استغلال المرأة بغطاء شرعي
الزواج العُرفي للاجئات سوريات في تركيا

آلاء محمد/ جريدة الأيام- شكّلت معاناة السوريين نتيجة الحرب والنزوح واللجوء، مأساةً كبيرة كان لها آثارٌ سلبية على المجتمع عامةً، ولكن تبقى المرأة هي الأكثر خسارةً والأعظم ضرراً.

ينظر جزءٌ كبير من المجتمع السوري لزواج الفتاة على أنّه حلٌ وحيدٌ لخلاص المرأة من أعباء اللجوء والنزوح؛ فأصبحنا نرى أشكالاً وألواناً للزواج في المجتمع خلال هذه السنوات، كنّا بالكاد نسمع بها سابقاً، كزواج المتعة، والزواج المؤقت، والزواج القسري، وجميعها تُبَرّرُ تحت غطاء الحرب، والفقر، وعدم الاستقرار، وفقدان الأمان والخوف على الشرف.. فهل يكون حفظ العرض بهذه الطرق..؟

د. ميادة كيالي، المختصة بشؤون المرأة، تقول للأيام السورية: ”المرأة هي  العنصر الأضعف في معادلة اللجوء، وخاصةً مع حضور الزواج كحلٍّ قد يكون وحيداً لإعالتها، سواء كانت شابة في مقتبل العمر أو سيدة مطلّقة أو أرملة مع أطفال، وهنا يكون شكل الزواج واشتراطاته حسب حالتها، ويخضع لمزاج الزوج صاحب السلطة الوحيدة في المعادلة، ويساعده في ذلك سماسرةٌ امتهنوا الدّعارة المبطّنة.. أجل نكاد لا نخطئ حين نصفها بالدّعارة التي وللأسف تتخذ لها في كثيرٍ من الأحيان غطاءاً دينياً شرعياً، وغير قانوني؛ وما هو إلا اغتصابٌ لإنسانية المرأة وامتهانٌ لكرامتها”.

وأشارت د. كيالي إلى “أنّ اللاجئين أتوا في الغالب من القرى الفقيرة؛ والتي غاب عنها التعليم والوعي، وعاشت فتياتها على أنهنّ خلقن للزواج والبيت وتحت إمرة الرجل، وبالتالي فهنّ مهيآتٌ بطبيعة الحال للقبول بأيّ شكلٍ من أشكال الزواج في دول اللجوء؛ فالقانون الإسلامي يشرّع التعدّدية، وبالتالي ففي تركيا والبلاد العربية ليس هناك ما يُجَرّم الرجل إن تزوّج بثانيةٍ أو ثالثةٍ أو رابعة، وليس هناك ما يخشاه إن هو تزوّج بعقدٍ عُرفي، فهو قادرٌ على تمزيقه في اليوم التالي؛ بينما المرأة التي قد يتسبّب لها الزواج بالحمل ستكون أمام مأساةٍ حقيقية تزيد في طين اللجوء بلّة”.

وأضافت كيالي: ”للأسف لقد تآمر المُشَرّعون على المرأة حين تغافلوا عن حماية سنّها والتشديد على عدم زواجها دون الثامنة عشرة. وتغافل الشرع عن معاقبة الرجل الذي يتخلّى عن زوجةٍ بزواجٍ عُرفي، وتآمر كذلك حين أسقط حُكم المُغتَصِب؛ وجعل زواجه من الضحية سبيلاً لنجاته”.

نستعرض في هذا المقال حالاتٍ معيّنة من الزواج في تركيا، تركت مرارة الإحساس بحجم الظلم الذي وقع على المرأة السورية، ولا يزال تحت مرأى ومسمع المجتمع، وبرعاية بقايا علماء دينٍ سخّروا الفقه لخدمة ذكور القبيلة ومتعتهم.

“تزوّجت بعقدٍ لمدّة 6 أشهر” هذا ماقالته امرأةٌ سورية تقطن في مدينة الريحانية جنوب تركيا، مبررةً زواجها المؤقّت بسوء وضعها المادي. أم محمد 48 عاماً اضطرت للزواج بعقدٍ مؤقتٍ لأنها أرملةٌ وحيدة وليس لديها معيل ولا تملك مهنةً تقيها شرّ الحاجة حسب قولها.

أما حنان، أرملةٌ شابة جميلة لايتجاوز عمرها الـ 24 عاماً، تزوّجت من رجلٍ تركي يكبرها 20 عاماً، فتقول: “تزوجت عن طريق امرأةٍ تدعى أم أمجد، وهي بدورها أقنعتني أن أقبل بهذا العريس الذي وصفته بأحسن الصفات، وعندما سألتها هل سيتم تثبيت زواجي في المحكمة؟ قالت لي أنّه سيكون زواج شيخٍ؛ مؤقّتاً، في حال اتفقتما نثبّته أو تفترقان كأنّ شيئاً لم يكن!”.

أكملت حنان “كنت أشعر أنّ هذا الزواج لعبة، ولكنّ الغريق يتعلّق بقشة، لعلّه يعجب بي حقاً ويبقيني زوجته..”

أم أمجد، امرأةٌ من الشمال السوري لديها محل بيع ألبسةٍ في أحد أحياء مدينة أنطاكيا التركية، وهي تعيش بهذه المدينة منذ أكثر من 5 سنوات، ولديها معارف أتراك كُثر، وقد زوّجت العديد منهم من فتياتٍ سوريات.

