الحقوق والواجبات… الشيزوفرينيا والنرجسية تشعلان حروب المرأة في مصر
ثلث الأسر المصرية تتكفل بمصروفاتها نساء دون رجال (أ ف ب)

أمينة خيري/independentarabia- إن طرحت فكرة تتعلق بأدوار الجندر وضرورة مراجعة ما يتوقع المجتمع من المرأة من مهمات وكيان ومكانة، وتقييم ما يمنحه المجتمع للرجل من مزايا وحقوق ويطلبه منه من واجبات في “ميدان رمسيس” وسط القاهرة، سيلقى الطارح طريحة معتبرة من الشجب والتنديد وربما قليلاً من الضرب مع بعض التهديد والوعيد. لماذا؟ لأن أدوار الجندر المنصوص عليها في العادات والمحفورة في التقاليد أضيفت إليها ترسانة من التفسيرات الدينية وليدة سبعينيات القرن الماضي جعلت من الرجل “عنتر زمانه” ومن المرأة تابعاً “لعنتر زمانه”. وفي أقوال أخرى، أعادت “هبة التدين” في سبعينيات القرن الماضي الأمور الدينية إلى وضعها الصحيح، وأصلحت ما فعلته عقود من “العلمانية” في أدمغة المصريين حتى باتت المرأة تنافس الرجل في التعليم والعمل والمكانة، وهذا لا يصح، إذ لا يصح إلا الصحيح الذي هو “صحيح الدين” ولكن بمفاهيم السبعينيات.

الطريف أن ما سيجري في “ميدان رمسيس”، أحد أكبر ميادين القاهرة وأكثرها ازدحاماً والتقاء لملايين المصريين والمصريات من مشارق مصر ومغاربها حيث محطة القطارات الرئيسة ومواقف الحافلات المتوجهة لمختلف المحافظات ناهيك عن كونه منطقة عبور للقادمين من شرق القاهرة الكبرى لغربها ومن شمالها لجنوبها، من علقة جماعية ساخنة لمقترح فكرة مراجعة أدوار الجندر يقف على طرف نقيض مما تنضح به تفاصيل حياة عابري وعابرات الميدان.

معيلات رئيسات

جيش مصر الجرار المكون من 3.3 مليون امرأة يعلن أسرهن وحدهن، أي أن نحو ثلث الأسر المصرية تتكفل بمصروفاتها نساء دون رجال، هذا الجيش ممثل بشكل طاغ في “ميدان رمسيس” وغيره من الميادين والشوارع والأزقة المصرية. الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يشير إلى أنه بين 3.3 مليون أسرة التي “تترأسها” نساء نحو 70 في المئة منهن أرامل، ونحو 17 في المئة متزوجات لكن الزوج لا يعمل، ونحو سبعة في المئة مطلقات والطليق لا ينفق.

أغلب هؤلاء النساء، وغيرهن ملايين أخرى تعمل وتضخ رواتبها في الأسرة جنباً إلى جنب مع الزوج، ومعهن الغالبية المطلقة من الرجال تستنفر قرون استشعارهم، وتفتح مضخات أدرينالين الخطر على مصاريعها في أجسادهم ما إن يتحدث أحدهم عن ضرورة مراجعة أدوار الجندر في ضوء أرض الواقع وليس استناداً إلى عالم الخيالات والأوهام.

ملك الغابة بلا غابة

أوهام المساواة وخيالات الحقوق المحفوظة وأساطير التبجيل والتكريم وأضغاث أحلام “المرأة نصف المجتمع” وعبارات الاستهلاك الإعلامي ومقولات “البنت مثل الولد ليست كمالة عدد” المأثورة تكشف عن أوجهها في كل مرة يدق أبواب المجتمع “ترند” حقوقي أو تصريح عقلاني أو نتاج تنقيب في كتب التراث ينجم عنه ما يناقض الأهواء أو يهز عرش الرجل باعتباره ملك الغابة، حتى لو لم تعد هناك غابة تتفجر جدالاً وعراكاً وسجالاً بين المصريين هذه الأيام.

أيام قليلة مضت منذ خرجت الطبيبة التي تحولت إلى استشارية علاقات ومشكلات جنسية وزوجية هبة قطب في برنامج تلفزيوني لتقول إنه “لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها من دون مشاركة أو تبادل للأدوار”، وإنه “لا يوجد قانون أو قاعدة تنص على أن الطبخ حكر على النساء، وأن بعضاً من النساء تشترط على الرجل أن يطبخ مثلهن تماماً”.

