يحتاج السوريون للفرح
"There is hope and Syria is a light to the world," (Photo: AFP/Getty)

ريمون المعلولي/ جيرون- ليس عسيرًا على أي مراقبٍ يقوم بجرد استطلاعي لمضامين ما يتم نشره عن الحالة السورية، على صفحات المواقع الإلكترونية وفي مؤسسات الإعلام المختلفة، أن يلمس طغيان المضامين المأسوية السوداء، سواء وردت في صورة فوتوغرافية، أو في فيلم، أو في مقالة، وهذه الحال مستمرة منذ بدء العنف المسلح الذي فجّره النظام في سورية.

نعيش زمن طغيان الصورة المشبعة بشحنات السلبية ومعاني الخسارة والإحباط، تصلنا مباشرة، حية من أرض المأساة، نرى فيها مشاهد القصف والرد على القصف، صور القتلى والجرحى، والأشلاء، والأحياء العالقين تحت الأنقاض، وسحب دخان الانفجارات الرمادية والسوداء.

نقرأ ما تخطه أقلام الكُتّاب والمحللين على مدار الساعة، حول القصة السورية، ونطالع ما تنشره مراكز الرصد والتوثيق من أرقام تتصاعد عن عدد القتلى، والجرحى والمعطوبين جسديًا، والمعتقلين، وما ينشرونه عن أخبار اللاجئين والنازحين وظروف حياتهم التعسة.

على الرغم من ضخامة المواد المنشورة، فهي لا تحتوي إلا على أفكار محدودة، يُعاد استعمالها مرات ومرات مع تجديد أساليب عرضها. جميعها تقريبًا تُحدّثنا عن المؤامرة على الشعب السوري، وعن الثورة المضادة وقواها، وعن تخاذل المجتمع الدولي، تلوم بمرارةٍ ما يطلقون عليه الأمتين العربية والإسلامية، يحدثوننا باستمرار عن الثورة السورية: بداياتها ومبررات قيامها، طبيعتها السلمية وسيرورتها ثم عسكرتها، وعن يُتمها، وعن الجرائم، عن التهجير القسري، والحصار، عن التغيير الديموغرافي، وسوء حال المخيمات، عن مآسي السوريين في بلدان الشتات، عن مأساة الطفل السوري، والمرأة السورية، وعن زواج القاصرات… إلخ. سرد الحكاية منذ ما قبل آذار/ مارس 2011 حتى اليوم.

وكما الصورة، فإن معظم ما يُكتب عن القصة السورية يُحمّل بشحنات انفعالية سلبية كثيفة، تتضمن المرارة والأسى واللوم، ولا شيء غير ذلك، إلا ما ندر حين تأتينا رسائل إيجابية تحكي بعض قصص النجاح في صورة مبادرات مدنية سلمية، من هنا وهناك.

نعيش إعلامًا مازوشيًا، يغمرنا بطوفان الأخبار والمعلومات والصور المشبعة بروح الفشل والهزائم والمآسي، والموت، تصيب أرواح السوريين المتابعين الذين يتولون، بدورهم، عبر وسائط تواصلهم الشخصية إعادة نشرها، بعد إضفاء الطابع الشخصي لكل منهم على تلك المواد… وهكذا يتحول كل منهم -واعيًا لما يقوم به أو من دون وعي- إلى مُروّج لمثيرات الإحباط والتيئيس وناشر لها، وهكذا تتسع دوائر الأذى وتتداخل وتولّد الأمزجة العصبية والعدوانية في صورة شتائم يتبادلونها بينهم، ومع غيرهم، على صفحات التواصل أو في المواجهات المباشرة؛ ما يعزز الإحساس بالعزلة والفشل والغربة، ويتحول الفرد -من حيث لا يدري- إلى مُصدّر للكراهية والتعصب بكل ألوانه: الديني والمذهبي والقومي. إنها حال تقودنا إلى ما يشبه “العصاب الجمعي”.