وبعد ترتيب لقاءٍ بها؛ بحجّة عروسٍ ترغب بزوجٍ تركي، كان كلامها مطابقاً للكلام الذي قالته حنان؛ أنّ الزواج يكون في البداية “عُرفي وفي حال اتفقا يتمّ تثبيته”، ولكنها أضافت أنّ العريس لايرغب بفترة خطبةٍ ولا يذهب لأهل الفتاة لخُطبتها بل تكون المعرفة بينه وبين الفتاة فقط.

حالاتٌ وقصصٌ كثيرة سمعت عنها والتقيت بها، وتهاونٌ مجتمعي بموضوع الزواج والطلاق، فهنا شيخٌ يحاول تبييض صفحته ويبحث عن أرملةٍ ليتزوّجها بحجّة “السترة وإعالتها مع أطفالها”، وتاجرٌ يقدّم بعض المال بحجّة المساعدة ليتقرب من الفتاة ويتزوّجها، وشابٌ يبحث عن متعةٍ مؤقّتةٍ؛ فيتزوّج لأيامٍ.. ومن ثم يُطَلّق بحجّة عدم التوافق.

منى امرأةٌ مثقّفة مطلّقة ولديها ولدان، تزوجها شابٌ أصغر منها بخمس سنواتٍ. وبعد أسبوعين طلّقها لأنّ زوجته الأولى اكتشفت زواجه، علماً أن الزوجة الثانية لا تعلم بوجودها.

يؤكّد الصحفي مصطفى العلي أنّه يتمّ استغلال النساء الأرامل والمُطلّقات في المخيّمات والدُّور المُخصّصة لهنّ، حيث يتمّ تزويجهنّ، وفي بعض الأحيان دون أخذ موافقتهنّ، وغالباً ما تكون هذه الدُّور تحت مسؤولية جهاتٍ دينية ودعوية.

ويضيف الصحفي أنّ الزواج بعقدٍ شرعيّ نظامي، ولكن يتمّ الطلاق بعد فترةٍ حسب رغبة الزوج.

والعشرات من النساء في هذه المخيمات جرى عقد قرانهنّ على أزواجٍ لفتراتٍ قصيرةٍ جداً، ما أثار الشكوك حول هذا الدور لدى الناشطين والأهالي. ففي الريحانية تقول أم ناجي: “كنت أعيش في دارٍ للأيتام ولكن تركتها؛ لأنني لم أستطع تحمّل ما كنت أراه من تساهلٍ في موضوع الزواج، لقد تمّ استغلال الكثير من النساء من أجل نزوات الرجال المؤقّتة”.

خرجت أم ناجي مع بناتها وزوجة ابنها الشهيد، وهنّ الآن يعملن في أحد المعامل لكي يحفظن أنفسهنّ من الاستغلال والحاجة.

وفي أحد مخيمات اللاجئيين جنوب تركيا؛ يقول أبو محمد، وهو أبٌ لثلاث فتيات، سمعنا قصصاً ورأيناها بأنفسنا عن عصاباتٍ من بعض الأشخاص المسؤوليين في تلك المخيّمات على علاقةٍ برجالٍ من جنسياتٍ أُخرى يقومون بتزويج الفتيات رغماً عن أهاليهنّ ومعظم الفتيات يرجِعن بعد فترةٍ قصيرة مطلّقات.

كما أكّد الشيخ أحمد الرشيد وجود رجالٍ يتزوّجون بنيّة الطلاق، ولكن لايمكن للشيخ أو “المأزون” معرفة نيّته؛ لذلك ينفي أن يكون للمأزون أو القائمين على هذه الدُور أيّ مسؤولية.

أما عن الرأي الشرعي بالزواج بنيّة الطلاق “المؤقّت”؛ يقول الشيخ الرشيد: ”هذا النوع من الزواج أي (زواج المتعة) باطلٌ بإجماع أهل السُنّة والجماعة؛ لأنه منسوخٌ بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من النهي عنه، والعلاقة بين الطرفين تعتبر (حرام) شرعاً.”

أما بالنسبة لرأي القانون، تقول المحامية عفاف الرشيد: “إن معظم هذه الزيجات تكون بعقدٍ عُرفي (كتاب الشيخ)، ولا يتمّ تثبيتها في الدوائر الخاصّة بالزواج، وفي معظم الدول يُجَرّم القانون الزواج بعقد الشيخ فقط، ولايعترف به في بعض الأحيان.”

وأضافت المحامية “أنّ العقد المُبرم بين الطرفين من الناحية الشرعية مستوفٍ الشروط، ولايوجد بندٌ يتحدّث عن الفسخ بعد مدّة أو تبييت نيّة الطلاق”.

وأشارت المحامية الرشيد إلى أنّ “حالات (الزواج بنيّة الطلاق) موجودةٌ للأسف؛ ولكن الحلّ الأنسب هو توعية الأهالي والفتيات لأهمية تثبيت عقد الزواج بطريقةٍ قانونية، وعلى الأهل ألّا يُزَوّجِوا بناتهم لأزواجٍ لايعرفون عنهم شيئاً.”

الزواج العُرفي للاجئات سوريات في تركيا

الزواج العُرفي للاجئات سوريات في تركيا

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015