الحجر الصحي يزيد معدّلات الطلاق في سوريا
Daniel Marsula/Post-Gazette

سحر حويجة/ swnsyria- مع بداية انتشار فيروس كورونا وانتقاله إلى مختلف أرجاء العالم، كان لسان حال المواطن في سوريا يقول: “الله يجيرنا”. وبعد أن وصلت العدوى  إلى سوريا، وبشكل عفوي وأسرع من النار في الهشيم، انتشرت بين الناس جملة: “هاد يلي كان ناقصنا”، فالوضع لم يعد يحتمل مصائب جديدة، ولم تعد أجساد السوريين تحتمل ولا قلوبهم تتسع لأخبار الموت والحرمان والجوع والحصار. وعمّ الخوف من كارثة انتشار الوباء وعواقبه الوخيمة، بسبب حالات التزاحم والاكتظاظ وخاصةً في السجون و المخيّمات وأمام الأفران والمؤسسات وحافلات النقل.

بدأت التحذيرات عن كوارث إنسانية ستحلّ بالسوريين، إلى أن تمّ إعلان الحجر الصحي، مع أنّه كان جزئياً، إلا أنّ المخاوف كانت كثيرة ومحقّة، بسبب انقطاع دخل ومصدر رزق العاملين المحدود بالقطاع الخاص. وكانت مصيبة توقّف عشرات الآلاف من السائقين عن العمل، و تمّ حظر التنقّل بين المدينة والريف، حيث أغلبية سكان الريف يعملون في المدينة، وعليه مع الحجر الصحي، توقّفت الحياة في سوريا.

وهكذا أُغلِقت الأبواب على المشاكل الكبيرة والعديدة التي يعاني منها المواطن السوري، أهمها غلاء الأسعار الفاحش وانعدام القدرة الشرائية للمواطن، والبطالة، ليأتي الحجر وتزداد الأمور سوءاً، ولتواجه كل عائلة بمفردها هذه المشاكل التي لا طاقة لهم بها، بل ستتحوّل إلى قنابل تهدّد ما تبقى من روابط انسانية وعائلية تجمعهم.

مع الحجر الصحي خسر السوريون، الشوارع والحدائق كملاذ ومتنفّس وحيد لأطفال سوريا هرباً من منازل غير صحيّة ومكتظة، بل كانت الحدائق والشوارع مكان إقامة دائمة لآلاف المشرّدين والمتسوّلين أغلبهم نساء وأطفال، أي مصير كان ينتظر هؤلاء مع الحجر بالمنازل.

العائلة في الحجر

كان للحجر الصحي، الإغلاق على العائلة، أثار جانبية عديدة على العلاقات العائلية، فقد تحوّل البيت في الحجر الصحي إلى سجن عائلي. وكلما طالت مدّة الحجر، زاد الضغط والتوتر. هذا السجن قد يتألّف من غرفة واحدة أو غرفتين في أحسن الحالات، وهي حالة أغلب العائلات التي لجأت للاستئجار بعد أن نَزَحت من بيوتها قسراً. عدد أفراد الأسرة في هذه البيوت، في المتوسّط خمسة أشخاص وأكثر، هل يمكن تصوّر كيف سيقضون أوقاتهم؟

لا مجال لممارسة أيّ طرف حريّته، ولا ممارسة هواياته الخاصة، بل ستطفو على السطح علاقات هرمية تقوم على التمييز على أساس الجنس أوقات النوم والطعام ومشاهدة التلفاز.. تُفرَض على الجميع، وفق خيارات الأب على الأغلب.

وفي حال وجود عدد من الأطفال الصغار، خاصةً من تقل أعمارهم عن السبع سنوات، لا يستوعبون بسهولة سبب منعهم من الخروج من البيت؛ ردّة فعلهم الطبيعية الصراخ والشكوى والبكاء، وسيفرضون حالةً من التوتّر الدائم.

أما في حالة العائلات التي تتكوّن من عدد من الشباب ذكوراً وإناثاً، سوف تجد الفتاة نفسها أمام طلبات الأخ لخدمته، ومشاحنات يومية بسبب الخلاف على توزيع أماكن الجلوس و النوم، وعلى مساعدة الأم في الأعمال المنزلية.