لقد بلغ السوريون المتابعون لأحداث المأساة السورية حدود التشبع من الأفكار والمشاعر السلبية؛ ما دفع البعض –وهم في ازدياد- إلى الاستعانة بآليات نفسية حمائية، منها الهروب وتجنب التعرّض لمصادر الوقائع القاسية والمؤلمة، فيما لم يتمكن آخرون من ذلك، فهم عالقون في وسط مشاعر الإحباط واليأس.

إن تكريس حالة الفشل وعبر زمن طويل نسبيًا غير متوقع، والإعلان عنه عبر الرسائل الإعلامية، وانسداد آفاق الخلاص، تؤدي دور المعززات السلبية القاسية والمكثفة، ويتولّد عنها بالضرورة الإحباط، ومن ثم الاكتئاب، وهذا ما بدأ يصيب أوساطًا واسعةً من السوريين، وبخاصةً أولئك الذين يفتقرون لرصيدٍ كافٍ من الخبرات والمعارف الضرورية، إنها حالة “العجز المكتسب”.

لا يُفهم مما ذهبت إليه أنه دعوة للكف عن قول الحقيقة، وتوثيقها! فالسوريون يعيشون أكبر مأساةٍ عرفتها البشرية، والواجب يحتم الاستمرار في تسجيل وقائعها وتوثيقها، وعمل كل ما يلزم لكشف الجناة المجرمين وسوقهم للعدالة في وقتٍ ما. إنه حق الضحايا على من بقوا أحياء. لكني أرغب في لفت النظر إلى ما يعانيه جزءٌ مهم من السوريين من ضغوط انفعالية- نفسية بالغة الخطورة، تنعكس سلبًا على صحتهم الجسدية، وأخصّ منهم الشباب الذين حملوا أحلامهم المشروعة وتوقعاتهم الجميلة عن ثورتهم حين فجروها في وجه الظلم والفساد.

إن أقلام الفشل والخسارة والإحباط تطغى اليوم على أقلام الحياة والأمل، على الرغم من أن ما حققه السوريون خلال سنوات ثورتهم من منجزات ومآثر عظيمٌ جدًا، وبالطبع فإن الأحداث المفجعة الملموسة والآنية التي تصيب السوريين تحجب اليوم مأثرة الشعب السوري.

لندع كتاب التراجيديا يكتبون، فنحن نعيش تراجيديا حقيقية، لكننا لا نريدها أن تكسرنا، لندع مراسلي وكالات الأنباء والصحفيين والموثقين يقومون بأعمالهم، لكننا نحتاج إلى قراءة إنجازات ونجاحات مفرحة تزرع فينا الأمل.

فلنبحث عن التجارب والمبادرات الطيبة، مهما كانت بسيطة وصغيرة، نضيء عليها ونهتم بها وندعمها. فلنتمسك بحقائق كبرى تجمعنا نهتم بها ونُعدها منطلقنا لحلأو لوعد بحل؟ نحتاج إلى إعلام المبادرات والإنجازات والتعلم والأفكار البناءة، والتخلي عن إعلام النوح والردح ولوم الذات.

لنتوجّه بأفكارنا وأقلامنا نحو أطفال سورية، كيف نمكّنهم ونحميهم؟ نحو المرأة السورية، نتعامل معها لتمكينها في أسرتها وفي وسطها الاجتماعي، الشباب الذين يعصف بهم القنوط، نسأل عنهم ونستمع لهم ونتفاعل مع مشكلاتهم؟ المسنون/ المسنات، نتعرف على صعوبات حياتهم، ونبحث في سبل دعمهم وحمايتهم. فليكن الأمل المكتسب في مواجهة العجز المكتسب.

"There is hope and Syria is a light to the world," (Photo: AFP/Getty)

“There is hope and Syria is a light to the world,” (Photo: AFP/Getty)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015