فيديل سبيتي/independentarabia- جرى الاحتفاء في كل الصحف ووسائل الإعلام حول العالم بتعيين أستاذة الإعلام والاتصال العام في جامعة ليفربول أليساندرا غالوني، رئيسة لتحرير وكالة “رويترز” للأنباء. فغالوني ستصبح أول امرأة تقود الوكالة العالمية على مدى تاريخها الممتد لـ170 عاماً. وأفردت وسائل الإعلام الخبر على صفحاتها الأولى مركّزة على كون هذا المنصب بمثابة انتصار للمرأة في مجالات الإعلام والصحافة على مستوى العالم، ومنذ مدة طويلة.
اقتحامات نسائية فردية
سبب الاحتفاء بغالوني الكبير ليس رئاسة واحدة من كبريات وكالات الأنباء العالمية فحسب، بل وكسراً لتاريخ من الغبن لحِق بموقع المرأة في وسائل الإعلام، في كل الدول والمجتمعات والثقافات، وما زال قائماً حتى الآن.
الأمر سيّان في الدول المتقدمة اقتصادياً وحضارياً، حيث تمكّنت المرأة من الحصول على حقوقها، والدول النامية الفقيرة التي تعامل المرأة بدرجة أدنى من الرجل. فالتمييز “الجندري” في وسائل الإعلام ما زال قائماً في سلّم الوظائف، ومهما تمكّنت النساء من إثبات جدارتهن وكفاءتهن في هذا القطاع، إلا أنهن يخضعن لسلطة الرجال الذين احتكروا الإدارة وتقرير السياسات واتخاذ القرارات المهمة من دون منازعة من قبل النساء، ولو بتنَ وجوهاً شهيرة أو يلقين متابعة ملايين الأشخاص حول العالم عبر شبكة وسائل التواصل الاجتماعي. وكأنه يراد للمرأة أن تبقى وجهاً إعلامياً أو إعلانياً لوسيلة الإعلام، على ألا تتعدى هذا الدور للصعود على السلم الوظيفي نحو القمّة.
هذا التمييز سيبقى مكرّساً، في حال لم تتغير المفاهيم الاجتماعية حول المرأة ودورها، فانتخاب غالوني لرئاسة وكالة “رويترز” خلال الشهر الحالي لم يكُن الأول من نوعه، فقد سبقتها جيل أبرامسون التي أصبحت أول محررة امرأة في “نيويورك تايمز” عام 2011، كاسرة 160 عاماً من سيطرة المحررين الذكور، وكذلك كاثرين فينر في “ذي غارديان” عام 2015.
هذه “الاقتحامات” النسائية بقيت فردية ولم تتحوّل إلى سياسة تتبنّاها وسائل الإعلام، في سبيل تحقيق بعض المساواة بين الجنسين، على الرغم من أن التقارير العالمية تقدّر نسبة العاملات في مجال الصحافة حول العالم بحوالى 50 في المئة من مجموع العاملين فيه، وفي كل المجالات الصحافية من المراسلات إلى المحررات والمنتجات. بينما لا تصل نسبتهن إلا إلى 20 في المئة فقط في أعلى مستويات السلطة، و5 في المئة فقط منهن يصلن إلى إدارة ورئاسة التحرير.
تمييز بالرغم من الاتفاقيات
التمييز في وسائل الإعلام ضد النساء يقوم على مبادئ التمييز ذاتها في سائر القطاعات التي يسيطر عليها الرجال كما هي الحال في السينما، وهو يرتكز على التمييز الجندري (الجنسي) وسوء تنفيذ سياسات المساواة بين الجنسين وعمليات الترقية غير الرسمية، عدا عن الفوارق الهائلة في الرواتب والمكافآت المالية بين رجال ونساء يقومون بالعمل ذاته.
وبحسب المؤسسة الدولية للإعلام النسائي، فإن الرجال يشغلون 75 في المئة من المناصب الإدارية العليا وفي مجالس الإدارة، بينما حضور النساء أكبر في جمع الأخبار الروتينية. وتظهر دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة أن غالبية النساء اللواتي يظهرن في وسائل الإعلام تكون مهماتهن ترفيهية، ويتحدثن برقّة ويتبرجّن ليخرجن بصورة توحي بأنهن “كائنات جنسية”.
