من المسؤول عن تمكين المرأة أولاً؟
المساواة

عبد الحميد صيام/ alquds- دخلتُ مؤخراً في جدل طويل وعميق مع صديقتين عزيزتين، واحدة تعمل أستاذة جامعية ومحلّلة سياسية على العديد من الفضائيات، والأخرى صحافية مرموقة ومعروفة على مستوى الوطن العربي. موضوع الجدل كان حول تخلّف المرأة العربية، ومن الذي يتحمّل المسؤولية الأولى عن هذا التخلّف، وما هو نصيب الرجل من المسؤولية، وكم يلحق بالمرأة من مسؤولية؟

كنت أحاجج الصديقتين على أن الذي يتحمّل المسؤولية الأولى هو الرجل، الذي ركّب على مرّ الزمان مجتمعاً ذكورياً راسخاً، انبثقت عنه سلطة تعكس وتخدم هذه الذكورية، التي مارست اضطهاد المرأة وأبقتها في المكان الذي رسم لها، والذي فُصّل على مقاس الرجل والسلطة معاً، وعندما تحاول المرأة اختراق ذلك الصندوق المغلق، تجد الحواجز العالية أمامها من أقرب الناس إليها، بحجة قواعد الشرع وأوامر السماء مرةً، والعادات والتقاليد مرات.

حاججتني الصديقتان بأنّ اللوم أساساً يقع على عاتق المرأة، التي لا تثور لكرامتها ولا تدافع عن مواقفها، ولا تنتزع حقوقها، أو على الأقل تحاول أن تنتزع حقوقها. لا مبرر أمام المرأة في عصر التكنولوجيا والشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي، البقاء ساكنة راضية بدور ثانوي، يقتصر على البيت وتربية الأطفال، وعندما تُفتح لها أبواب العمل تختار أقلّها تحدّياً وأقربها إلى دور ربّة البيت، كالمعلمة والممرضة. يبتعدن عن السياسة ويقبلن الدور الهامشي، بدون احتجاج أو تمرّد. وحتى عندما تتحدّى امرأة هذا النظام وترفع صوتها ضدّ السلطة الظالمة، وتتعرّض للقهر والمعاناة، لا تجد حركة تضامن كبرى من النساء، مع من تضحي من أجلهنّ، كما حدث مع لجين الهذلول وزميلاتها في المعتقلات السعودية، على سبيل المثال.

«لا أظن أنّ هناك رابطة أقوى من الأمومة، فكيف لا تُدافع أم عن ابنتها عندما تُساق للزواج وعمرها تسع سنوات؟ فكيف نلوم الرجل إذا لم يسمع من يصرخ في وجهه ويضحّي من أجل انتزاع شيء من سلطته؟» قالت الصحافية.

وأضافت الأستاذة الجامعية: «أمي شبه الأُميّة هي التي ربتني في مخيم للاجئين بعيداً عن الأب الذي كان يكدّ في إحدى دول الخليج ليطعم أولاده. أمي هي التي أخذت قرار تعليمي بعيداً عن الرجل. أمي هي التي مكّنتني. المرأة القوية لا تحتاج لإذن من الرجل لتعلّم أولادها وتمكن بناتها».

ظللت أدافع بكل قوة عن رأيي الذي اعتنقته منذ زمن طويل وكتبت عنه مراراً وتكراراً في هذه الصحيفة وغيرها، وفي كورساتي التي أدرّسها في الجامعة، وقد راجعتُ ما كتبت في هذا الموضوع، فاطمة المرنيسي وليلى أحمد ومنيرة شراد وليلي أبو لغد وسهى صباغ وميرفت حاتم ونوال السعداوي وغيرهنّ.