وتماماً كما هو متوقع في مثل هذه الأحوال في زمن الترند و”شاهد قبل الحذف” وخلطة الدين بالدنيا، هرعت المواقع الخبرية ومنصات الـ”سوشيال ميديا” في الدق على أوتار “الشرع لم يلزم المرأة بالطهي”. وتماماً كما هو معروف في عصر الاستقطاب وتحزب الناس فريقين متضادين متصارعين، الأول يحمل لواء حماية الدين والدفاع عن المتدينين، والأخير يرفع راية تحكيم العقل وترجيح كفة المنطق خرج الجميع عن بكرة أبيهم يدقون طبول الحرب. الفريق الأول يؤكد أن الدين ألزم المرأة بالطبخ، والأخير يجزم أنه لم يفعل.

طبول الحرب

وبينما الطبول تقرع على أشدها، وتوجيه الاتهامات من الفريق الأول للأخير بالفسق وكراهية الدين، وينعت الأخير الأول بالهبل تارة والغرق في الظلام تارة، إذ بالمحامية الحقوقية نهاد أبو القمصان تطلق نفير الحرب الكبرى وتقول إن “الأم ليست ملزمة بإرضاع أولادها، وإن فعلت فمن حقها الحصول على أجر”، مشيرة إلى أن هذا ليس كلامها بل “كلام ربنا عز وجل” في سورتي البقرة والطلاق. واستشهدت أبو القمصان بالآيتين الكريمتين: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} [البقرة: 233]، وقال عز وجل: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6].

وأضافت أن هذا الحق لكل من الزوجة والمطلقة، بحسب الشافعية والحنابلة. وقالت إن كثيرين يرفضون الأخذ بهذا المعنى للآية. وقالت موجهة حديثها للرافضين “أدعوكم لقراءة القرآن، أم إنكم لا تعرفون من القرآن سوى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنىٰ وثلاث ورباع}”؟ [النساء: 3]. وأوضحت أن المقصود من كلامها ليس دعوة بأن تمتنع الأمهات عن إرضاع صغارهن، لكن الغاية هي لفت نظر من دأب على تهديد زوجته بأنه سيتزوج مثنى وثلاث ورباع أن يفي بالتزاماته ويسدد ما عليه أولاً قبل أن يجري ليتزوج مراراً وتكراراً.

بناء المتاريس وتشييد السدود

حدث ما توقعته أبو القمصان تماماً، فقد تركت الغالبية ما قالته، وانشغلت قوات الدفاع ببناء المتاريس وتشييد السدود والقلاع للذود عن الدين وحماية الأسرة من قوى الهدم والدفاع عن المجتمع “الملتزم” “القويم” “الحصيف” “المستقيم”، وذلك بحسب موقع كل منهم. الغالبية اكتفت بعنوان، “أبو القمصان تؤكد أن المرأة ليست ملزمة بإرضاع أبنائها”.

وعلى غرار “لا تقربوا الصلاة”، انبرت آلاف تنعتها تارة بالجهل، وأخرى بالشر، وثالثة بالرغبة في هدم الأسرة المصرية وتقوية شوكة المرأة المصرية الوديعة المستكينة، ورابعة بالمشاركة في مخطط لإفساد المرأة المسلمة وإلحاق الضرر بالرجل المسلم وهدم قواعد الأسرة المسلمة وتفكيك دعائم المجتمع المسلم، وما زالت النعوت تتوالى.

ولنبدأ بأجر الرضاعة

توالي النعوت لم يترك مجالاً لمطلقيها لإكمال ما قالته أبو القمصان بعد جزئية الرضاعة، إذ قالت “الزواج مبني على المودة والرحمة والشراكة والأمان والصبر، وعلى الناس أن يكونوا شركاء في مودة ورحمة وليس تهديداً وإرهاباً نفسياً وانعدام أمان”. وأضافت “حين نتكلم عن حقوق البنات والسيدات في الدستور والقانون، يقولون (فيمنست) وهذا للعلم فخر وليس عيباً، وحين نتكلم بالقرآن، يقولون نعم، لكن الظروف الحالية تغيرت. طيب ألم تتغير الظروف أيضاً لمثنى وثلاث ورباع؟ من يريد أن يثني ويثلث فليدفع ما عليه، ولنبدأ بأجر الرضاعة المنصوص عليه شرعاً، وأيضاً من الأئمة الشافعي وابن حنبل وأبو حنيفة. النساء يعرفن كيف يقرأن القرآن كذلك ويطلعن على ما لهن وما عليهن”.

