موقع “مشرقات”- نزيهة جودت الدليمي ناشطة عراقية في حقوق المرأة، إحدى رائدات الحركة النسوية العراقية وأول وزيرة عراقية وأول امرأة تتسنم منصب وزارة في العالم العربي. كما أنها ساهمت في جهود إصدار قانون الأحوال الشخصية في جمهورية العراق خلال العام 1959 والذي عدّ القانون الأكثر تقدما في الشرق الأوسط من حيث الحقوق التي منحها للمرأة.
وفي العام 2009 أصدر مجلس الوزراء العراقي توجيها لأمانة بغداد باقامة تمثال لنزيهة الدليمي لتعد أول شخصية نسوية يقام لها نصب في العراق.
ولدت نزيهة الدليمي في بغداد عام 1923م ودخلت كلية الطب عام 1941م. شغلت منصب وزيرة البلديات في حكومة عبد الكريم قاسم خلال الخمسينيات. انضمت إلى الحزب الشيوعي العراقي عام 1948م. غادرت العراق في سبعينيات القرن الفائت وتوفيت في ألمانيا بعد صراع مع المرض عام 2007م عن عمر ناهز الـ 84 عاما.
كان لنزيهة الدليمي دور كبير في صياغة قانون الأحوال الشخصية العراقي عام 1959م. كما كان لها دور في إنشاء الضاحية التي تسمى حالياً “مدينة الصدر” ووزعت قطع الاراضي في منطقة الشعلة عندما كانت تشغل منصب وزيرة البلديات. قدمت نزيهة الدليمي خدمات كثيرة أثناء مدة تسنمها منصب وزير البلديات على الرغم من قُصر تلك المدة، إذ أنها لم تدم سوى عشرة أشهر، حاولت خلالها تقديم الخدمات البلدية إلى المناطق كافة، من خلال النزول إلى ميادين العمل والإشراف المباشر على تنفيذ المشاريع، ويذكر المحامي طارق حرب أنها في آب من عام 1959 زارت منطقة الزعفرانية التي كان والده مختاراً لها ويقول : “دهشنا واستغربنا، إذ هل سيتولى وزير زيارة هذه المنطقة الشعبية وهذا الوزير امرأة؟! شاهدناها وكانت ترتدي النظارات بسبب الغبار الذي يسببه الشارع العام في المنطقة. تفقدت المنطقة وسألت الكبير والصغير والرجل والمرأة عن حاجة المنطقة ووعدتنا خيراً بتنفيذ مطالبنا. وبعد أيام شاهدنا المكائن التي ابتدأت بتبليط الشارع العام للمنطقة”.
جابت نزيهة الدليمي مناطق العراق كافة، وعقدت الاجتماعات مع كل رؤساء البلديات، ففي العشرين من آب عام 1959عقد مؤتمر مهندسي مشاريع الماء والكهرباء في العراق وكان الهدف منه وضع دراسة فنية لمشاريع الماء والكهرباء في كل لواء وقضاء وناحية سواء من ناحية تأسيس مشاريع جديدة أو من ناحية توسيع المشاريع التي كانت قائمة، إذ أن تلك المشاريع كانت تنفذ بشكل ارتجالي وعلى أساس تقدير غير دقيق وتنفذ بكثير من التبذير، وفي تصريح لها لجريدة اتحاد الشعب، أعلنت فيه بأنه تم تكليف المهندسين لإجراء مسح دراسي شامل لمشاريع الماء في العراق، وتوقعت أن يستغرق ذلك شهرين، وآخر لمشاريع الكهرباء يستغرق ستة أشهر، الغرض من ذلك هو معرفة الوزارة كل شيء عن حاجات البلديات في هذه الناحية ووضع خطط مستقبلية في ضوئها.
انصب هم الدكتورة نزيهة الدليمي على تحقيق مشروع آخر ومهم هو أن يكون رؤساء البلديات وأعضاء هيئاتها منتخبين من قبل الشعب، وليس معينين من قبل الحكومة، وسعت إلى تحقيق ذلك من خلال دعوتها لعقد مؤتمر في الخامس من أيلول عام 1959 لرؤساء ومهندسي البلديات، لدراسة ميزانيتها وإدارتها ومشاريعها، كما جاءت بهيأة قانونية من أجل وضع قانون ينظم عملية انتخاب أعضاء المجالس البلدية بصفتها مستقلة عن الحكومة، وقدمت ذلك القانون إلى الزعيم عبد الكريم قاسم ولكن الأخير رفضه دون ذكر أسباب رفضه، أما في ما يتعلق بتوجهها لترسيخ أسس الديمقراطية في العراق فقد أصدرت قراراً عمم على جميع المديريات التابعة للوزارة وعلى رؤساء البلديات، منعت بموجبه منعاً باتاً فصل عمال البلديات لمجرد أنهم أعضاء في النقابات الخاصة بهم، كما نصّ القرار على إعادة جميع العمال الذين فصلوا قبل ذلك للأسباب آنفة الذكر.
