من التالية؟.. جرائم العار والحرب المزمنة ضدّ النساء
من التالية؟ :جرائم العار والحرب المزمنة ضدّ النساء

باسكال صوما/ daraj- تزوّج هيثم الذي كنا ننتظره ليزور لبنان حتى “نلفّ البلد” على حدّ قوله، ونمرح ونسهر ونتعرّف إلى أناس جدد. كان هيثم صاحب ذوقٍ رفيع في اختيار صديقاته وحبيباته. تزوّج هيثم قبل سنة تقريباً بعدما انقطعت أخباره وصوره عن مواقع التواصل الاجتماعي.

صُور العرس أتت على شاكلة واحدة. صور له ولرجال العائلة ولأصدقائه الشباب. لا عروس في الصور! لا نساء! لا صديقات!

علّق أحد أصدقائنا المشتركين كاتباً: “العروس فين طيب؟ ألف مبروك”.. محا هيثم التعليق.

عرفت بعد حين أنه لقّن صديقنا درساً في الحلال والحرام، مؤكّداً أنّه لا يجوز أن تنشر المرأة صورها على “فايسبوك”. كما أخبره أنه اشترط عليها أن تمتنع عن مواقع التواصل وعرض الصور والمفاتن، مهدداً إياها بالطلاق.. أو القتل.

هكذا انتهت صداقتنا مع هيثم وما عدنا نعرف عنه شيئاً. هل هو تغيّر، أم أنه أخفى عنا حقيقته طوال سنوات.

أما لينا، الفتاة الرائعة التي تعرّفت إليها من طريق “فايسبوك”، فانتهت صداقتي معها يوم طلبت منها أن نلتقي. عرفت بعدها أن لينا الطموحة المنفتحة المختلفة، كانت في الواقع فتاة ممنوعة من الخروج من بيتها، وأنّ كل ما اقترفته من صور وفيديوات، لم يكن لها. أفكارها التي كتبتها والتي كنا نتشاركها، كانت أحلامها ورغباتها.

كانت لينا التي عرفتها، الحلم الذي أرادت لينا السجينة أن تكونه. وكانت صديقتي مهددة أيضاً، ذلك أنّ والدها سبق وعلم بأنها على علاقة بشاب، وقد أعفاها يومها من القصاص، على “أن تكون آخر مرّة” وإلا سيكون عليه أن يغسل شرفه بدمها.. وهكذا.

هاتان جريمتا شرف مع وقف التنفيذ. مواقع التواصل مزدحمة بجرائم الشرف المؤجّلة، الصفحات الغريبة التي لا تحوي أيّ صور لصاحباتها، الأسماء المركبة، الحسابات المزيفة، الصور المسروقة، تلك المبتورة…

ماذا يحدث لو عاشت كلّ هؤلاء النساء كما أردن، وأنزلن صورهنّ في السينما والحانة والمسرح والطريق والبيت؟ هل ستكون جريمة شرف شاملة مثلاً؟

في المقابل، ارتُكِبَت جرائم شرف كثيرة فعلاً، وضجّت الدنيا، فيما بقيت أخرى مدفونة مع الضحايا في الأزقة الضيقة والمغلقة على الأفكار الكئيبة القاتلة.

رشا بسيس…

في شهر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، قتلت رشا بسيس في جرابلس السورية، بسبب صور لم تعجب أخاها بشار، كما تناقلت وسائل الإعلام، فغسل “شرفه” المزعوم بقتلها وصوّر الجريمة صديقه ونشرها كخبرٍ مفرح ومدعاة فخر على مواقع التواصل الاجتماعي. وأفادت تقاريرٌ بأن الضحية دون 18 سنة، وأكّدت جهات رسمية أنها ستقبض على المجرم!

إلا أنّ هذه المزحة السمجة تقابلها قوانينٌ تدعم المجرم، لا بل تغطيه، إذ لا توجد عقوبات رادعة لمرتكبي “جرائم الشرف” في سوريا كما في الدول العربية الأخرى. فمثلاً وفق المادة 548 من قانون العقوبات السوري، “يستفيد من العذر “المُحِل” من فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه في جرم الزنا أو الصلات الجنسية مع شخص آخر، وأقدم على قتله؛ أي لا جرم عليه ولا يتم توقيفه بالمطلق.

وفق تقارير لمنظماتٍ حقوقية، يبلغ عدد جرائم الشرف في سوريا نحو 200 إلى 300 جريمة سنوياً، يحدث معظمها في المناطق الريفية شمال البلاد وشرقها.

الإنسان من دون قيمة

تعلّق الكاتبة السورية والناشطة في حقوق الإنسان ريما فليحان على الجريمة، التي هزّت مواقع التواصل فقط من دون تناول اجحاف القوانين وتخلّفها، قائلةً إن “هذه الجرائم ستستمرّ من دون شكّ ما دام الإنسان من دون قيمة في مجتمعاتنا، وتوقيع دولنا على الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان والطفل والمرأة، مجرّد شكليات، فيما تئنّ بلداننا من غياب قوانين الحماية من العنف الأسري”.

