دمشق/ جريدة (تشرين)- ليست المرة الأولى التي تسجّل فيها المحكمة الشرعية مهراً يتجاوز الـ 50 مليوناً خلال أقل من عام، فمؤخراً تمّ عقد زواجٍ بين شخصين بمهرٍ بلغت قيمته 100 مليون متقدّم و8 ملايين متأخّر، بينما سجّلت المحكمة منذ حوالي العشرة أشهر مهراً آخر بقيمة 50 مليوناً متقدّماً و50 مليوناً متأخّراً.. هذا المهر الذي استهجنه البعض متخوّفين من أن يصبح «شلف» كلمة 50 مليوناً عُرفاً متعارفاً عليه في الزواج متهمين المحكمة بالمساهمة في تعسير الزواج، في حين أكّد القاضي الشرعي محمود معراوي أن قانون الأحوال الشخصية ترك الحرية والأهلية للطرفين في تحديد قيمة المهر، وأنّ مثل هذه الحالات طفرة غير طبيعية ومن المستحيل أن تتحوّل إلى عرفٍ اجتماعي.
“مو معقول..” & “شو هالإسراف!” & “يا هيك المهر يا بلا”
ما بين مرحّبٍ ومستنكرٍ اختلفت التعقيبات على خبر تسجيل أعلى مهرٍ في سورية مؤخراً والذي بلغ مجموعه 108 ملايين، فأحد الآباء عدّ أن تسجيل 4 ملايين أو خمسة ملايين مهراً للفتاة أمرٌ أقلّ من عادي في ظل انخفاض قيمة الليرة السورية، لا بل واجبٌ لضمان حقوق الزوجة في وقتٍ بات فيه كل شيء صعباً.
في حين رأى آخرٌ أن المهر العالي يعوق زواج الشباب، كما أنّه لا يضمن حقوق المرأة كما يفكّر البعض؛ فربما تضطر للتنازل عن كلّ شيءٍ مقابل الطلاق.
بينما تخوّف آخرٌ من أن تتحوّل حالة غلاء المهور إلى عدوى تصيب كل بيتٍ، على قولة «ماحدا أحسن من حدا»، مشيراً إلى أن الحل يكمن في الوصول إلى تعديلاتٍ في قانون الأحوال الشخصية تضمن حقوق الاثنين بغضّ النظر عن قيمة المهر.
بدوره استبعد القاضي الشرعي محمود معراوي تحوّل مثل تلك الحالات التي وصفها بالطفرة غير الطبيعية إلى عادةٍ اجتماعية، فبرأيه حالتان أو ثلاث حالاتٍ لا يمكن أن تنقلب إلى عُرفٍ سائد؛ فالعرف هو ما تعارف عليه مجموعةٌ من الناس على عقودٍ طويلة وليس شخصٌ واحد، مؤكّداً أن متوسط المهور في الأزمة بلغ 500 ألف ليرة متقدّم و500 ألف متأخّر، وأغلب معاملات المهور التي تأتي يومياً إلى المحكمة الشرعية لاتتجاوز تلك القيمة قائلاً:
“طوال فترة استلامي القضاء الشرعي لم تسجّل إلا حالتين لمهرٍ عالٍ مخالفٍ للعادة, علماً أن متوسط عدد عقود الزواج التي تُجرى في المحكمة الشرعية يتجاوز 25 ألف معاملة في العام.”
وعن قبول المحكمة تسجيل مثل تلك الحالات الاستثنائية للمهر، أكّد معراوي أن المحكمة تطبّق قانون الأحوال الشخصية وهو يقول: لا حدّ لأقل مهرٍ ولا أكثره، ولا تستطيع مخالفته ورفض كتابة المهر مهما كانت قيمته مادام هنالك اتفاقٌ من الطرفين على المبلغ المكتوب، وكانوا في كامل الأهلية وخاصةً في حال وجود الولي.
