل الكوادر حتى تحين اللحظة التي يتمكّنون بها من العودة إلى سوريا لممارسة دورهم الطبيعي في تنمية المجتمع وإعادة ترميم النسيج السوري، وخاصة ونحن نغرق يومياً في حالةٍ من التفسّخ الاجتماعي والضياع على مستوى الشباب والأطفال وحقوق الإنسان والنساء. وهنا يجب بحث مدى ارتباط هذه المنظمات بالخارج بحاجة السوريين و مدى رضوخها لرغبات الجهات المموّلة التي قد لا تلتقي مع تلك الحاجات في بعض الأحيان، وهو تحدٍّ يجب أخذه بالحسبان، لأن توقّف التمويل يعني موت تلك المنظمات بشكلٍ أو بآخر!

الفرصة الوحيدة لاستمرار هذه المنظمات ومجموعات العمل قد تكون مقترنةً بمدى قدرة تلك المنظمات على العمل سويّاً وعلى انتاج استراتيجيات تتكامل بدلاً من تكرار المكرّر، وعمل كلّ منظمة في كلّ شيء، وضمن حالةٍ من التنافس المقيتة الموجودة بين بعض تلك المنظمات، بينما يجدر فعلياً أن نبدأ بالعمل على انتاج تحالف حقيقي لمنظمات المجتمع المدني السوري لينطلق من خلاله وضع استراتيجية وطنية، بحيث تقوم كلّ منظمه بدورها وتتخصّص في سياقٍ مدروس لديه أهداف ذكية لا عبثية، حينها ستجد الجهات المانحة نفسها مضطرةً لدعم تلك الاستراتيجية حين نكون متحدين لدينا رؤية وتكامل بالأدوار، بالإضافة لكتلةً وازنة تمثّل المجتمع المدني السوري في الخارج، والذي قد يتمكّن بتلك الحالة من دعم العمل المدني في داخل سوريا ولو كان عبر الحملات الإعلامية التوعوية والنشاط القانوني الحقوقي ونقل التجارب.

يتحدّث البعض عن وجوب حيادية المجتمع المدني عن التجاذبات السياسية، وهو أمرٌ ضروري ليكون الهدف تنموياً يصبُّ في صالح الإنسان السوري أينما كان ومهما كان، ولكن هذا لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال تسويغ أي انتهاكات ترتكب بحقّ السوريين، أو اغماض العينين عن أي انتهاكات حين يكون المنتهِك يتقارب مع جزءٍ من المنظمات بالرؤية السياسية، والتحرّك فقط حين يكون المستهدَف واقفاً وإياها على نفس الجانب!

إن بوصلة العمل المدني والحقوقي بشكلٍ عام هي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بشكلٍ حازم لا مواربة فيه، وهذه هي الموضوعية المطلوبة بالإضافة الى تقديم الخدمات الإنسانية والمجتمعية لكل من يحتاجها بغض النظر عن انتماء هؤلاء الأشخاص، وهو ما يُساء فهمه ويُختزل بسلبية الموقف وعدم الارتكاس لما يحصل في سوريا من انتهاكات، بل والمطلوب وعلى العكس تماماً في مفهوم موضوعية وحيادية المجتمع المدني ارتكاساً وحساسية لكلّ حدث تنتهك فيه حقوق الإنسان السوري، بغضّ النظر عن هوية المنتهِك والضحية، فهل سنصل إلى هذه السويّة في عملنا المدني أما أننا سنبقى ككتلةٍ من الشوك اليابس تتقاذفها الرياح على طريقنا القاحل.

المجتمع المدني

المجتمع المدني

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015