ونتيجة تقسيم العمل بين المرأة والرجل في البيت سيكون من واجب الأم، ومن مسؤوليتها تهدئة الأجواء، وتكون متّهمة بالتقصير على أنها لم تقم بمهمة تربية أولادها كما يجب.

و سيكون الوضع أكثر سوءاً في حالة الأسر الممتدة، وهي ظاهرة عادت للانتشار بعد النزوح والتهجير، حيث تعيش مجموعة من الأسر، من عائلة واحدة في بيت واحد. ونتيجةً لهذا الوضع؛ كثرت الخلافات العائلية والشجار، سواء بين أولاد الأخوة أو بين الإخوة وبين زوجاتهم، بين النساء وبين الأم الكبيرة أو الأب. وقد تصل المشاجرات لدرجة خلافات عميقة وخصومات، وقد تصل الأمور بين الأزواج  الى الطلاق.

العنف ضد المرأة

ستنتشر ظاهرة العنف ضدّ المرأة في هذه الظروف، العنف بجميع أشكاله النفسي واللفظي والجسدي، حيث يُرتكب العنف في إطار الأسرة نتيجة العلاقات غير المتكافئة بين الرجل والمرأة، التي تؤدّي إلى هيمنة الرجل على المرأة.

إن الصراع من أجل البقاء في ظروف الحرب وفي ظروف الجوائح، والأسباب الاقتصادية، والتي لها دور كبير في انتشار العنف ضدّ المرأة، تشمل نسبة أكثر من 40% من حالات العنف ضدّ المرأة على الصعيد العالمي. فالأزمة الاقتصادية والفقر، ومشكلة السكن وعدم توفر الخدمات، كلها أسباب تشجع على زيادة وتيرة العنف، بشكل يصعب السيطرة عليه، في إشارةٍ إلى تدهور وانحطاط الواقع، وتفكّك الروابط الإنسانية والعلاقات العائلية.

في الدول المتقدّمة؛ ترك الإغلاق على العائلات في مكان واحد لفترة طويلة من الزمن أثراً على العلاقات الزوجية، فقد صرّح مسؤول مكتب الزواج بمدينة دارهو في الصين، عن ارتفاع معدّلات الطلاق بشكلٍ مثير للانتباه، مقارنةً بما كان عليه الحال قبل انتشار وباء كورونا، وعن الأسباب قال: “بسبب التوتّر والنقاشات الحادّة فيما بين الأزواج”.

كما ذكرت دراسةٌ أُعِدَّت في بريطانيا، أنّ نسبة 42 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع، تركّزت الخلافات بين الأزواج حول توزيع الأعباء المرتبطة بإعداد وجبات الطعام. ونلاحظ في المثال السابق أن العلاقات الجندرية في الأسرة االتي تتمتّع فيها المرأة بوعي لحقوقها؛ تركّزت النقاشات والخلافات حول توزيع العمل بين المرأة والرجل وحول الدور الاجتماعي لكلا الجنسين.

غير أنّ الوضع في سوريا يختلف، حيث مازال تقسيم العمل بين المرأة والرجل والتمييز على أساس الجنس، يلعب دوراً هاماً في حياة الأسرة، على قاعدة أنّ القيام بالأعباء المنزلية وتربية الأطفال من شأن المرأة ولا علاقة للرجل بها. حتى لو كانت المرأة تعمل خارج المنزل، تبقى مهام العمل المنزلي وتربية الأطفال على عاتقها. وعلى المرأة تلبية طلبات الرجل في الطعام والراحة والهدوء وأعمال التنظيف. وأمام عجز الرجل في ظروف الحجر الصحي عن تأمين حاجات العائلة من الطعام، سوف تزداد المشاحنات والمشاكل التي تصل إلى الطلاق.

في سوريا وفقاً لتصريح مستشار وزير الأوقاف حسان عوض حول ارتفاع تقديري لحالات الطلاق، حيث قال أنه كان يبحث يومياً بحالة واحدة، فيما ورده في يوم واحد 5 حالات طلاق، تجري معالجتها عبر الهاتف.