في رأيي أن الرجل هو المسؤول أولاً عن استدامة العقلية الذكورية وتهميش المرأة، ومن الصعب أن تتجرأ المرأة على كسر قيودها وتنتصر على مضطهديها، إلا إذا وُجِد إلى جانبها وخلفها وأمامها الرجل، أباً وأخاً وزوجاً، أو دستوراً وقوانين تحمي المرأة من الاضطهاد والتهميش والعنف، بل المطلوب وقوف كل هؤلاء جميعا، نساء ورجالا، لإطلاق إمكانيات المرأة ووضعها على الطريق السليم، وحمايتها وشرعنة مواقفها والتصدّي لكل من ينتهك أو يحاول انتهاك تلك الحقوق، أو يعطل تلك الإمكانيات. فشروط تجاوز التخلّف يبدأ بالتعليم واكتساب الخبرة، والانخراط في الحياة الاجتماعية وتكوين الجمعيات غير الحكومية، والانخراط في الأحزاب السياسة والنقابات المهنية، بالضبط كما يحصل مع الرجال.

وعدتُ الصديقتين أن أكتب في الموضوع كي أُعطي الأستاذة والصحافية فرصةً وافية للاستماع إلى رأيي والردّ عليه.

المظالم الأساسية التي تطال المرأة العربية

تتعرّض النساء في كافة أنحاء العالم لأنواع الاضطهاد والعنف والتهميش والإقصاء. ولكن الأمور نسبية طبعاً، فلا مقارنة بين دولنا العربية ونساء الدول الإسكندنافية مثلاً. فوضع المرأة في المنطقة العربية من أسوأ الأوضاع في العالم. فهناك أنواع عنف ومظالم منتشرة في العالم العربي، أكثر من أي بقعة في العالم.

العنف الأسري منتشر في كل الوطن العربي، والأسوأ من ذلك أن هناك تقبّلاً مجتمعياً للعنف ضدّ المرأة. فنسبة المُتَحرَّش بهنّ في مصر تصل إلى 99 % من النساء اللواتي أجبن على استطلاع قامت بها مؤسسة طومسون ورويترز، ونسبة المتعلّمات 63%، ونسبة المختونات 91%، ولم ينجح في انتخابات برلمان عام 2012 إلا تسع نساء من 987 مترشّحة.

ومن يقتل زوجته في العراق لا يُحكم عليه أكثر من ثلاث سنوات، ونسبة النساء العاملات في العراق لا تزيد عن 17%.

برلمان الكويت الذكوري، رفض عدّة مقترحات مقدَّمة من الحكومة للسماح للمرأة أن تنتخب، وبقيت الحكومة تقدّم مشروع القرار إلى أن أُقِرَّ عام 2005.

وفي الأردن رفض البرلمان الذكوري، مشروع قرار تقدّمت به الملكة رانية لتغيير قانون العُذر المُخَفف لجرائم الشرف، ورفض البرلمان هذا القانون مراراً.

وفي العراق طالب بعض أعضاء البرلمان، بتغيير القانون الحالي ثلاث مرات لتخفيض سن الزواج إلى 9 سنوات، ورفض المشروع.

وفي فلسطين المحتلة ما زال القانون الأردني لعام 1962 يطبق في الضفة، حول جرائم الشرف، والقانون المصري يطبق في غزة والشيء نفسه بالنسبة لسن الزواج.

إضافةً للعنف الأُسري لا بد من ذكر ثلاث ظواهر خطيرة ما زالت منتشرة في العالم العربي بشكل واسع:

أولاً- جرائم الشرف، حيث ربط المجتمع الذكوري مسألة الشرف منذ عهد الجاهلية بجسد المرأة. ويقتل سنوياً في فلسطين والأردن نحو 20 امرأة تحت يافطة جريمة الشرف، التي قد لا تتعدى إجراء مكالمة هاتفية مع صديق أو لقاء بريء مع خطيب الفتاة في مكان عام، كما حدث مع إسراء غريب في بيت لحم في سبتمبر الماضي.

وجرائم الشرف ليست محصورة في فلسطين والأردن، بل تتعداهما إلى العديد من الدول العربية والإسلامية. مثل لبنان ومصر والعراق وتركيا وباكستان وبنغلاديش. الجريمة يرتكبها رجل، والضحية امرأة، والقانون والتشريعات التي فصّلها الذكور تحمي القتلة أو تخفف من عقوباتهم.

