الحب رغم المعتقل
"Hayv Kahraman, "Dual

feministconsciousnessrevolution- إن كل حب يولد في صدر امرأة معتقلة منزليًا يأتي بنهايته معه، مهما بدى هذا الحب فتيًا، عارمًا ومشتعلًا.

قصص حب النساء المعتقلات في عصرنا هذا تتشابه في تفاصيلها وظروفها ونهايتها إلى حد التطابق، لكون النساء يعشن تحت أنظمة واحدة تحكم مصائرهن وتصيّرهن قسرًا إلى علاقات تقليدية تعاقدية، تحافظ على بقاء النظام الإجتماعي الأسري الأبوي قائمًا لا تهتز أساساته ولا تُخدش.

‏لكن بالرغم من الحصار المعرفي وشيطنة أجساد النساء، وتصدر الخطاب الأبوي الذي يقول بالهرمية حتى داخل العلاقة الزوجية الجنسية، انتصرت طبيعة النسوة على القيود والتغييب، وتعرفن على علاقات عاطفية وجنسية صحية متكافئة، والأهم أن بدايتها كانت بخيارهنّ وإن كانت النهاية -في أحيان كثيرة- عكس ذلك؛ أروي واقع غالبية المعتقلات منزليًا، عن قصصنا العاطفية والجنسية التي لم تبدأ يومًا لتنتهي لكنها عبارة عن مشاعر وأفكار عشناها وتعلقنا بها كوننا نشعر عبرها بإنسانيتنا وشيء من الرفاه الإجتماعي المحرومات منه.

‏كمعتقلات صارت مواقع التواصل الإجتماعي نافذتنا للعالم الخارجي، أصبحت وسيلتنا لفهم وتفكيك المنظومة الإجتماعية والسياسية التي نعيش تحت وطئتها، ولللتضامن ضدها؛ بالإضافة لذلك عرفتنا على شكل آخر للحياة والأسرة وأيضًا للأسطورة المحرمة التي تهامسنا حولها في المطابخ والغرف: عرفتنا على الحب.

نسمع كثيرًا وندرك استحالة المقاربة بين العلاقات العاطفية الجنسية الواقعية والعلاقات الإلكترونية، الحب الإلكتروني يشبه الفقاعة الكبيرة بألوان الطيف الجميلة المتذبذبة على سطحها، يشبهها في نقائها وهشاشتها، فمهما كان الحب عاليًا، عن بعد ومحاصرًا بالخوف: يبقى مهددًا بالخسارة؛ نشهد حقيقته عبر الشعور به، لكن يكفي أن نغلق هواتفنا الذكية أو أن لا يصبح من نحب -اونلاين- حتى نشعر بالوحدة وحجم وهمية العلاقة.

الأقسى من وهمية العلاقة وانحسارها في هذه الأجهزة الصلبة، جنود الكره المخلصين الذين يتشوقون لإرداء هذا الحب، واجتثاث فرديتنا وقدرتنا على اختيار الشريك/ة، خوفًا منهم نمارس علاقتنا الإلكترونية بالسر، ونكبت سيرة الحب والحبيب، ممَ يجعلنا في ضغط نفسي كبير، كمن أتى بجريمة: لا نستطيع مشاركة أسرنا وجود هذه العلاقة بالرغم من أهميتها وتأثيرها البالغين علينا، أسرنا التي تلازمنا لسنوات، ونكاد لا نفارق وجوههم ولو لأسبوع واحد، وفي كل يومٍ تأتي ألسنتنا على ألسنتهم ونجري معهم عشرات الحوارات الروتينية؛ لا نستطيع أن نفصح لهم ببساطة عن وجود شخص يحنّ علينا حنين الأم ويتقبلنا ويهدينا حبًا غير مشروط بشروط تعجيزية وغير إنسانية، لأن الإفصاح عن ذلك سيكون ثمنه العنف والموت.

قبلات إلكترونية

‏سعدنا بالقبلة الصوتية الأولى وانكمشنا خجلًا، احترقنا واشتعلنا بتنهيدات الحبيب/ة الحارة وثارت في جوفنا شهوات للقبل والأحضان وللأحاديث الناعمة بأصوات تعِبَه بعد الجنس، اختبأنا لنداري أحبتنا لمَّا تعبوا في منتصف نهار، بينما كان الأب يصول ويجول في المنزل ليقتل عزلة كل فرد فيه ويعيدهم لمجال ظله ومساحته السامة، وحينما ذهبنا لمناسبة اجتماعية بكامل تأنقنا، وضحكنا ورقصنا كان الحبيب البعيد وحده من يعلم كمّ الفراغ والألم القابعين داخلنا، ويعلم عن رغبة الإنتحار المتأججة وأزمتنا الوجودية. كم هي سريالية حياة المعتقل، أشخاص لم نلمس أجسادهم يومًا ولم نجري معهم ايّ حوار مباشر حيّ، يأسرون أرواحنا، بينما نعيش سجينات لأشخاص نرجسيين نمقتهم ويمقتوننا، يحوّرون حياتنا الإجتماعية -غصبًا وقهرًا- حولهم.

