سيرين شاهين/7al- تحمل الأم أطفالها كأجنّة، تكبر في أحشائها قبل أن تبصرها العين، حتى تتعب فيهم روحا وجسدا، إلا أن ذكرها يغيب حينما يطلقون الاسم على المولود/ة الجديد/ة، فأي عنصر جديد يضاف إلى العائلة السورية/العربية سيحمل اسم عائلة والده/ها.
عدد من المشهورين قد غيّروا أسماءهم، واتخذوا أسماء عائلة الأم، مثل الأدباء: شكسبير، ودكنز، وهمنجواي، وبرنارد شو، والموسيقيين: بتهوفن، وباخ، وموتسارت، واثنين من رؤساء أمريكا: واشنطن، ولنكولن، ومن العلماء دارون، وماركس، وفرويد، وآينشتاين، ونيوتن، وإديسون، ونابليون بونابرت، والممثل شارلي شابلن، والفنان بيكاسو. لم تذكر عن أسباب اختيارهم لأسماء أمهاتهم، ولكن الأسماء التي اختاروها أفضل كثيرا من أسمائهم الأصلية بحسب الأب. فشكسبير كان اسمه الثاني وليام ارون، وبونابرت كان اسمه رامولينو، وماركس كان اسمه مرسبورج، وفرويد كان اسمه ناتان، وآينشتاين كان اسمه كوخ.
الأمومة اصطلاحاً هي الانتساب إلى الأم، ويراد بها انتساب أهل القبيلة أو الأمة إلى أمهاتهم بدلا من آبائهم، فيقال فلان بن فلانة، كما يقال في الأبوة فلان بن فلان، والأمومة من الأبحاث التي حدثت في أواسط القرن الماضي بعد شيوع مذهب الارتقاء، وأول من استلفت الأنظار إليها عالم ألماني اسمه باخوفن في كتاب نشره سنة 1861؛ فاهتم به علماء العمران لاختلافه عما تعودوه من نظام العائلة المألوف، ومرجع بحثه أن الأمومة سابقة في تاريخ العائلة للأبوة، فعنده أن الزواج كان عند الأقدمين فوضويا بلا شرط، وهو زواج المشاركة، فإذا ولدت بعض النساء غلاما لا يمكن تعيين والده وهو ملازِم أمه للرضاع؛ فينتسب إليها ويُعرف بها، فيصير الانتساب إلى الأمهات قاعدة عامة؛ فأصبح للمرأة المقام الأول في الهيئة الاجتماعية، وهي صاحبة النفوذ كما هو حال الرجل اليوم.
ثم ظهر كتاب مكلينان الإنكليزي في الزواج عند القدماء نشره سنة 1865، فذهب في الأمومة مذهبا جعل أساسه الزواج الخارجي، أي تزوج الرجال ببنات من غير قبيلتهم بالغزو، لقلة البنات عندهم بالوأد (على زعمه)، فنشأ عن ذلك في اعتقاده زيادة عدد الرجال؛ فاضطر كل جماعة منهم إلى الاكتفاء بامرأة واحدة وهو تعدد الأزواج، وانحصر النسب في الأم وعلت منزلتها.
الفتاوى والمجتمع الذكوري؟
رغم مشقة الحمل والولادة والتربية إلا أن الأولاد دائما يحملون اسم أبيهم. رابطة الأم مع أولادها ثابتة وقوية، ولا يمكن زحزحتها سواء حملوا اسمها أم لم يحملوه، أما الأب فقد يحتاج إلى التذكير بأبوته وما يربطه بالأولاد لكي يشعر بالمسؤولية والالتزام تجاههم، بحسب حديث الباحثة الاجتماعية، ماجدة سلمان، لـ”الحل نت”.
