أخبار الأمم المتحدة- تصحبها أطباقها من حلب، حيث كبرت وترعرعت، إلى أوروبا حيث تعيش الآن. نهى صايغ هي معلمة سورية غادرت بلدها عام 2017 مع ابنها بحثا عن الأمان، وفي إيطاليا نالت شهادة الدراسات العليا (الماجستير) في تخصص يُعرف بحسن الأكل أو فن التذوق.
وبمناسبة العيد الـ 70 لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، شاركت نهى في معرض “أصوات في مهب الريح”، حيث عُرضت أفلام وصور ومقاطع صوتية تحكي حكايات ومشاركات من اللاجئين أنفسهم، وقدّمت نهى حلقة إذاعية (بودكاست) عن الغذاء والتربية والاستدامة والإنسانية.
أخبار الأمم المتحدة أجرت هذا الحوار مع السيدة السورية نهى صايغ، الخبيرة في مجال التثقيف الغذائي وفن التذوق.
أخبار الأمم المتحدة: هل من الممكن أن تعرّفينا أكثر عن نهى صايغ كيف وصلتِ إلى أوروبا ولماذا اخترتِ تخصص فن التذوق لدراسته؟
نهى صايغ: في البداية شكرا على استضافتي. أنا امرأة سورية ترعرعت ودرست في مدينة حلب، في كلية التربية هناك، ثم عملت معلمة لمدة خمس سنوات. ولكن، مثل العديد من السوريين، غيّرت الحرب حياتي، وأفقدتني كل شيء، فقررت الرحيل بحثا عن حياة آمنة لي ولطفلي الوحيد.
عند وصولي إلى إيطاليا، كان المستقبل مبهما، وضبابيا. وفي محاولتي لأجد مستقبلي، حضرت عدّة دورات تدريبية في عدد من المجالات لكنني لم أجد نفسي في أيّ منها. وبعد أقل من عام، كانت هناك دورة تدريبية في جامعة فنون علوم التذوق، وأقيمت هذه الدورة بالتعاون بين الجامعة ومنظمة الأمم المتحدة تحت عنوان “الطعام من أجل الاندماج”. خلال هذه الدورة شعرت بفضول للتعلم أكثر عن علوم الغذاء، فقدمت طلبا للحصول على منحة لدراسة الماجستير في فنون الغذاء في اختصاص الإبداع، الإيكولوجية والتربية أو التثقيف.
اخترت هذا التخصص، لأنني أردت أن أدمج معرفتي السابقة بتعلمي لمجال الغذاء، وهو فعلا ما أحاول فعله الآن.
أخبار الأمم المتحدة: كانت أطروحتك في الجامعة عن تأثير انعدام الأمن الغذائي على النساء السوريات. هل بإمكانك الحديث أكثر عن ذلك؟
نهى صايغ: كانت الأطروحة عن النساء السوريات، وكيف غيّر فقدان الأمن الغذائي دور المرأة السورية في زمن الحرب. في زمن مثل زمن الحرب، أو انعدام الأمن الغذائي، الأطفال والنساء هم الفئات الأكثر تعرّضا لهذه المشكلة، فهو يؤثر سلبا على صحة النساء والفتيات خصوصا في فترة المراهقة وفي فترة الحمل وأثناء الرضاعة. ولكن، ما تأثير المرأة في الحدّ من هذه المشكلة أو نقص الأمن الغذائي؟ من هنا أتحدث عن خبرتي الشخصية وعن أمثلة لنساء حاربن نقص الأمن الغذائي على مستوى المنزل أو حتى على مستوى الأوطان. فدائما تسعى المرأة – حتى قبل الحرب – لتحقيق ما يسمّى بالاقتصاد المنزلي وهو مصطلح معروف في المجتمع السوري. وهذا ما يكفل حصول الأفراد على حاجاتهم الأساسية، وأهمها الغذاء، بما يتناسب مع دخل الأسرة.