والحال هذه ما زالت سارية على الرغم من أن معظم الدول اعترفت منذ أكثر من 20 عاماً بالدور الحاسم لوسائل الإعلام في مكافحة الصور النمطية للمرأة في مجتمعاتها، ووافقت حينها الدول المجتمعة في بكين (المؤتمر العالمي الرابع لدعم المرأة-1995) على بذل المزيد من الجهود لإشراك المرأة في المناصب القيادية في وسائل الإعلام، والدفع باتجاه إبراز النماذج النسائية القدوة لكسر الصور الراسخة في الأذهان عن النساء، التي باتت كأنها مسلّمات لا تقبل التغيير. ومن الخطوات التي اتفق على اتباعها، تدريب النساء العاملات في الإعلام على مبادئ الحدّ من التمييز وتشكيل مجموعات مراقبة للوسائل الإعلامية للتأكد من تطبيق التزاماتها.
نظرة المجتمع
على الرغم من الخطوات الكبيرة التي قطعتها النساء في الوصول إلى مناصب قيادية مؤثرة، لا يزال عدد كبير من الناس في جميع أنحاء العالم لا يثقون بأن القيادة النسائية يمكن أن تكون فاعلة، وهذه النظرة المجحفة متجذرة بعمق وتحتاج إلى جهود كبيرة لتغييرها.
اعتمد تقرير شارك فيه عدد من المؤسسات العالمية على مؤشر “ريكيافيك” لتقييم المواقف تجاه القيادة النسائية في دول مجموعة السبع، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وشارك فيه أكثر من 20 ألف شخص، وجاءت نتائجه مفاجئة ومحبطة. ولنأخذ اليابان وألمانيا كمثليَن.
ففي اليابان، كشفت النتائج عن أن 38 في المئة من الناس أعربوا عن ارتياحهم لفكرة وجود رئيسة للحكومة أو رئيسة تنفيذية لشركة كبرى. أما في ألمانيا، فقال 41 في المئة فقط من الأشخاص إنهم يرتاحون لوجود امرأة على رأس الحكومة، على الرغم من المدة الطويلة التي مضت على وجود أنغيلا ميركل في منصب المستشارة.
وتوصّل الاستطلاع إلى أن هناك اعتقاداً سائداً بين الرجال والنساء على حد سواء، بأن النساء أرقّ وأضعف من أن يتولّين القيادة. ووفقاً لتقرير من “مركز ويلسون” حول استلام المرأة القيادة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن “المفاهيم الشعبية بشأن قدرة المرأة على القيادة هي مؤشر رئيس إلى درجة السلطة التي ستتمتع بها أثناء مسيرتها المهنية”.
في ظل وباء كورونا
توقّع البعض أن ظروف جائحة كورونا ستؤدي تلقائياً إلى وقف التمييز ضد المرأة، نظراً إلى الدور الكبير الذي اضطلعت به في مواجهة هذا الوباء سواء في الفريقين الطبي والتمريضي، أو في الدول التي تحكمها نساء والتي أثبتت أنها أكثر نجاحاً في مواجهة الوباء، ومن ثم بسبب التبعات السلبية التي طالت المرأة نتيجة هذا الوباء سواء في المجتمعات الصغيرة حيث تلعب دور الأم، أو في الوظائف المختلفة. إلا أن هذه العوامل على أهميتها لم تؤدِّ إلى حدوث أي تحوّل في التحيّز ضد وجود النساء في مناصب قيادية.
ففي فترة الركود الاقتصادي المرتبط بالوباء، كان نصيب النساء من النتائج السلبية أكبر وأشد وضوحاً من حيث فقدان الوظائف وتقليص ساعات العمل. كما أن التمثيل النسائي غير كافٍ في اللجان العلمية التي تضع السياسات المتعلقة بالاستجابة لانتشار جائحة كورونا.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.