تعرّض تصريح المستشار إلى النقد والتهكّم على أنه يُبالغ، خاصةً أنّ هناك حظر تجوال ووقف أعمال المحاكم، لذا من الصعوبة  قياس معدّلات ارتفاع حالات الطلاق، غير أنّ واقع حال الأسرة السورية في ظروف الحجر، يشير الى ارتفاع وتيرة العنف وتعدّد أشكاله في الأسرة أثناء فترة الحجر الصحي؛ بسبب نقص الموارد والفقر الشديد، وعدم القدرة على تأمين الحاجات الأساسية للعائلة، وضغط المكان وعدم توفّر منزل مريح ملائم لأسرة متوسطة الحجم، والخوف والتوتّر الشديد من الإصابة بالعدوى، التي تنعكس على كيفية التواصل والتقارب بين أفراد العائلة وخاصة الزوج والزوجة. كلّ ذلك سوف يخلق مشاكل وخلافات حادّة يوميّة قد تنتهي إلى الطلاق.

وعند نقاش حالات الطلاق في ظروف الحجر الصحي، وبسبب من الضغوط المتعددة التي ورد ذكرها، قد يحصل الطلاق عن طريق ثورة غضب وتوتّر عصبي شديد، أو حتى أنّ المرأة تطلب من زوجها تطليقها بعد تعرّضها لعنف لفظي وجسدي حاد.

والسؤال كيف سيتم معالجة هذه الحالات وفق القانون بعد أن تنتهي أزمة كورونا؟

سوف يسعى الزوج أو الزوجة إلى تثبيت الطلاق في المحاكم. ليس بسبب أن لا مجال للعودة عن قرار الطلاق، بل لأن الطلاق وفق القانون السوري الذي مصدره الشريعة، يعتبر الطلاق حقٌّ من حقوق الله، ومن النظام العام الذي يسمح للقاضي بدون ادعاء الحكم به، إذا وجد ما يثبت حصوله.

قانون تمييزي

نظّم قانون الأحوال الشخصية وفق المعيار الإسلامي التقليدي، المبني على سيطرة الرجل، قانوناً تمييزياً، حيث الطلاق حقٌّ من حقوق الزوج.

وفق المادة 87 من قانون الأحول الشخصية: يقع الطلاق باللفظ والكتابة ويقع من العاجز عنهما بإشارته المعلومة. للزوج أن يُوكل غيره بالطلاق كما له حقّ تفويض الزوجة بتطليق نفسها.

إذن الرجل له الكلمة الفصل في الطلاق وفي الرجعة بالإرادة المنفردة. والمرأة ما هي إلا موضوعاً للطلاق.

وقد أشار قانون الأحوال الشخصية في المادة 117 منه: إذا طلّق الرجل زوجته بالإرادة المنفردة دون سبب معقول ومن غير طلب منها، فإن الزوجة سيصيبها بذلك بؤس وفاقه فهي تستحق تعويضاً عن الطلاق التعسّفي. غير أن حقّها بالتعويض الذي يحدّده القاضي يسقط في حال كانت المرأة عاملة أو وجد من يستطيع الإنفاق عليها أب أو أخ.

في المقابل نصّت المادة 289 على أنّ طلاق السكران والمُكرَه والمجنون والمعتوه والمدهوش والمخطئ لا يقع. ففي حال رفعت الزوجة دعوى لتثبيت الطلاق وكانت ترغب به وتراجع الزوج واعترف أمام القاضي أنّه كان تحت تأثير إحدى الحالات المذكورة، لن يقع الطلاق.

وعلى العكس قد يُفرَض الطلاق على المرأة بالإرادة المنفردة، ويتوجّه الزوج لتثبيت الطلاق بالمحكمة، وهي لن تستطيع التمسّك بأنه كان في حالة غير مقبولة، حتى لو أثبتت ذلك. فيستطيع الرجل حَلف يمين الطلاق أمام القاضي. وفي هذه الحالة يضطر القاضي لتثبيت الطلاق دون نقاش بعد حَلف الزوج اليمين أمامه.

على الرغم من أنّ ظروف الحجر الصحي فرضت حالةً من الضغط والتوتّر كانت سبباً لكثيرٍ من المشاكل والمواقف الغريبة على الطبيعة الإنسانية، ولا تحصل بالظروف العادية، لكنها ستترك أثارها  المدمّرة على العلاقات العائلية.

Daniel Marsula/Post-Gazette

Daniel Marsula/Post-Gazette

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015