وبدأ دور المرأة يزداد أهمية وأيضا صعوبة على حدّ سواء بعد اندلاع الحرب في سوريا. وبعد الحرب، لم يعد يقتصر دورها على العمل في المنزل، وإنما تعدّاه لتخرج المرأة وتعمل في مجالات عدّة لتصبح هي المعيل الأساسي للعائلة بعد ذهاب العديد من الرجال إلى الحرب وإصابة العديد منهم بإعاقات جسدية منعتهم من العمل، وبعد خطف البعض منهم أيضا. فكان على المرأة أن تغيّر دورها من العمل المنزلي والذي يُعتبر لدى الكثير للأسف غير موجود أو واجب، ولا يذكره أحد، فقط لأنه غير مدفوع الأجر، وتُعتبر المرأة التي تعمل في المنزل كأنها لا تفعل شيئا، ولكن عندما خرجت المرأة وبدأت تعمل في هذه الظروف الصعبة أصبحت هي المعيل الأساسي وغيّرت دورها لتكون أساسا في العائلة، وليست درجة ثانية وأصبحت هي من يجلب المال. ولكن، لكي تستطيع المرأة لعب هذا الدور بالشكل الصحيح ولجعل دورها هذا وسيلة ومفتاحا لمحاربة مشكلة نقص الأمن الغذائي، لا بد لها أن تحصل على التثقيف المطلوب ليؤهلها للدخول في عالم العمل، التجارة والصناعة والتكنولوجيا، وتمكينها لتكون الأداة لمحاربة الجوع.
أخبار الأمم المتحدة: ما الذي نحتاجه لنتجاوز مشكلة الأمن الغذائي بشكل عام برأيك؟
نهى صايغ: لانعدام الأمن الغذائي أسباب عديدة، ولإيجاد الحل علينا دائما أن نبحث عن الأسباب، وهنا أعود للتحدث عن سوريا التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي نتيجة الحرب التي اندلعت منذ 10 سنوات، وأصبح خلالها ثمانية أشخاص من أصل كل 10 يعيشون تحت خط الفقر وهذا أمر خطير بحاجة لحلول سريعة ولكن في نفس الوقت تدابير مستدامة، علينا بداية أن نعي أن أي مشكلة تخص الغذاء في العالم تؤثر على كل العالم، فنحن نعيش على كوكب واحد، فوق أرض واحدة وتحت سماء واحدة. على الجميع تحمّل المسؤولية، والبدء من أنفسنا وتغيير أسلوب حياتنا بما يضمن لنا ولغيرنا ولأرضنا مستقبلا مستداما.
ثم علينا دائما أن نبذل جهدنا لفصل الجهل أو التجاهل عن الجوع، لأن ارتباطهما يزيد الطين بلة، وتثقيف مجتمع يعاني من انعدام الأمن الغذائي هو الحل للحصول على مستقبل آمن غذائيا. أكرر أهمية التربية والتثقيف والتوعية الغذائية والإنسانية في ضمان هذا المستقبل المستدام الخالي من اختلال الأمن الغذائي على مستوى عالمي.
أخبار الأمم المتحدة: كيف استطعتِ أن تدمجي الأطباق السورية والعربية مع ما درستيه ومع حياتك في أوروبا؟
نهى صايغ: هذه الأطباق ربما تتحدث عني، وعن شخصيتي وعن حياتي. هذه الأطباق هي تلك الفتاة التي جاءت من سوريا، حاملة معها ثقافتها ومعرفتها كفتاة سوريّة تعتز بتقاليدها وبثقافة سوريا، ودمجتها مع هذه الثقافة التي تتلقاها هنا في أوروبا أو في عالم آخر. الطعام هو باب للاندماج، هو باب للتبادل الثقافي، يصبح أي شيء أسهل عندما يتواجد الطعام على المائدة، أو عندما نعمل على صنع هذا الطعام. فالطعام ليس فقط هذا الطبق الذي نضعه على الطاولة أو نأكله، هو عبارة عن حياة، ويرتبط بكافة نواحي حياتنا الأخرى ويرتبط بشخصياتنا وهوياتنا ونعبّر فيه عن أنفسنا، ما نحن وما كنا عليه.
في أطباقي أركز على فكرة هذا الاندماج. في إحدى الفعاليات التي نظمتها “حركة الطعام البطيء” طلبوا مني أن أطهو لعشاء سوري، ركزت على هذه الفكرة في إعطاء هذا الشكل الغربي لأطباق شرقية تتمتع بمذاق شرقي بحت. وركزت على استخدام الطعام المحلي واستبدال بعض العناصر بطعام موجود محليا، للحصول على طبق يهتم بالبيئة ويهتم بالمكان ويحترم البيئة.