ترند الرضاعة

آلاف المعلقين في شتى منصات التواصل الاجتماعي وكذلك المواقع الخبرية التي افتأت أغلبها على ترند “أجر الرضاعة”، صبوا سهاماً بالغة القسوة على أبو القمصان وكل من يرى منطقاً أو يستشعر تعقلاً أو يتفهم غاية من كلامها.

وتم دمج تصريحي قطب الخاص بعدم وجوب القيام بأعمال البيت والطبخ على الزوجة وحديث أبو القمصان عن أجر الرضاعة في “موجات هبد” واحدة.

الغالبية المطلقة اعتبرتها هادمة للدين وفي الوقت نفسه مفسدة للأسرة، وعكس كثير من التعليقات قيمة المرأة ومكانتها في العقل الجمعي “أمال أنا جايبها ليه؟! (إذن لماذا أتيت بها) الأرخص أجيب خادمة تطبخ وتنظف، على الأقل لن أكون مجبراً على علاجها أو تحمل قرفها ونكدها”. “بهذا المنطق ستطلب مني أن أنشر الغسيل وأحمي العيال وأكوي الهدوم. هزلت”. وآلاف غيرها من تعليقات الرجال المتضررين الذين عكس كلامهم مكانة الزوجة في حياتهم، وربما يكونون من أسر تعيلها نساء ينفقن على باقة الإنترنت التي تسمح له بالتعليق والتنظير.

والمثير أيضاً أن عدداً لا بأس به من النساء انبرى على الأثير يؤكدن أن “جزمة (حذاء) الزوج على رؤوسهن”، وأن “الزوجة التي لا تعتبر الطبخ والتنظيف والرضاعة مهمتها الأولى والأخيرة لا تستحق المال الذي ينفقه زوجها على إطعامها وكسائها”، وغيرها من التعليقات الملكية أكثر من ملك الغابة نفسه.

فريق عاقل

لكن يظل هناك فريق محتكم إلى العقل وإن كان قليل العدد محدود البأس مسلوب القوة، هذا الفريق هو من فهم الغاية من طرق باب أدوار الجندر المقلوبة رأساً على عقب فعلياً في المجتمع يرفع راية “لا مساس” نظرياً. ليس هذا فقط، بل يتم إلباسها عباءة دينية فتصبح “ممنوع الاقتراب. خطر التكفير”.

أدوار الجندر، أو أدوار النوع الاجتماعي تعني ما الذي يتوقع من الشخص أن يفعله ويرتديه ويقوله بحسب جنسه. التوقعات كثيرة، لكن البارز والخاضع للتغيير في بعض المجتمعات حالياً هو الصورة النمطية التي تطلب من الأنثى، وهي أن تكون مهذبة منخفضة الصوت لا تتحدث كثيراً ولا تعترض وتمتثل للأوامر، أما الذكر فعليه أن يكون قوياً وجريئاً وحبذا لو عدوانياً.

أدوار الجندر تختلف بحسب المجتمعات والأعراق والثقافات، لكنها في الوقت نفسه تتغير بمرور الوقت وتبدل الأوضاع والظروف. وبعض المجتمعات التي تميل إلى المحافظة بحكم العادات والتقاليد والثقافة تتشبث بالأدوار النمطية حتى وإن عفا على بعضها الزمان، كما أنها لا تمانع أبداً من تبديل الأدوار وتغييرها، شرط عدم الحديث عن التغيير علناً.

مكاشفة ثقافية

علانية الحديث عن حقوق المرأة في مصر تأتي في وقت تشهد فيه البلاد حالاً من المكاشفة الثقافية، هذه المكاشفة تتبدى ملامحها منذ أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وهي الأحداث التي رفعت النقاب عما يجري ويتداول في القاعدة العريضة الشعبية من أفكار ومعتقدات أغلبها في حال تماس مع موجة من التدين، ويسميه بعضهم “تشدداً” وينعته بعضهم الآخر بـ”التطرف” الذي هب على مصر في سبعينيات القرن الماضي.

هذه الهبة وآثارها تعبر عن نفسها بين الحين والآخر على مدار العقد الماضي، وهو التعبير الذي غالباً يتفجر من جنبات المجتمع من دون حساب أو عقاب كلما تعلق الأمر بالمرأة، هذا الخروج يعكس ما جرى في المجتمع المصري من تغيرات ثقافية ودينية على مدار ما يزيد على 50 عاماً.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

Female petrol station workers operate fuel pumps at a petrol station in the Egyptian capital, Cairo, on November 21, 2016. (Photo by MOHAMED EL-SHAHED / AFP)

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015