إيمان ونوس/ جريدة النور- بديهيٌّ تماماً أنه خلال الحروب والنزاعات المسلحة، تكون المرأة هي الخاسر الأكبر وعلى مختلف المستويات الشخصية والعامة. ولكن غالباً ما نرى أنه يتمّ استبعاد المرأة من كلّ ما له صلة أثناء تناول إمّا الانعكاسات أو ما يجب فعله في المراحل اللاحقة. وطبعاً يندرج هذا الوضع تحت بنود النظرة الدونية إلى المرأة على أنها كائن تابع للرجل في ظلِّ تغافل الجميع عن الأعباء المُضاعفة التي تقوم بها في ظلّ ظروف استثنائية فرضت على الرجل أن يكون غائباً لأسباب متعددة: (المشاركة في القتال، الاعتقال، الخطف وسواه) تاركاً جميع الأعباء على المرأة التي أثبتت فعلاً أنها بجدارة تقوم بأدوار لم تكن منوطة بها، وتخوض غمار مجالات لم يكن يُسمح لها الخوض فيها. لكن، ما إن تحطّ الحروب أوزارها حتى يجري التنكّر لأولئك النساء وقهرهن وعذاباتهن المتنوعة، بدءاً من إعالة الأسرة مروراً بالتهجير والنزوح والاغتصاب وسوء المُعاملة والوضع الصحي، وما يتبع من عذابات لا تنتهي ربما تتشبث بكيان المرأة النفسي والوجداني حتى نهاية العمر.
وقد بقي هذا حال النساء في كل البلدان حتى عام 1998 حين قام أحد المُدّعين العّامين باعتبار الاغتصاب جريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، أثناء انعقاد المحكمة الجنائية الدولية في رواندا. ومع إعلان نظام روما الأساسي في العام نفسه، جرى الإعلان عن تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بشكل دائم، وأصبح من الممكن اعتبار كلٍّ من الاغتصاب والدعارة القسرية والاستعباد الجنسي والحمل والتعقيم القسريين كجرائم حرب.
غير أن الأمم المتحدة، وفي اعتراف صريح منها عام 2000 بهذا الواقع المأساوي، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لحماية النساء زمن الحرب، وكذلك الحاجة إلى اعتبارهنّ صاحبات مصلحة نشطة وأساسية في مجال درء الصراعات وحلّها، فقد أصدر مجلس الأمن قراره رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، مُشدداً على الحاجة إلى:
- – مُراعاة خصوصية المرأة، وإشراكها في عمليات الحفاظ على الأمن وبناء السلام وخصوصا في المناطق المُتضررة من النزاع.
- – توعية قوات حفظ السلام والشرطة والسلطة القضائية بخصوصية المرأة في الصراع، واتخاذ تدابير ضمان حمايتها والالتزام بحقوق الإنسان للنساء والفتيات.
- – تأمين الاحتياجات الخاصة للنساء والفتيات في النزاعات.
- – دعم دور المرأة في مجالات المراقبين العسكريين والشرطة المدنية والإنسانية ومراقبي حقوق الإنسان.
- – تمثيل نساء المجتمعات التي شهدت صراعات مسلحة لإسماع أصواتهن في عملية تسوية الصراعات، ولتكن جزءاً من جميع مستويات صنع القرار كشريك على قدم المساواة، لمنع الصراعات وحلّها وتحقيق السلام المستدام.
ولتنفيذ هذا القرار، يتعيّن على الدول الأعضاء وضع وتنفيذ خطط العمل الوطنية بهذا الشأن. غير أنه لم يلتزم بتنفيذ هذا القرار سوى 21 عضواً في الأمم المتحدة من أصل 192 دولة.
تأتي أهمية هذا القرار- رغم قدمه زمنياً- دون غيره اليوم، باعتباره أولاً يمسُّ الواقع المأساوي لعموم النساء في بلدان عدّة شهدت سابقاً، ويشهد بعضها اليوم، حروباً وصراعات ونزاعات مريرة، كانت وما زالت النساء وقودها في مختلف الاتجاهات، وسورية إحدى هذه الدول، ممّا يستوجب خلق تشاركية فعّالة بين المنظمات غير الحكومية عالمياً، وهيئات الأمم المتحدة، والدول الداعمة له.
واستمراراً من الأمم المتحدة ببذل كل الجهود لاستمرار تفعيل القرار1325 فقد وضعت بعض القرارات الداعمة والمُعزّزة له في سنوات لاحقة، جاءت كالتالي:
- – القرار1820/ 2008- للاعتراف بتأثير العنف الجنسي على صون السلام، ويعزز مع القرار 1325 اعتبار العنف الجنسي جريمة حرب.
- – القرار1888/ 2009- يُعد متابعة لقرار مجلس الأمن 1820 وهو يُكلّف بعثات حفظ السلام بحماية المرأة والأطفال من العنف الجنسي أثناء النزاع المسلح، ويطلب إلى الأمين العام تعيين ممثل خاص معنيّ بالعنف الجنسي في النزاعات المسلحة.
- – القرار 1888/ 2009- لرصد وتقييم المبادرات من أجل المرأة والسلام والأمن، كما يُطالب بتعزيز القرار 1325 ووضع مؤشرات لقياس التقدّم في تنفيذه.