وكشف معراوي عن رفضه مرةً واحدةً فقط تسجيل مهر يبلغ 10 ملايين ليرة متقدّم و5 ملايين متأخّر لامرأةٍ مطلّقة ولديها أولادٌ من قِبَل شابٍ يصغرها ضعف عمرها، قائلاً: “أحسست أنه ليس بكامل وعيه حينها أصررت على عدم تسجيل المهر إلا بعد قدوم أهله وقد كان خوفي في محله فقد تبين عدم رضا الأهل عن الزواج. حينها قمت بتخفيض قيمة المهر إلى 500 متقدّم و500 متأخّر ليصبح في الحد الطبيعي المعقول. وبعد مرور أقل من شهرٍ جاؤوا لعمل مخالعة، مشيراً إلى أنه من الملاحظ أنه كان زواج مصلحة ليس أكثر.”
وبيّن معراوي عدم وجود شروطٍ في تحديد قيمة المهر، وإنما ترك القانون الحرية للطرفين في تحديد المبلغ الذي يتفقون عليه، وفي حال عدم الاتفاق بين الطرفين يُفرَض مهر المثل، وأوضح قائلاً: “مهما كانت قيمة المهر توافق المحكمة على تسجيله في حال كان عمر الزوجة فوق الـ18 و الولي موجوداً، أما في حال عدم وجود الولي فيعدُّ القاضي ولي من لا ولي له؛ وحينها لا يقبل القاضي بتسجيله إلا بأقلّ الأمثال من عائلتها، حيث يأخذ متوسط المهر في المحافظة التي تنتمي لها، فالأعراف لها دورٌ كبيرٌ في تحديد متوسط المهر. لكن بشكلٍ عام يبلغ الحد الأدنى لمهر المثل 300 ألف متقدّم و300 ألف متأخّر ولا يزيد على ذلك إلا في حالاتٍ استثنائية.”
وأكّد معراوي كراهية ونهي الشرع عن المُغالاة في المهور، لأنها تؤدّي إلى عزوف الشباب عن الزواج، وتالياً تزداد العنوسة وهي أصلاً نسبتها عالية في سورية، كما ينتشر الفساد فكان التوجيه الديني الدائم لتخفيض المهور «أقلّهم مهوراً أكثرهم بركة» من باب سد الذرائع حتى لا يكون سبباً في الفساد؛ فراتب الموظف لا يكفي إلا مصروفاً شهرياً له ولا يمكن للرجل اليوم الزواج إذا ما تلقى مساعدة من أهله أو كان له إيرادٌ آخر.
كما أشار القاضي الشرعي محمود معراوي إلى أنّ الإنسان الطبيعي هو من يقبل بكلّ شيءٍ طبيعي ولا يكون شاذّاً عن المجتمع، مرجّحاً أن من يستطيع كتابة مهورٍ عالية كهذه هو ميسور مادياً؛ فقد يكون تاجراً أو أجنبياً أو من أبناء الخليج ويعدّ هذا المهر متناسباً مع العملة التي يتقاضاها.
وأوضح معراوي أنّ المهر لا يعدّ ثمناً للمرأة ولا حتى معياراً يقيس جمالها أو ضمانةً في استمرار الحياة وعدم الطلاق، وإنما هو هديةٌ و هبةٌ لازمة للزوجة من الزوج يقدّمها لها عند عقد الزواج إكراماً لها، مشيراً إلى أنّه أحياناً قد تقاسي المرأة من زوجها كثيراً لدرجةٍ تدفعها للتنازل عن كامل حقوقها مقابل حريتها.
وعن كيفية تحديد المهر قال معراوي: تختلف الأحكام باختلاف الأزمان فمن الفقهاء من حدّد عشرة دراهم فضة كمهرٍ للمرأة، ولم يُلزم بهذه القيمة؛ بل ترك تحديد الأمر للعادات والتقاليد والعُرف السائد بين الناس مع كراهية المغالاة في المهور.