وتضيف فليحان لـ”درج”: “ارتفاع وتيرة العنف والحروب وانتشار السلاح بشكل غير شرعي، لا سيما في سوريا، ساهم في (تشييء) المرأة، وصار العنف الأسري يتكاثر، ومعه جرائم الشرف”.

وتسأل: “وماذا لو قبضوا على قاتل رشا بسيس؟ هناك محاكم وهناك مجلس قضاء موحد، لكن القوانين تعطي المجرم عذراً مخففاً أو عذراً (محلاً)، وتعترف بالدافع الشريف للجريمة، وقد وسّعت حدود تخفيف العذر إلى المحارم والأقارب، فباتت العقوبة لا تتخطى سنوات معدودة”.

وتستدرك بالقول: “ربما الأمر الإيجابي الوحيد في هذه الجريمة أنّ الناس شاهدوا بعيونهم بشاعتها، وهناك حالة ذعر واستياء بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي”. وتشير إلى أن “الحرب والمد المتطرف رفعا نسب الجرائم ومنها تلك المتعلقة بما يسمّى الشرف”.

وتقول: “الانتفاضة الشعبية وتحرّك الناس والمجتمع المدني، شجّعا أكثر وأكثر المنظمات والجمعيات ومنها المدافعة عن حقوق النساء للتحرك ورفع الصوت. فقبل ذلك كان العمل المدني ممنوعاً، إلا بغطاء من النظام وتحت جناحه. عندما نزل الناس إلى الشوارع، صارت لديهم جرأة أكبر للحديث عن حقوقهم ومنها حقوق النساء والنضال من أجلها”.

وتسأل فليحان: “هل يهتم المجتمع الدولي والأممي وعلى مستوى المفاوضات، بالعمل الاجتماعي تماماً كاهتمامه بالشق السياسي والإقتصادي وإعادة الإعمار؟”. وتردف: “المجتمع لن يتغير ما لم تتغير قيمة الإنسان فيه. تونس رائدة عربياً في هذا المجال، على أمل أن ينسحب ذلك على البلدان الأخرى، إذ تجب إعادة النظر بقوانين العنف الأسري، وسن قوانين مدنية تحقق المساواة والمواطنة، خارج إطار الدين”.

قُتِلنَ بسبب الشك

في دراسة تحليلية حديثة حول ظاهرة جرائم الشرف أجراها الدكتوران بسام محمد وهواش الصالح، تبيّن أن ربع جرائم القتل المرتكبة في مدينة حمص للعامين 2007 و2008 كانت بذريعة الشرف، وكان 70 في المئة من القتلة من الأخوة الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة بعد.

فمن بين 71 جريمة قتل شهدتها حمص في العامين المذكورين كان عدد الجرائم المرتكبة بذريعة الشرف 18 جريمة.

وذكرت الدراسة أن الأسلحة النارية هي الأكثر استخداماً في جرائم القتل بدافع الشرف بنسبة 44 في المئة من الجرائم، وأن هناك نحو 16 في المئة من هذه الجرائم وقعت بهمجية وعنف شديد عبر الذبح وفصل الرأس بشكل كامل عن الجسد.

وأكّدت الدراسة أنه في معظم الحالات لم يجد الفحص الطبي الشرعي دليلاً على الاتصال الجنسي بنسبة 72.2 في المئة، ما يؤكّد أن القتل حصل لمجرد الشبهة، أو بسبب مخالفة المرأة أعراف الأسرة.

20 ألف ضحية سنوياً!

في الأردن مثلاً، وفقاً لـ”هيومان رايتس ووتش”، تُحرق من 15 إلى 20 امرأة وفتاة أو يتعرضن للضرب أو الطعن حتى الموت من قبل أفراد الأسرة بسبب تجاوز هؤلاء النساء، حواجز “الشرف” الاجتماعية.

وكثيراً ما تعتبر المحكمة “ثورة الغضب” سبباً لتخفيف العقوبة وفقاً للمادة 98 من قانون العقوبات، وقد لا تتخطى العقوبة سنة واحدة في حالات القتل العمد مع سبق الإصرار وفق المادة 97، إذا ما ارتكب الجاني جريمته وهو في حالة غضب. وغالباً ما تتضامن عائلة الضحية مع الجاني، وتطالب بنفسها بتخفيض العقوبة عنه.

أما في مصر فنحو 70 في المئة من تلك الجرائم تقع في حالات عدم تلبس ولمجرد الشك في سلوك الضحية، أو اعتماداً على الشائعات من دون دليل ملموس، بحسب دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر أجريت عام 2015، وأوضحت الدراسة أن تحرِيات المباحث في 60 في المئة من هذه الجرائم أكدت سوء ظن الجاني بالضحية.

