“يتمنَّعن وهنَّ راغبات”.. وتجريم “التحرّش”!
مبادرة “خليلي مسافة”

عمرو مجدح/ snacksyrian- استفزت صديقي مقولة “يتمنّعن وهنّ راغبات” التي استعملها عدد من الشبان في مواقع التواصل الإجتماعي تعقيباً على الواقعة المعروفة إعلامياً بـ”فتاة المنصورة” عن حادثة التحرّش الجماعي التي تعرّضت لها فتاتان في مصر ليلة رأس السنة.

الواقعة التي تفاعل معها السوريون بشكل كبير، ومنهم صديقي الذي رأى أن العبارة تفضح العقليات التي تدافع عن المتحرّش وتحرّضه على انتهاك جسم المرأة، ثم يوضح أن الأصل في العبارة أن الحياء من طبيعة الأنثى؛ فمثلاً يمنعها من المبادرة بإبداء الإعجاب بالشاب وحتى في بعض المسائل الأقل، مثل الأكل والشرب، لعدّة اعتبارات. لكن يبدو أن البعض عمّم المقولة وغلّفها بغلاف جنسي حتى يبرّر التحرّش.

تتدافع الأفكار في رأسي.. أعلم أننا لسنا في المدينة الفاضلة لكن لم يشغلني موضوع التحرّش، قبل مشاهدة فيديو رأس السنة والصدمة بكمية البشاعة الموجودة، اكتشفت شكلاً جديداً من أشكال التحوّل لوحوش الغريزة، بخلاف ما انتشر في الحرب من وحوش القتل والطائفية. قرّرتُ البحث عن بعض الإجابات التي قد تبرّئ صفحة الذكور من تلك الهمجية.

بالتأكيد سبق وسمعت وشاهدت مواقف وحالات حصل فيها شجار بسبب تحرّش ما، لكنها تبقى فردية لا أتذكّر قضية رأي عام ولا أن وقفت إمرأة بكل جرأة وقالت :«نعم تعرّضتُ للتحرّش»، كما حدث في “مصر”  وعدّة دول عربية وطالبت بمحاسبة المتحرّش،

أسئلة جديدة تتبادر إلى ذهني هل يوجد بالأصل قانون يجرّم التحرش؟،

حقيقةً لا أعلم إذاً كم نسبة الفتيات اللواتي لم يسألن أنفسهن هذا السؤال ولا يعلمن شيء عن حقّهن القانوني إن وجد ؟!

هل الجهل أحد أسباب سكوتهن عن التحرّش؟

ربما هو الخوف من مواجهة المجتمع الذي لن يَراهُنّ ضحايا على مبدأ “أكيد عاطيتو ريق حلو”.

تأخذني أصابعي إلى محرّكات البحث على الإنترنت للقراءة عن الموضوع أكثر. أجد مبادرة توعوية في عدّة مدن سورية خلال 2018 بعنوان ”فنجان قهوة” للتوعية والتعريف بالتحرّش الجنسي، وأقرأ بعض التعليمات والتدوينات الخجولة لنساء سوريات تعرّضن للتحرّش في الحملة العالمية me too أو “أنا أيضاً”. لكن اللافت أن أغلبهنّ شجّعن الفكرة ولم يحكين تجاربهنّ مع التحرّش.

وبالمتابعة أجد مبادرة حديثة انطلقت منذ أسابيع من دمشق بعنوان “خليلي مسافة” عبر الفيسبوك مع صور تدعم الفكرة؛ وهي بترك مساحة للفتيات والسيدات في باصات النقل العام والتكاسي، تعلّق “مي” على المنشور قائلة : «شفتا عالسرافيس فكرة حلوة بس ماحدا عم يعيرها اهتمام”، أما الشاب “كنان” يقول: “إذا الشوفير عم بطالع 200 راكب بباص سعته ٤٠ كيف فينا نخصص مساحة لصبية شيلك من أنو حجم الرجل بشكل عام أكبر من حجم البنت”، بينما تنصح “مها” الفتيات: «حطي جزدانك بينك وبين القاعد جنبك هيك بتكوني عم تحطيلو حد من الأول وإذا حاول يقرّب خلعيه كف وماتقصّري وخلصت القصة»، وتضيف “هاجر”: «أنا بعمل هيك بس بكون شايلة جزداني إلي فيو الموبايل والهوية والمصاري من الشنته وغالباً دغري الشخص الي حدّي بيزوق عدمو بس اعمل هيك»، وتقول “روان”: «ع فكرة بس تحكي لحدا ضب رجليك لو سمحت ببلّش يقول استغفر الله العظيم وبصير كل الي بالباص مبحلقين بالبنت وكأنها حكت شي ما بيسوى أو أبصر شو كان عم يصير”، أما “محمد” فيرى أن الحل الأمثل في زيادة عدد الباصات وتخصيص المقاعد الخلفية للبنات والأطفال تحت 13 سنة وهكذا تحل المشكلة».

أخيراً قمت بتحميل قانون العقوبات السوري على الموبايل، وبعد بحثٍ دؤوب عن مواد التحرّش أتفاجئ أنّ المادة رقم 506 من قانون العقوبات تقول “من عرض على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره أو على فتاة أو على امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة عملاً منافياً للحياء أو وجّه إلى أحدهم كلاماً مخلّاً بالحشمة عُوقِب بالحبس التكديري لمدة ثلاثة أيام أو بغرامة لا تزيد عن 75 ليرة أو بالعقوبتين معاً”، بينما عقوبة التحرّش بالنساء في الأماكن العامة و”السرافيس” و”التكاسي”، تعدّ ضمن التعرّض للآداب العامة؛ وبحسب المادة 517 من قانون العقوبات ”الحبس لمدة 3 أشهر كحد أدنى إلى سنتين كحد أعلى ويُترك ذلك للقاضي الذي يقدّر المدة بحسب الحالة والشهود”.

يبدو القانون هش ومضحك في بعض فقراته كقصة 75 ليرة غرامة والثغرات التي قد تجعل من الضحية مذنِبَة، إلا أنّ المشكلة الكبرى أن المجتمع قد يدفع الضحية للصمت حفاظاً على سمعتها، بدل أن يحاسب المتحرّش ويردعه ويعمل على تربية تقوم على احترام الجنسين ومنع تمييز أو اعتداء أحدهم على الآخر.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.  

مبادرة “خليلي مسافة”

مبادرة “خليلي مسافة”

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015