أمهات سوريّات يقضين عيد الأم عبر استذكار اللحظات الحلوة مع أولادهم بعد مغادرتهم البلاد
عيد الأم 2023

السويداء/شينخوا CN- جلست الشيخة أم نديم، وهي امرأة سبعينية بالعمر في غرفة الضيوف الكبيرة بمنزلها بريف السويداء (جنوب سوريا) تنتظر مكالمة هاتفية من أولادها الذين سافروا إلى عدة بلدان عربية وأجنبية بحثاً عن سبل العيش وتأمين مستقبلهم، ولإلقاء التحية على والدتهم التي تقدّم بها العمر، ويعايدونها بعيد الأم الذي تنتظره من عام لأخر علّها تجد أحداً منهم بجانبها يقبّل يديها ويؤنس وحدتها.

وعبّرت أم نديم (75 عاماً)، والتي توفي زوجها منذ 10 سنوات، وتعيش لوحدها بمنزلها إلى جوار ابنتها المتزوجة في نفس القرية، عن حزنها لبعد أولادها عنها، وتأمل أن تراهم قبل أن ترحل عن هذه الدينا، سيما وأنها تعاني من مرض السكر.

وضعت أم نديم صور أولادها الأربعة أمامها وراحت تنظر إلى كل واحد منهم وتلمس وجهه بيديها المرتجفتين، قائلة لهم “طال الغياب، وأنا مشتاقة لكم يا أبنائي الأعزاء”.

وقالت أم نديم، التي ترتدي الزي الشعبي لمحافظة السويداء، لوكالة أنباء ((شينخوا)) “في عيد الأم أنتظر أولادي في غرفة الضيوف، فهم يقتصرون العيد على الاتصال عبر الهاتف الخلوي ومن خلال خدمة الفيديو، وأراهم وأطمأن عليهم، ولكن أحتاج أن أضمهم إلى صدري كما كانوا صغاراً”، مؤكّدةً أن ظروف الحياة صعبة وكل منهم يبحث عن رزقه ومستقبله، فالأم تتمنى أن يبقى أبناءها إلى جانبها لكن إرادة الحياة لا تسمح.

وتذكّرت السيدة السبعينية بالعمر، بفرح ممزوج بالحزن، الأيام الخوالي، ومنها عندما كانوا يجتمع الأولاد في منزلها، وتقوم بإعداد الطعام لهم، ويقدّمون لها الهدايا الرمزية، مشيرةً إلى أن تلك اللحظات كانت من أجمل أيام حياتها، لأنهم كانوا مجتمعين حولها، قائلةً “عندها كان هناك طعم للعيد وللحياة، أما اليوم، فهو يوم ثقيل لأنهم بعيدون عني، وأعيش معهم عبر الذكريات التي تمر بمخيلتي”.

أم عادل (72 عاما) وهي سيدة سورية أخرى تعيش في دار للمسنين في مدينة السويداء، بعد تدهور حالتها الصحية وغياب أولادها في دول اللجوء بحثاً عن الأمان والمستقبل، فلها حكاية أخرى، لم يقل لها أحد من أولادها، منذ أكثر من 7 سنوات كل عام وأنت بخير، ما عدا بعض الجمعيات الخيرية التي تُرسل لها هدية بهذه المناسبة.

وعبّرت أم عادل، التي حفرت سنوات العمر والتعب خطوطاً كثيرة على وجهها وحسرة في قلبها، عن حزنها الشديد وهي تنتظر أحداً من أولادها أن يأتي ويقول لها كل عام وأنت بخير ويقبّل يديها.

وقالت أم عادل والتي جلست على سريرها وعيناها تذرفان دمعاً “أتمنى أن يكونوا بخير وبصحة جيدة، وأنا هنا منذ عدة سنوات أعيش في المكان، وأعيش على أمل أن أسمع صوت أحدهم يطمأن علي، لكن مرت السنوات ولا أحد يذكرني، وأتخيّل صورهم كيف أصبحوا، وأتذكّر عندما كانوا يعيشون معي وصخب الحياة، وكل اللحظات الحلوة، هذا ما تبقى لي منهم”، مبيّنةً أنها تعيش هنا وتنتظر أن تسمع صوت أحدهم.

في غرف دار المسنين هناك الكثير من القصص والحكايات المؤلمة، وأمهات يعشن على شريط الذكريات، علّ أحدهم يأتي ويقول لهنّ كل عام وأنتن بخير.

تعيش أم وائل (45 عاما) في مدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي مع ابنتها الوحيدة، وهي طالبة جامعية، في حين يعيش ثلاثة من أبنائها في العراق، يعملون في مهن مختلفة، وغادروا البلاد منذ 6 سنوات بحثاً عن رزقهم وسبل الحياة الكريمة.

تقول أم وائل “أولادي يتصلون بي يومياً عبر خدمة الفيديو، واليوم اتصلوا بي وقدّموا لي المعايدة بعيد الأم، وأرسلوا لي مبلغاً من المال كي أشتري ما أحتاجه”، مشيرةً إلى أن كلّ أموال الدنيا لا تساوي شيئاً أمام سماع أصواتهم وأن يكونوا بخير.

وتابعت أم وائل تقول “الحياة مبنية على التناقضات، ولا يوجد فرح كامل، فالعيد لم يكن كما أريد، ولكن هذا هو الواقع، والأمهات يتجرّعن الحسرات، ويربين كي يأتي السفر ليُبعد الأولاد عنهنّ”، داعيةً كل الأمهات إلى التحلّي بالصبر، فهو المخرج الوحيد لهنّ في هذه الظروف الصعبة.

وأضافت أم وائل “كل يوم أنظر إلى صورهم، وأدعوا لهم بالتوفيق بأعمالهم، وأن يعودوا إلى البلاد سالمين غانمين”، موضحةً أن الذكريات الحلوة هي التي تعوّضني عن غيابهم، ولكن بنفس الوقت أشعر بالحزن عندما أرى أولاد جيراني يأتون لمعايدة أمهم.

يُشار في هذا الصدد إلى أنّ الحادي والعشرين من مارس هو يومٌ يحتفل فيه السوريون بعيد الأم من كلّ عام.

يُذكر أنّ سوريا ومنذ بداية سنوات الحرب تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة وجاءت العقوبات الاقتصادية الأمريكية وتراجع قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية لتُفاقم المعاناة (الدولار الأمريكي الواحد يساوي 7250 ليرة سورية) الأمر الذي دفع بغالبية الشبان السوريين للمغادرة إلى دول عربية وأجنبية بحثاً عن الأمان والاستقرار والعمل.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

عيد الأم 2023

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015