- – القرار1960/2010- الذي اعتمده مؤخراً مجلس الأمن، ويستكمل ويُعمّق جدول أعمال المرأة والسلام والأمن.
- – القرار 2106- متابعةً للقرار ،1960 ويؤكد أهمية المساواة بين الجنسين والتمكين السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمرأة في الجهود الرامية إلى منع العنف الجنسي في النزاعات المسلحة، وحالات ما بعد الصراع ومكافحة الإفلات من عقاب جرائم العنف الجنسي.
- – القرار رقم 2122/ 2013- يُشدد على أهمية مشاركة المرأة في منع الصراعات وتسويتها وبناء السلام.
- – التوصية العامة رقم 30 تاريخ 18/10/2013 تبنّتها اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضدّ المرأة، في الجلسة ذاتها التي أقرّت القرار ،2122 وهي تُلزم الدول التي صادقت على اتفاقية السيداو، بالتمسّك بحقوق المرأة عند مشاركتها في القتال، وفي قوات حفظ السلام، والاعتراف بدورها المحوري في منع الصراعات وإعادة بناء الدول المدمّرة. إضافة إلى ممارسة العناية الواجبة لضمان مساءلة الجهات الفاعلة من غير الدول، مثل الجماعات المسلحة والشركات الأمنية الخاصة، حول الجرائم ضد المرأة.
بعد أن استعرضنا كل تلك القرارات الأممية، نُلاحظ وللأسف الشديد أن واقع المرأة المتردّي، في المجتمعات والدول التي تعيش حروباً ونزاعات، ما زال قائماً لأسباب تتعلّق بالموروث القيمي والذهنية الذكورية في تلك المجتمعات وعلى مختلف المستويات العامة والرسمية، وهذا يعني أن العدالة لم تأخذ مجراها الطبيعي والحقيقي، ولا أن المرأة قد أُنصِفت، لأنه وحتى اللحظة يتمُّ الإفلات من العقاب أو التقديم إلى المحكمة الدولية بشكل يجعل المنظمة الدولية عاجزة عن فعل أيّ شيء بهذا الصدد، وعندما يتعلّق الأمر بالاشتراك في المحافل الرسمية التي يتمُّ فيها اتخاذ القرارات، تُغلَق الأبواب كليّة أمام النساء، مما يتعارض مع قرار مجلس الأمن رقم 1325 الذي لا يزال حتى اليوم يواجه تحدّيات تتمثل في ضعف مشاركة المرأة في كل مناحي الحياة، وفي استمرار ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي، إضافة إلى قلّة الوعي بأهميته لدى سائر الأطراف، وبضمنها المرأة.
غير أن غالبية النساء الرافضات لهذا الواقع، والعديد من المنظمات النسائية تلعب دوراً هامّاً في محاولة حلّ النزاعات داخل المجتمعات المحلية وفى مجال الحياة اليومية، ولعلّ هذا ما أرادته الهيئة السورية من إعادة الحياة للقرار 1325 وتفعيله ضمن المُتاح من الإمكانات، خلال الورشة التي عقدتها مع صندوق الأمم المتحدة للسكان مُنتصف الشهر المُنصرم، وقد عبّر خلالها السيد ماسيمو ديانا ممثل صندوق الأمم المتحدة للسكان في سورية، عن التزام الصندوق بتمكين المرأة كونها عنصراً أساسياً في عملية بناء السلام. وأكّد ضرورة التعاون مع الحكومة السورية عن طريق الشراكة المستمرة مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة وصندوق الأمم المتحدة للسكان، وخلق شراكات جديدة مع جميع الجهات المعنية بهذا الشأن. أما الدكتور حسين نوفل، رئيس هيئة الطب الشرعي في سورية، فكان قد طالب أثناء الورشة المذكورة، بإعداد خطة وطنية تنفيذية لحماية المرأة ومشاركتها في إعادة الأمان والسلام وفق القرار ،1325 تكون تحت رعاية الهيئة السورية لشــؤون الأسرة بمشاركة الجهات الحكومية والأهلية ذات الصلة.
وفيما يلي أمثلة على نسب تمثيل المرأة والرجل في المناصب الرئيسية المتعلقة بشؤون الأمن والسلام:
– في 24 مفاوضة من مفاوضات السلام تمّ التوقيع عليها بين عامي 1992 و2010 كانت نسبة المفاوضين من النساء 7,6% ونسبة الوسطاء من النساء 2,5%.
- – لم تَقُمْ هيئة الأمم المتحدة مُطلقاً بتعيين امرأة في منصب كبير الوسطاء.
- – 89% من ممثلي الأمم المتحدة والمبعوثين الخاصين لها هم من الرجال.
- – 84% من عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة يقودها رجال.
- – 84% من سفراء الدول الأعضاء لدى الأمم المتحدة هم من الرجال.
- – جميع القادة في هيئة العمليات الخاصة بسياسة الأمن والدفاع المشترك للاتحاد الأوربي هم من الرجال.
- اثنتان فقط من أصل عشرة ممثلين خاصين للاتحاد الأوربي هما من النساء.
وأخيراً نقول إنه لا سلام ولا أمن بعيداً عن مساهمة المرأة ومشاركتها في سائر الهيئات الدولية والمحلية، على قدم المساواة مع الرجل، لأنها تتحمّل من أعباء الحروب وويلاتها أضعاف ما يتحمّله الرجال.