أمهاتٌ سوريّات حُرِِمن من أطفالهِنّ
اللوحة للفنانة هبة العقاد Facebook /Heba.Alakkad.Art

نور عويتي/ السورية نت- تركت موجات اللجوء الواسعة، والتي انتقل بموجبها سوريون إلى أوروبا هرباً من المخاطر في بلدهم، آثاراً مختلفة، كان بعضها سيئاً على عائلاتٍ سورية تعرّضت للتفكّك بسبب انهيار العلاقات بين الأزواج، وانعكاس ذلك سلباً على الأبناء.

وخلال السنوات السبع الماضية، اضطر ملايين السوريين إلى النزوح أو اللجوء لأوروبا أو إلى دولٍ مجاورة لسوريا، بسبب عمليات القصف والاقتتال التي شهدتها مناطق عدّة في البلاد، وتوجّه سوريون إلى بلدانٍ أخرى بحثاً عن حياةٍ أفضل.

ولكن وبسبب صعوبة الوصول إلى أوروبا، فإنّ نسبةً كبيرة من العائلات السورية تعيش متشظيّةً، ما بين أوروبا ودول الجوار، أوالداخل السوري. وما بين هذه الدول وقوانينها وتشريعاتها المختلفة، تحمّلت بعض النساء أعباءً كبيرة، خصوصاً النساء اللواتي بقين في سوريا وأزواجهن في الخارج، بسبب الهيمنة الذكورية التي يمنحها المجتمع السوري للرجل.

“خطفٌ للأطفال”

يختلف هذا الواضع في الدول الأوروبية التي لجأ إليها السوريون، إذ ساندت القوانين المرأة اللاجئة، خصوصاً فيما يتعلّق بحضانة الأولاد؛ فالقانون الأوروبي يحترم حقّ الطفل في اختيار وليّه ومربّيه سواءٌ اختار أمّه أو أبيه، كما أنه يعطي المرأة الحقّ في تربية طفلها سواءٌ انفصلت عن شريكها بشكلٍ قانوني أو غير قانوني.

إلا أن بعض الرجال قاموا بالتحايل على نسائهم لاسترداد أبنائهم، واستغلال الفوضى الحالية وانعدام الملاحقة القانونية لتلك الجرائم على الأراضي السورية، حتى وصل الأمر إلى حدّ “اختطاف الآباء لأبنائهم من أوروبا إلى سوريا”، وفقاً لما قالته سوريّاتٌ لـموقع “السورية نت”.

قالت ديانا (لاجئة سورية 26 عاماً وتقيم في ألمانيا): “سادت الخلافات بيني وبين زوجي في سوريا وانفصلنا عن بعضنا، لكن تأخّر انفصالنا القانوني حتى عام 2013، وكانت حضانة ابني زين (7سنوات) من حقّي حينها، وعندما قرّرت السفر إلى أوروبا أخبرت زوجي عن نيتي ولم يُبدي أيّة معارضة للفكرة”.

وأضافت ديانا أنها بقيت على تواصلٍ مع زوجها، وعندما حصلت هي وابنها على الإقامة في ألمانيا، “عبّر زوجي عن رغبته في تصليح الأمور وإعادة لمّ شمل العائلة من جديد، وعبر عن شعوره العميق بالحزن لفقداننا، صدّقته حينها، وقمت بإجراء معاملات لمّ الشمل له، وعندما وصل قُمت باستقباله بمنزلي، فقام بتخديري وسرق مني مبلغ من المال يقارب 10000 يورو، إضافةً إلى جواز سفر زين واختطف ابني وهرب إلى دمشق”، وفق قولها.

وتابعت أنّ الأب ترك لها رسالةً مفادها أنه: “إن كان علي أن أرى ابني يتوجّب علي أن أعود إلى دمشق، وقمت برفع قضية بحقّه إلا أن الانتربول لا يمارس مهامه داخل سوريا، وإلى اليوم ليس لدي أي معلومة عن ابني”.

حقوق ضائعة

كذلك فإنّ لاجئاتٍ سوريّات في لبنان، يعانين بشدّة في تحصيل حقوقهنّ القانونية في الطلاق أو تحصيل الحضانة، فالسفارة السورية في بيروت، لا تستقبل الطلبات إذا كان الشريك أو الزوج مهاجراً بطريقةٍ غير شرعية إلى أوروبا، ليبقى المنفذ الوحيد لتحصيل الحقّ القانوي للمرأة السورية – في هذه الحالة – عن طريق الجمعيات والمنظمات غير الحكومية الدولية، ولكن في أغلب الحالات لا تكون تلك القضايا ذات أولويةٍ لدى المنظمات فيتم إهمالها.

ومن بين اللاجئات اللواتي عانين مثل هذه القضايا، اللاجئة كيندا (28 عاماً وتعيش في لبنان)، حيث قالت لموقع “السورية نت”: “منذ عام 2013 استقرّيت أنا وابنتي في لبنان بانتظار معاملة لمّ الشمل من زوجي الذي سبقنا إلى السويد، طال الانتظار وازدادت المشاكل بيني وبينه، فطلبت منه الطلاق، ولكنه رفض هو إتمام معاملة الطلاق بالتراضي، فقمت برفع دعوى طلاق لكسب حضانة ابنتي ليال (9 سنوات) من خلال محامي في منظمة (كاريتاس)”.