جثثٌ تُلقى في الشوارع

وفي جولةٍ عربية على جرائم قتل النساء، ترد تقارير من العراق عن تكرر ظاهرة القاء جثث فتيات تلقى في الشوارع، وسط تساهل رسمي وقضائي مع هذه الجرائم، بسبب الخوف من التحقيق فيها لارتباطها غالباً بالأعراف العشائرية وأحكامها. تكون العشيرة هناك أقوى من الدولة ومؤسساتها. لذلك يصعب الحصول على رقم أو إحصاء رسمي حول جرائم قتل النساء.

“ثورة غضب” تُسقط النساء

أما في لبنان، فألغيت المادة 562 من قانون العقوبات اللبناني المتعلقة  بإعطاء عذر مخفف لمرتكبي ما يسمّى جرائم “الشرف”، إلاّ أن ما ألغي قانوناً، احتفظت بأحقيته النفوس.

في هذا الصدد، تعلّق المحامية ليلى عواضة وهي ناشطة في حقوق المرأة، قائلةً: “ألغيت المادة 562، إلا أن ما يحصل هو لجوء القضاة إلى المادة 252 عقوبات، التي تعطي أسباباً تخفيفية لمن قام بجريمته في ثورة غضب. ومسألة ثورة الغضب هذه ليست مضبوطةً في القانون، وهي مطاطة جداً، لذلك نرى أن بعض القضاة يفسّرون ثورة الغضب بما يناسب جرائم الشرف، فيستفيد منها الجناة”.

وتضيف عواضة لـ”درج”: نضالنا اليوم، لاستثناء جرائم العنف الأسري من الأسباب التخفيفية المتعلقة بثورة الغضب، فربما يعود الواحد إلى بيته كل يوم بحالة غاضب، فهل هذا يبرر أن يقتل زوجته أو أولاده مثلاً؟”. وتؤكد عواضة أن “مصطلح (جرائم الشرف) ليس قانونياً، بل اجتماعياً، فالقوانين تتحدث عن الجريمة التي يقوم بها، من فاجأ زوجه في حال الجماع المشهود، ولا يتطرق إلى مسألة الشرف، القانون في كل الدول لا يتحدّث عن الشك والشائعات كمبررات للقتل”، مضيفةً: “للأسف إنّ الثقافة الاجتماعية أعلى من الثقافة القانونية في بلداننا العربية”.

تونس تنجو جزئياً

ربما تكون تونس شمعةً مضيئة في عتمة عربية حالكة، إذ ليس في القانون التونسي ما يسمّى “دفاعاً عن الشرف”، كمبرر لارتكاب أي جرم، وبالتالي إن ارتكاب جريمة أو محاولة قتل بنت أو أخت أو زوجة، بذريعة الدفاع عن الشرف من طرف الأب أو الأخ أو الزوج، لا يعفي من العقاب.

وتؤكّد النسوية في “الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات” فاطمة أسماء معتمري، لـ”درج” أن “القانون التونسي يشدد العقاب إذا ارتكب الجريمة أحد الأقرباء”، مشيرة إلى أن “ذلك لا ينفي تعرض النساء التونسيات للعنف، إلا أن النضال مستمر لمكافحة أشكال العنف كلها، فما زالت التونسيات تتحمّلن مختلف أشكال المعاناة في مناطق مختلفة، إذ لا يرتبط العنف بالأمكنة، لكننا نستمر بالنضال من أي حقوقنا ولتطوير مجتمعنا”.

وينصّ الفصل 210 من المجلة الجزائية في تونس على أن الوالد الذي يتعمد قتل ولده (ذكراً أو أنثى) يعاقب بالسجن بقية العمر. كما ينص الفصل 201 على أنه يعاقب بالإعدام كل من يرتكب عمداً مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة. ووفقاً للفصل 203 يعاقب بالإعدام أي مرتكب قتل بحق قريب.

تركيا وإيران

عام 2016، شهدت تركيا قتل أكثر من 328 امرأة، معظمهن قتلن لأسباب واهية، بحسب إحصاءات أجرتها منظمة “أوقفوا قتل النساء”. وقد قتلت 173 امرأة تركية في الخمسة أشهر الأولى من عام 2017.

أما إيران، فعلى رغم غياب الإحصاءات الرسمية بخصوص جرائم الشرف، إلا أن بعض التقارير تقدّر أن 15 في المئة تقريباً من حالات القتل عام 2013 مثلاً، كانت ضمن خانة “الشرف”.

كتبت إحدى الناشطات على “فايسبوك” تعليقاً على جريمة قتل رشا بسيس “بعد رشا… من التالية؟”

 من التالية؟ :جرائم العار والحرب المزمنة ضدّ النساء

من التالية؟ :جرائم العار والحرب المزمنة ضدّ النساء

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015