واقع موازي

‏نفكر بشكل مرضي في الفوارق بين حياتنا وحياة من نحب، كثرة الأحداث في أيامهم، حريتهم، القبول الإجتماعي الذي يتمتعون به، قدرتهم حتى على التشافي في حال الإنفصال عنا، لا نستطيع أبدًا أن لا ننظر للفوارق بيننا خصوصًا لو كنا في علاقة مغايرة، نتسائل: هل هم يفهمون حقًا ما معنى أن نكون نساء في هذه البقعة؟ هل يشاركون في أيّ شكل من أشكال الدعم أو التلميع لهذه المنظومة؟ هل يستطيعون التمييز بين حقوقهم الطبيعية وتلك الإمتيازات الإضافية التي أعطيت لهم لمجرد كونهم ذكورًا؟.

كان حبيبي يسألني لأشهر في نهاية كل اليوم عن النشاطات التي قمت بها فأجيبه في كل مرة بأني مازلت في المنزل وكل ما فعلته هو الطبخ والتنظيف ومن ثم الإستلقاء للراحة والتحديق في السقف. بينما أخبرني في المقابل بأنه سافر ورأى أصدقائه بضعة مرات، وحصل على وظيفة جديدة ويضع خطة للسفر مستقبلًا. نستمع لقصصهم وتجاربهم فترسخ في أذهاننا فورًا، لأنها قصص عن الحياة والحرية وليست مجرد قصص شخصية، نعطيها قيمة إضافية لكونها قصة وجود يمارس وجوده بأريحية ويمتلك حق الحب وفعل الصواب والخطأ، بينما تُفخخ حياتنا نحن بالممنوعات والمحرمات ونعيش في عالم ليس لنا؛ الحياة ومن نحب في ضفة ونحن في ضفة أخرى؛ وكل السبل المؤدية إليهم مقطوعة، إلا لو قمنا بعمل إعجازي وبنينا جسرًا للإتصال بهم.

العروس الباكية

‏وجود مرّ، جسد امرأة يُقيد في فراش أكثر رجل تبغضه وتخافه، ومن ثم لعقودٍ بعدها مع كل رمشةِ جفن وثانية من الصحو، ومع كل نفَسٍ يجول في رئتيها، ستتذكر زفتها كتشييع لروحها وأحلامها؛ الجميع يضحك ويصفق ويرقص، لكنه في حقيقتهِ صراخٌ لا ينقطع، والرقصات كلها كانت على رأس القبر، والفستان ليس أبيضًا بأي شكل، بل أسود قاتم، سواد الليل وسواد قلوب أهلها الذين ساقوها لحتفها.

زفّوكِ غصبًا لرجل لم يسمع حتى صوتكِ يبتسم لكِ ويمسك بيدكِ بثقة كما لو كان يعرف تاريخكِ: من أنتِ ماذا تحبين وبمَ تحلمين، تترائى لكِ صور محبوبكِ الذي لم تحتضنيه إلى صدركِ يومًا، كل هذا المجتمع المعجب بإطلالتكِ الليلة وقف بينكِ وبينه، يبتسمون الآن.. لكنهم كانوا سيرونك عارًا لو ارتبطتِ برجلٍ يرفضهُ أباك وأشقائك لأنه لا يحمل دم القبيلة وعصبيتها الهوجاء.

بعدما تمضين سنوات مع هذا الزوج الميسوجيني وتشعرين بأنكِ تخطيتِ الأمر، ينبثق سؤال يحيركِ ويعذبكِ: هل كان التجاوز خياركِ أصلًا؟ هل تجاوزتِ أم أنكِ مازلتِ عاشقة لحبيبك لكنكِ تهربين راكضة -من لحظة الإنفصال وحتى الآن من ذاتك وذكرياتك؟.

تصلين أخيرًا إلى خلاصة مفادها: نعم..سلبوا عمري وجسدي مني لكنهم قطعًا لن يستطيعوا محو ذكرياتي عن الحب والكرامة.

“Hayv Kahraman, “Dual

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015