العرب القدامى كانوا ينتسبون إلى أمهاتهم، ولكن ذلك ليس مألوفا بين العرب المعاصرين، قد يكون ذلك مرده لعدة عوامل، أبرزها الديني كون المنطقة العربية بغالبيتها ذات مرجعية متدينة أو بمستوى آخر موازي إسلامية، وانطلاقا من القرآن أطلق بعض المشايخ فتواهم بتحريم انتساب الأولاد للأمهات، حيث أوردت إحدى الفتاوى، وهي ذات نشر حديث، صادرة عن دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي (الإمارات)، في عام 2017 بأنه ليس للأم حق أن تنسب أو تطلب نسَب ابنها إليها لأن النسب في الإسلام حق مقصور على الأب، حيث استشهدت الفتوى بالآية رقم 5 من سورة “الأحزاب” في القرآن، تعالى: ﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند اللَّه فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم﴾. وأضافت الفتوى “بل ليس للأب أن يتنازل عن ذلك، ولا للابن أن يطلب غير نسب أبيه، فكل ذلك محرم في شريعة الإسلام، بل هو من الكليات الخمس التي حافظت عليها جميع الشرائع السماوية”.
في زمن الدعوة، كان هناك من صحابة النبي محمد من يحمل اسم أمه، كان منهم بلال بن حمامة، خفاف بن ندبة، بشير بن الخصاصية، سعد بن الحنظلية (أم جده)، شرحبيل بن حسنة، سهل بن الحنظلية (أم أبيه)، بشير بن عقربة.
هناك أسباب عديدة للانتساب إلى الأم في ذلك الوقت، منها قوة شخصيتها، فعلها وشهرتها في مجال السياسة أو العلم أو الاجتماع، أو المهنة، فقد تكون عالمة، نائحة، خاضبة، مغنّية، راعية ماشية.
النظرة الدينية لانتساب الأبناء إلى الأمهات كانت عاملا مؤثرا ومنتقصا من حق المرأة الطبيعي في أن يحمل أولادها اسمها، وجاءت النظرة المجتمعية لتكمل الانتقاص من حق المرأىضمن مجتمع ذكوري يخجل من أن يذكر على العلن اسم المرأة زوجة كانت أو أما أو أختا أو ابنة، وهذا الطبع الذكوري ضارب في القدم. الزوجة تكنى بـ”العيلة”، والأم بـ”الحجة”، هذه الأسماء وغيرها سواء كانت تسجل على هذا النحو في ذاكرة الهواتف المحمولة أو بين أحاديث الرجال في اجتماع العائلة أو بين الأصدقاء المقربين، وكأن اسم المرأة “عورة”، فذكرها قاصر على الأوراق الرسمية الحكومية فقط. فكيف سينظر هكذا فكر ذكوري عند المطالبة بإفساح المجال لمنح أي من الأبناء أحقية حمل اسم أمه بدلاً من إجبارهم كرهاً على حمل اسم ابيهم لوحده فقط.
القانون السوري أيضاً!
المحامية السورية رنا قصاب، قالت خلال حديثها لـ”الحل نت” إن القانون السوري لا يسمح للأبناء بتغيير أو اعتماد نسبهم لأمهاتهم إلا إذا كانوا غير قادرين فقط على إثبات نسب البنوة من الأب، وبأن هذا الأب إما مجهول النسب والجنسية، فإنه وفي هذه الحالة يحمل الأبناء كنية والدتهم/ن.
المجتمع السوري/العربي يعتبر الأب/الذكر كرأس للمجتمع، ما أدى إلى حفظ سلسلة نسبه بفلان ابن فلان إلى آخره. فضلا عن نسب الأبناء للأب الكثير من الجذور الدينية والقبلية والإشكاليات.
في المقابل، فإن فرنسا كمثال والعديد من الدول الأوروبية الأخرى صارت تسمية الأولاد باسم الأم قضية عادية. مازارين بانجو مثلا هي ابنة رئيس الجمهورية فرانسوا ميتران لكنها تحمل اسم أمها على الرغم من اعتراف والدها بها.
بيكاسو ورث تركته بعض البنات والأبناء (اللا شرعيين) بلغتنا العربية (والطبيعيين) بلغة الغرب وإنجاب النساء لأطفال دون زواج شرعي أضحى يمثل ما يقارب نصف أولاد فرنسا على الأقل (وبغض النظر عن رأينا كعرب ولكن ذلك يحدث) وبالتالي فتسمية الأولاد باسم الأم لم تعد مشكلة غربية.
*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.