وفي الثالث عشر من أيار 1960 صدر المرسوم الجمهوري ذو الرقم 263 ونص على تعيين الدكتورة نزيهة الدليمي بمنصب وزيرة دولة بدلاً عن وزيرة البلديات، وتعيين السيد عباس البلداوي بدلاً عنها.
وأصدرت قيادة الحزب الشيوعي العراقي أمراً في آب عام 1961 بإرسال وفد من كوادر الحزب للدراسة في المدرسة الحزبية في الإتحاد السوفياتي ، وكانت هي من ضمن أعضاء الوفد ، وبقيت هناك حتى قيام انقلاب الثامن من شباط.
وتذكر خانم زهدي في مقالٍ لها أن الدكتورة نزيهة للمرة الأولى على نشاط ( الجمعية النسوية لمكافحة الفاشية والنازية ) عن طريق إحدى صديقاتها فبدأت بحضور كل النشاطات التي تعقدها الجمعية كالندوات والمحاضرات التي تعمل من خلالها لبيان خطر الحرب والافكار الفاشية، شاركت في أحد اجتماعات الجمعية التي حضرها ( 400 أمرأة ) وهي جمعية علنية، ففي هذا الاجتماع تم تبديل اسم الجمعية إلى رابطة نساء العراق وذلك بعد انتهاء الحرب وكان للجمعية مجلة باسم ( تحرير المرأة )، كانت الدكتورة عضو في الهيئة الادارية للجمعية وهي مازالت طالبة في الطبية، أغلقت الجمعية ومجلتها في بداية حملة نوري السعيد ضد الحريات الديمقراطية، وفي بداية الحملة وأوجها قررت الدكتورة نزيهة الانتماء إلى حزب التحرر الوطني، وعندما لم يحصل الحزب على إجازة عمل من السلطة لأنه كان حزباً جماهيريا انتمت مع عدد من اعضاء آخرين إلى الحزب الشيوعي العراقي.
بعد تخرجها تعيّنت في بغداد أولاً في المستشفى الملكي لقضاء فترة الاقامة ثم نقلت إلى مستشفى الكرخ وفي هذه الفترة تعرضت إلى الملاحقة من قبل التحقيقات الجنائية واستدعيت وبعدها نقلت الى السليمانية .. تميّز عملها كطبيبة بصلات وعلاقات واسعة يومياً وتعرفت على معاناة الناس أكثر وكانت تقوم بعملها الوظيفي والتوعية بمختلف الاساليب.
انتقلت بعد ذلك إلى كربلاء وكانت تجربة جديدة تختلف عن بغداد حيث محيط كربلاء ومجتمعها المقيد والمحافظ جداً تجاه المرأة حيث أضطرت إلى ارتداء العباءة وإلى مراعاة أمور عديدة عندما كانت تذهب إلى عيادة مريض في البيت. في عام 1950 كان هناك مشروع لمكافحة مرض البجل حيث وافقت على الفور للعمل ضمن هذا المشروع، كان غرض المشروع التقصي عن مرض البجل وهو مرض من أمراض الصحة العامة الشائعة في التجمعات Primitive syphilis السكانية الواقعة حول المياه مثلاً حول دجلة إلى الموصل والفرات إلى مدينة عانة ثم النزول إلى الأهوار وكل مناطقها وهي مناطق واسعة. هذه الجولات أتاحت لها فرصة الاحتكاك المباشر بالناس والتعرف على مشاكلهم وأحوالهم التي لايمكن تصورّها اجتماعياً واقتصادياً، ومن خلال هذه الدراسة والتقصي تكونت لديها معلومات كثيرة تستند عليها لمتابعة الحالات المرضية، إلا أن الفائدة الأكبر كانت إعداد كرّاس خاص بأوضاع المرأة العراقية عموماً.