ثانياً- زواج القاصرات: توافق العالم من خلال الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل أن الطفولة تنتهي مع العيد الثامن عشر للبنات والأولاد، وأي زواج تحت هذا السن يعتبر زواجَ قاصر. وهذا النوع منتشر في كثير من دول العالم النامي، لأسباب تتعلّق بالفقر وحماية شرف العائلة وتقوية أواصر العائلات والتقاليد وتسوية النزاعات.

ومعظم الدول العربية تُمارس هذا النوع من الزواج. فقد سجّلت السودان نسبة 52%، واليمن 50% وموريتانيا 35%، وفلسطين 21%، ومصر 17% وتنخفض النسبة في لبنان إلى 6% بينما تنحدر في تونس والجزائر إلى 2 %.

ثالثاً- الختان (ويطلق عليه رسمياً في الأمم المتحدة تشويه الأعضاء التناسلية)، وتُمارس هذه العادة الأفريقية الموغلة في قدمها في أكثر من 30 دولة افريقية وعربية وآسيوية. وتصل النسبة في الصومال إلى 98% وفي كل من مصر والسودان إلى 91% وفي موريتانيا تصل إلى 69% واليمن إلى 19% وكردستان العراق إلى 8%. وتقدر اليونسيف أن عدد الفتيات المختونات في العالم يصل إلى 200 مليون.

لكن السؤال لماذا يسمح والد الفتاة لابنته أن تمر بهذه التجربة الشنيعة؟ وهل ابنة العاشرة أو الحادية عشرة تملك قرارها؟ وهل ستقف الأم في وسط الطريق لتمنع زوجها إرسال ابنته في الطريق نفسه الذي سارت عليه هي وأمها وأمه وأخواته؟ أليست هذه الجرائم الثلاث أساساً تقع على عاتق الرجل والمجتمع الذكوري المهيمن والسلطة المركبة على مقاس الاثنين؟

الحلول لا تأتي بين يوم وليلة

إن تمكين المرأة وتشجيعها وحمايتها وفتح الفرص أمامها تحتاج إلى مجموعة إجراءات، أولها يبدأ بتغيير القوانين الحالية، خاصةً في ما يتعلق بتأخير سن الزواج، والتعليم الإلزامي، وتسهيل التعليم الجامعي، وتحريم الختان، وردع التحرش، وإلغاء العذر المخفف، وعقاب مرتكبي جريمة الاغتصاب، وإعطاء المرأة حق التنقل والسفر والحضانة، وإقرار نظام المحاصصة في البرلمانات والوزارات، ثم يأتي دور ترشيد الخطاب الديني، والابتعاد عن الفتاوى المتعلقة بالنساء وملابسهن ومشيتهن وضحكتهن.

حبذا لو اهتم أصحاب الفتاوى بقضايا العدل والمساواة والحريّات العامة، ومحاربة الفساد، وتكافؤ الفرص والاحتجاج على إمامٍ غير عادل والانتصار للحق ومحاربة الظلم والفساد. والأهم من ذلك هو إعادة تثقيف المجتمع إنطلاقاً من المناهج التعليمية والتوعية العامة والبرامج التلفزيونية والمسلسلات والأفلام السينمائية، بحيث يُعاد الاعتبار والاحترام للمرأة كشريك كامل في بناء الوطن.

من المهم تمجيد دور المرأة وتقديم نماذج للأجيال من النساء المناضلات العربيّات، اللواتي تركن بصمات إيجابية على مجمل النضال العربي، أثناء حركات التحرر من الاستعمار والنضال ضد الصهيونية والإمبريالية وما أكثرهن.

إنها المسؤولية الجماعية التي تبدأ بتفكيك القائم المتخلف وبناء الجديد الواعي المتطور، الذي يضع في الحسبان أن لا تقدّم ولا نهضة ولا تطوّر بنصف أبناء المجتمع فقط بل بكل أبناء الوطن، نساءً ورجالاً.

المساواة

المساواة 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015