الجدل حول حقوق المرأة.. بين النشطاء وعموم الناس!
الجدل حول حقوق المرأة

طارق أحمد مصطفى\ wcm-edu- يتسائل بعض الناس بشيء من التوجّس عن سر الاهتمام المتزايد بقضية العنف ضدّ المرأة على مستوى المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، برغم ما يشير إليه الواقع من ارتفاع كبير في مستويات تعليم النساء وتزايد واضح في حجم مشاركة المرأة في الحياة العامة والمناصب القيادية على مستوى العالم، وتراجع كبير فى المقابل في مظاهر العنف ضدّ النساء، والقدر الملحوظ من الأمان الذي تعيشه المرأة أثناء تحرّكها عبر طرقات المدن ووسائل مواصلاتها مقارنة بالسابق، وكذلك الفرص المتاحة للنساء عموماً في مجالات العمل والاستثمار والتعليم والمشاركة السياسية، مع قبول واسع في المجتمع على مستوى المؤسسات وعلى مستوى الأسر لإتاحة هذه الفرص للنساء واستقبال الأمر بمنتهى الترحاب والأريحية، ورغم ذلك لازالت الدعوات الزاعقة تتحدّث عن الاضطهاد والعنف المتواصل ضدّ النساء، فعن أيّ عنف واضهاد يتحدّثون!

إلا أن هذا المنطق السابق يعدّ منطقاً مستفزّاً للكثير من أنصار حقوق النساء وحقوق الإنسان بصفة عامة، فكأنه يعتبر أن هذه الفرص المتاحة للمرأة هي مجرد “منحة”، على المرأة أن تشكر عليها من تنازلوا وتطوّعوا بها وتقبّل واقعها على اعتبار أنه “ليس في الإمكان أبدع مما كان”، بينما المنطق الحقوقي يرى أن الحقوق سواء كانت للمرأة أو لأي إنسان لا مساومة ولا فضل فيه لأحد، والمقارنة الحقيقية لا يجب أن تكون بما كانت عليه المرأة وبما صارت إليه، ولكن بما هي عليه وبما ينبغي أن تكون عليه، وكذلك بما يتاح لها وبما يتاح للذكور في المقابل.

كما أن المقارنة يجب أن تُعقد بين حجم النمو الاقتصادي والتقدّم العلمي والحضاري الذي عاشته الإنسانية في الأزمنة التي تعالت فيها الأصوات المطالبة بحقوق النساء في التعليم والعمل والمشاركة، في مقابل حجم ذلك النمو في أزمنة وأد النساء وتهميشهن وإزاحتهن عن الحياة العامة والتعامل معهن كممتلكات للرجال، فالمقارنة هنا ستشير بوضوح لمدى الارتباط الواضح بين المتغيرين.

وفي حين يرى أنصار ونشطاء حقوق المرأة أن هذه النظرة المجتمعية التي تستكثر علي المرأة هذا الاهتمام العالمي هي من قبيل التهاون والتفريط، فإن قدراً ليس بالقليل من عموم الناس وخصوصهم في مجتمعاتنا يرون المبالغة في التحدّث عن العنف ضدّ المرأة وإظهاره ككارثة عالمية مستمرة ومتزايدة هو من قبيل التطرّف والإفراط، لأنه أولاً: يستغل حوادث فردية قد تحدث في أي مكان وزمان ليوجه لوماً وتأنيباً للمجتمعات لتفريطها في حماية حقوق النساء بل واتهامها أحياناً بالتواطؤ ضدّها وهو أمر مشين لأي مجتمع ومهين لثقافته وتقاليده بشكل غير مقبول، وثانياً: لأنها تُصنّف أشكال العنف العامة التي يتعرّض لها الكثير من أفراد المجتمع رجاله ونساءه وكأنه عنف موجّه خصيصاً ضدّ النساء وهو أمر غير حقيقي في نظر أصحاب هذا الرأي، فالعنف عنف، يتعرّض له الجميع لأسباب بعضها أمنية وبعضها اقتصادية وبعضها سياسية اجتماعية وبعضها ثقافية دينية، فلنواجه العنف إذاً بجميع أشكاله دون تسليط للضوء بشكل مكثّف لجانب المرأة تحديداً، وثالثاً: أن هذا الحديث المطلق عن العنف الموجّه ضدّ النساء لن يؤدّي إلا للمزيد من استشعار النساء في العالم للاضطهاد والمظلومية وتكريس للعداء بين المرأة ومحيطها الاجتماعي وهو أمر غير جيد في المجمل للصحة النفسية للمرأة ولقدرتها على التكيّف وكذلك لسلامة البناء الاجتماعي وتماسكه.