وبعد انتهاء مهمة التقصي الميداني عادت إلى بغداد عام 1951 للعمل في المستوصف التابع للمشروع لمتابعة المرضى المصابين بالبجل وكانت قد أعدت الكرّاس تحت اسم (المرأة العراقية). في هذه الفترة تبلورت لديها فكرة إعادة نشاط (رابطة النساء العراقيات) وشرعت بتجميع النساء حيث بلغ عددهن (30 امرأة) منهن خريجات الكليات ومنهن من عوائل المناضلين وعدد من المناضلات وباشرت بمناقشة ورسم أهداف الرابطة وبرنامجها واستغرق هذا الإعداد من الاتصالات والزيارات والاجتماعالات سنة كاملة حيث تقدمن بعدها بطلب الإجازة الرسمية تحت اسم (جمعية تحرير المرأة) وخلال فترة انتظار الموافقة حصلت الجمعية على تأييد واسع من قبل النساء في عموم العراق، إلا أن الطلب رفض، ورداً على الرفض جمعت الدكتورة النساء وناقشن الرفض وقررن بالاجماع مواصلة العمل لتحقيق الأهداف والبرنامج المتفق عليه بشكل سري وتغير الاسم إلى ( رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية) وجرى نشر الأهداف والبرنامج والنظام الداخلي لها ومن أهدافها:
1- النضال من أجل التحرر الوطني والسلام العالمي
2- الدفاع عن حقوق المراة العراقية
3- حماية الطفولة العراقية.
وفي العاشر من آذار 1952 أعلن عن تأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة والتي بدلت اسمها في المؤتمر الثاني في آذار 1960 إلى (رابطة المرأة العراقية) ومع مرور الوقت وبقيادة الدكتورة نزيهة أصبحت الرابطة الوجه المشرق للحركة النسائية التقدمية وجماهيرياً أصبحت عضويتها ( 42 الف عضو).
قدمت الرابطة للنساء خدمات كبيرة وفي مقدمتها قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وغيرها من المكاسب. حضرت الدكتورة نزيهة المؤتمر النسائي العالمي في كوبنهاكن عام 1953 وللمرة الاولى وفي هذا المؤتمر اصبحت الرابطة عضواً في الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي الذي كان مقره آنذاك في برلين وأصبحت الرابطة عضواً دائماً في سكرتاريتها وانتخبت الدكتورة عضواً في مجلس الاتحاد ثم في مكتبه وفيما بعد نائبة رئيسة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وكانت تحضر اجتماعات الاتحاد ومؤتمراته كافة ولعبت دوراً مميزاً في نظام الاتحاد وبرنامجه وعمله في ما يخص موقف الاتحاد من الحركة النسائية سواء العربية أو من البلدان (العالم الثالث) أي البلدان النامية، وبقيت الدكتورة تنتخب لهذه المناصب في الاتحاد حتى عام 1979 حيث تأزمت المواقف بين السلطة والرابطة.
بعد عودة الدكتورة من مؤتمر كوبنهاكن عام 1953 وبناءً على قرارات المؤتمر اعدت كرّاساً باسم ( المرأة تحل مشاكلها ) تحت اسم مستعار، تضمّن الكرّاس أمثلة وتجارب وأساليب عمل لحركات نسوية أخرى تحثّ المرأة على أن تأخذ قضيتها بيدها دون الانتظار من الآخرين ان يقوموا بحلّها، وبقيت الرابطة تحضر مؤتمرات الاتحاد منذ 1953 واجتماع المكتب الاقليمي العربي للاتحاد في عام 2003.
لقد ساهمت الدكتورة نزيهة بحماس ونشاط ومن خلالها الرابطة في أعمال ونشاطات جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست قبيل ثورة 14 تموز الى انبثاقها ونجاحها ومن ثم عملت بجد والرابطة من اجل حماية مكتسباتها سواء في لجان صيانة الجمهورية او المقاومة الشعبية، وتقديراً لدورها الفعال في حركة السلم والحركة الوطنية والحركة النسائية تبوأت اعلى منصب في الحكم الجمهوري وأصبحت أول وزيرة عراقية في تاريخ العراق الحديث وعملت عن كثب من أجل تحقيق اهداف ثورة 14 تموز التي قامت من اجل الانعتاق من التبعية للاستعمار والاحتكارات الاجنبية ومن ربقة العلاقات الاقطاعية وللخلاص من النظام الملكي.