وأضافت أنّه خلال ثلاث سنواتٍ لم يهتم المركز بقضيتها، وفي نهاية الأمر أخبروها بأن المحامي تخلّى عن القضية، وفق قولها. وتابعت قائلةً: “منذ أشهر قامت عائلة زوجي بالقدوم إلى لبنان لإقناعي بأنّ زوجي يريد أن يصلح الأمور بيننا ويريد أن يلمّ شمل العائلة من جديد، وثقت بهم، إلا أنهم قالوا لي بأنّ لمّ شمل الأبناء يتمّ بشكلٍ أسرع من لمّ شمل الزوجات، وأنّ طلبي لازال قيد الدراسة، وطلبوا مني أن يأخذوا ابنتي إلى السويد، وحينها يكون من السهل لمّ شملي معها، رفضت في البداية إرسال ابنتي؛ إلا أنني وافقت بعد العديد من المحاولات لإقناعي، فأرسلت ابنتي، ولحظة وصولها لأبيها أرسل لي بأنني لن أستطيع رؤيتها في حياتي مادمت أفكّر بالطلاق”.

وأشارت كيندا إلى أنّ ابنتها في حالةٍ نفسية سيئة، مشيرةً إلى أنها “تعرّضت لأكثر من مرةٍ لانهيارٍ عصبي وليس هناك حلٌّ قانونيٌّ يحميني ويعيد ابنتي إليّ”.

وعلى الرغم من أنّ المحاكم في سوريا شدّدت العقوبات على الجاني الذي يقوم بخطف أبنائه إلى خارج البلاد، إلا أنّ المأساة تبقى واحدةً، حيث أنه من المحال أن يطال العقاب الجاني في أوروبا، ومن المستحيل أن يقوم الخاطف بالعودة إلى سوريا، إضافةً إلى أنّ القانون السوري لا يعتبر الأب خاطفاً في حال كان عمر الطفل أكبر من 12 سنة.

“المجتمع يظلم أيضاً”

روّت سلاف (32 عاماً وتقيم في دمشق) معاناتها العائلية، وقالت: “لم يكن هناك أيّ خلافٍ بيني وبين زوجي، وكباقي الشباب قرّر زوجي السفر إلى أوروبا، وقرّر ولدي أحمد (15 سنة) الذهاب معه لتسريع الإجراءات القانونية في لمّ الشمل، كان عمري ابني حينها 12 سنة، عندما وصل زوجي إلى هولندا واستقر الاثنان هناك، قام زوجي بالزواج من فتاةٍ هولندية، وأخبرني بأن علاقتنا انتهت وأنّ الولد سيعيش معه”.

وأضافت: “أخبرني أنّ ولدي يمكنه أن يعود للعيش معي عندما يُتِمّ الثامنة عشرعاماً وعليّ الانتظار، وباعتبارنا غير منفصلين وولدي غادر الأراضي وهو بعمر 12 مع والده فهو لا يعتبر قانونياً (مخطوفاً)”.

كما أشارت النساء السوريّات اللواتي تحدّثن لموقع “السورية نت” إلى أنهنّ يشعرن بالظلم أيضاً من المجتمع، حيث رأينَ أنه يقف مع الرجل في مثل هذه الحالات.

ففي حالة كيندا، حمّلها أهلها وأقرانها الذنب بما حصل لها، وذلك لأنها هي من طلبت الطلاق!

وفي حالة ديانا؛ فإنّ المجتمع حمّلها الذنب لأنها قامت بالسفر إلى أوروبا دون زوجها.

لتكون الأمهات السوريات عرضةً للانتقادات الاجتماعية، وغير قادراتٍ على الحصول على حقّهن بالأمومة بالسبل القانونية في ظلّ تشظي المجتمع السوري في الوقت الحالي.

وبالمقابل، لا يخلو المجتمع السوري من قصصٍ كان الرجال فيها هم الضحايا، وحُرِموا هم أيضاً من أبنائهم بسبب قراراتٍ من جانبٍ واحد اتخذتها زوجاتهم، فتشظّي المجتمع السوري وتوزّعه في نطاقٍ جغرافيّ غير متجانس، كان له ثقلٌ على شبكة العلاقات الزوجية والأسرية؛ فهناك رجالٌ تخلّت عنهم زوجاتهم أيضاً بمجرد الوصول إلى أوروبا، الأمر الذي يؤكّد على أن الجميع تضرّر في المجتمع السوري، فضلاً عن أنّ غياب إمكانية التنسيق القانونية جعل الأمر يزداد صعوبةً.

اللوحة للفنانة هبة العقاد Facebook /Heba.Alakkad.Art

اللوحة للفنانة هبة العقاد Facebook /Heba.Alakkad.Art

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015