وينظر نشطاء وأنصار حقوق النساء لهذه المقولات باستغراب وخاصة عند مقارنتها بحجم مالديهم من بيانات وإحصائيات ووقائع تخص العنف ضدّ النساء فى جميع أنحاء العالم، وخاصةً في المجتمعات الأكثر فقراً والأقل في معدَّلات التنمية، وهم يرون أن الحساسية والنظرة السلبية لأطروحات حقوق المرأة ومكافحة العنف ضدّها ما هي إلا مظهر من مظاهر ازدارء المرأة بوجه عام، أو بتعبير آخر النظر لها ككائن غير مكتمل وأقل في المرتبة من الرجل، وغير مؤهّل للقيام على مصالحه بنفسه ويحتاج دائماً للحماية والكفالة والوصاية، وهي نظرة تعتبر أن النساء عند مطالبتهنّ بحقوقهنّ إنما يزاحمن الرجال فيما هو حقٌّ أصيل لهم، وتمنح تبريراً للأشكال المختلفة التي تعانيها النساء من العنف اللفظي والجسدي والنفسي الذي يمارسه الذكور على الإناث غالباً من أجل إرهابهنّ وإثنائهنّ عن هذه المزاحمة خاصةً في المجتمعات التي تضيق بها الفرص أمام الجميع، وينطوي – من ثَم – على رغبة مستترة في تكريس أنماط ثقافية وسياسية منحازة ضدّ النساء.

وإذا كان هذا الجدل يدور على مستويات متعدّدة ويتراوح بين البساطة والحدّة، ولكنه يزداد اشتعالاً عندما يدخل الدين على خط النقاش، حيث يروّج البعض لخطاب ديني يركّز على التمايز في الطبيعة والحقوق والمسئوليات بين المرأة والرجل ويبرز تفسيرات للنصوص الدينية تؤكّد هذا الفهم ويستعين بالكثير من الدراسات النفسية والبيولوجية التي تؤكّد هذا التمايز، ويُصاحب ذلك خطاب دعوي يحضّ المرأة على احترام ما اختاره القدر لها من أدوار، ويحثّها على القيام بما تستلزمه هذه الأدوار من سلوك اجتماعي.

في حين يثير هذا الخطاب الديني حفيظة الكثير من نشطاء وأنصار حقوق المرأة، فيبادرون لمهاجمته باعتباره أحد مظاهر الثقافة الموروثة المعادية للمرأة، ويقدّمون نظرية النوع الاجتماعي (الجندر) كبديل فكري وثقافي يجب الترويج له، وهي النظرية التي تقول بأن الفوارق البيولوجية ليست هي المحدّد الرئيسي لما يجب أن يقوم به كل نوع من أدوار اجتماعية، ومن ثَم لا ينبغي أن تظلّ هذه الفوارق عائقاً أمام ما تريد المرأة أن تتخذه من أدوار، بل علينا تحفيزها على اقتحام المجالات التي تضمن لها التحرّر من السلطة الذكورية المتوارثة والسيطرة على مقدراتها.

وفي قضية مثل حقوق المرأة وحمايتها من العنف وغيرها من القضايا الأخلاقية التي لا ينبغي أن يختلف حولها الضمير الإنساني، يتجنّب الباحث والمفكر الموضوعي المؤمن بقضيته نقاط الخلاف والتباين، ويبحث دائماً عن نقاط الاتفاق والالتقاء، ويسعى لتوسيع أفق الفهم والتقبل للأفكار والمداخل المختلفة، ويعمل على بناء أسس وأرضيات مشتركة للتعاون، متجنّباً ما يثير الحفيظة الدينية أو العصبية الثقافية أو تباينات المصالح، ويركّز جهده على زيادة وعي الفئة المستهدفة بحقوقها وإكسابها المعارف والمهارات التي ترفع بها قدراتها وتكسبها الثقة عند ممارسة هذه الحقوق والمطالبة بها، بهدف تمكين هذه الفئة من حقوقها، مع الاهتمام بتوعية أفراد المجتمع وإيقاظ ضمائرهم، انطلاقاً من قيم هذا المجتمع الذاتية، وبما يحترم بناءه الاجتماعي وتكوينه الثقافي.

ويبقى فى النهاية أن نؤكّد أن تنمية النساء وفق المدخل الحقوقي تسعى فى الأساس لتحريرهنّ وتمكينهنّ ومنحهنّ خيارات متعدّدة ومتنوّعة، حتى يمتلكن مقدراتهنّ ويعود الأمر لهنّ في اختيار نمط الحياة الأنسب لهنّ لا المجبورات عليه، بغض النظر عن تحيّزات النشطاء وتعنتات المحافظين.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

الجدل حول حقوق المرأة
الجدل حول حقوق المرأة

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015