أخبار الأمم المتحدة: شاركت في معرض أصوات في مهب الريح، على ماذا كان تركيزك في هذا المعرض وما الدروس المستفادة؟
نهى صايغ: ركزت على عدّة أمور، أبرزها الغذاء والتربية والثقيف والاستدامة والإنسانية، والمشاكل الغذائية التي تواجه المجتمعات والعديد من البلدان في العالم. وأعتقد أن المشاكل الغذائية تواجه كل العالم بطرق مختلفة، فقد يكون هناك نقص غذائي في أحد البلدان، وبلد آخر يعاني من مشكلة الهدر.
البودكاست (البرنامج الإذاعي)، عبر “منتدى حدود العالم” هو منبر لإيصال الصوت الذي يعبر حدود العالم ويجمع روّاد فن وعلوم مع قادة العالم بهدف إحداث تغيّرات حقيقية للمستقبل وليخدم كل العالم.
أخبار الأمم المتحدة: لديك أيضا مشروع بعنوان “تثقيف الفن الغذائي”، ماذا تخبرينا عنه؟
نهى صايغ: هذا المشروع هو عبارة عن خلاصة ما تعلمته وخلاصة خبرتي كمعلمة لمدة خمس سنوات، وما درسته في مجال علوم الغذاء في حركة “الغذاء البطيء” وخبرتي في العمل في برلين في الحدث العالمي “أسبوع الفن والغذاء”، فأتت فكرة مشروعي “تثقيف الفن الغذائي”. يعتمد هذا المشروع على الثقيف الغذائي أو التربية الغذائية عن طريق الفن وما يتضمنه من التعامل مع الأطفال. ويعتمد على الطفل أكثر من المعلم، فالطفل هو المبدع في هذا المكان، والفنان.
المشروع ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية، الأول يعتمد على معرفتنا لذاتنا، وتعريف الطفل بنفسه وشخصيته وبالأشياء التي يحبها والتي لا يحبها، كل ذلك عن طريق الفن والغذاء، لأن الطعام هو ما يربطنا بالخارج وهو ما يربطنا بأنفسنا. القسم الثاني من المشروع يركز على الآخر وعلاقتنا مع الآخرين، فبعد معرفتنا لذاتنا جيدا نستطيع أن نتعرّف على الآخرين بعد كسر الحواجز بيننا وبين ذواتنا وعقولنا وأجسادنا ومشاعرنا، نستطيع كسر الحواجز بيننا وبين الآخرين وبناء علاقات صحيحة مع الغير. في هذا القسم سيكون هناك الكثير من ورشات العمل، سأدعو العديد من الأشخاص من عدّة بلدان من العالم ليتحدثوا عن ثقافتهم عبر الطعام.
أما القسم الثالث، فيركز على البيئة والطبيعة الأم. الأطفال هنا بعد اكتشاف أنفسهم واكتشاف الآخرين لديهم هذا التواصل مع البيئة، لأنه الأمر الأهم، لأننا في تاريخ تطورنا فقدنا هذا الاندماج بيننا وبين البيئة، فصلنا نفسنا عن البيئة باعتبار أننا أفضل. ولكن نحن جزء من هذه البيئة، والطفل يعرف البيئة أكثر من أي شخص كبير أو بالغ، لأن الطفل أقرب إلى بيئته، هذه الحواجز لم تُصنع بعد بينه وبين البيئة ويستطيع اجتيازها عبر الفن.
أخبار الأمم المتحدة: أنتِ معلمة. كيف ترين التحديات أمام العودة إلى مقاعد الدراسة بعد انتهاء الجائحة؟
نهى صايغ: التربية الكاملة هي تربية بدنية، ذهنية وانفعالية. في ظل الوضع الراهن للأسف يتلقى الأطفال التعليم عن بُعد، مما يترك فراغا كبيرا نوعا ما، ويجب العمل على ملئه بعد عودتهم إلى مقاعد الدراسة. أعتقد أن الفنون والرياضة بأنواعها وتلك الأنشطة البدنية والانفعالية قد تكون حلا فعّالا لملء ذاك الفراغ. وأؤكد على دور الأهل الكبير الآن في الوضع الراهن، في وضع أصبح فيه المعلم، وهو التربوي، خلف الشاشة. دائما دور الأهل يختلف عن دور المعلم، ولكن في ظل هذه الظروف يجب على الأهل أن يبذلوا الجهد لملء فراغ عدم وجود المعلم مع الطلاب. وأعتقد أيضا أن ردود فعل الأطفال عند عودتهم للمدرسة ستختلف، بناء على أجواء المنزل، وأيضا على خبراتهم السابقة.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.