الخطاب النسوي والجندر
الخطاب النسوي والجندر

سلوى زكزك (خاص: تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية CSWDSY)- ثمة فرق كبير ما بين اللغة والخطاب، والفرق هنا ليس توصيفا وحسب بل إجرائيا، أي بالفعل الذي تقدمه اللغة لصياغة الخطاب أو لتوصيف وتحديد وصياغة القضايا لغويا، وأي وبمعنى آخر، يكمن الفرق الحقيقي في توظيف اللغة وضرورة إدماجها في النوع الاجتماعي لتنسجم مع الخطاب النسوي ولتلبي جوهر القضايا النسوية.

الخطاب النسوي في عمقه وحتى في شكله هو خطاب قضايا، وتحديدا قضايا النساء، أي أنه يتغذى على مضامين القضايا النسوية ويتمظهر على شكل خطاب حساس للجندر شكلا، (وهكذا يفترض به) كي يكون مؤكدا ومثبتا للبعد الهوياتي، أي أن التداخل هنا ليس هجينا وغير مفبرك، ويمكن وصفه رغم الاختلاف الظاهري بالمعنى المباشر للكلمات، بالاندماج العضوي، ما بين خطاب واضح الهدف ولغة ملائمة تدل على مضمون الهدف.

تكمن خطورة غياب الادماج الجندري للغة في صلب القضايا النسوية، ويمكن تفنيد المخاطر إلى ثلاثة أشكال وهي:

أولاً: تدفّق المعاني الثابتة والمكرّرة والمكرّسة واعتمادها كخطابٍ عام، كافٍ ووافٍ وغير قابل للتعديل.

ثانياً: غياب الصيغة النقدية للشكل والمضمون.

ثالثاً: الحيادية العائمة.

ولضمان عدم تثبيت خطابات نسوية تمييزية، لا يكفي النساء مراعاة الخطاب الحساس للجندر في القوانين وفي النصوص الرسمية أو محاضر الاجتماعات ونصوص الحملات المناصرة لقضايا النساء، بل تفرض الضرورة نفسها في بذل كل الجهود وكل المساعي لتعميم خطاب نسوي ، يومي، شفاهي، جماعي، وطني ، ينعكس حتى في الحوارات المباشرة والتبادلية  بين الأفراد والجماعات، رجالا ونساء، ينعكس في الفكاهات ،والأمثال والحواديت الشعبية، وفي النصوص والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي وفي الأدب والمسرح والفنون، حتى في أغاني الأطفال وترانيم الأمهات وأهازيج الأعراس والاحتفالات.

أرجو التريّث قليلاً قبل الحكم على كل ما تقدّم وكأنه تخيّلات ساذجة أو مبالغات تستحق عدم الوقوف عندها أو السخرية منها، لذلك من نافل القول ضرورة التعامل معها بكونها رؤية جدية ونقدية تصلح كقاعدة تهدف لبناء صيغة لغوية تعاقدية ضمن سياق عقد اجتماعي جديد ما بين الأفراد والمجتمعات على قاعدة المساواة.

هل يمكن إدراج اللغة التمييزية كأحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ونصطلح تسميته بالعنف اللغوي، أو عنف اللغة؟

هل يمكن إدراج هذا العنف كأحد مآزق الخطاب النسوي؟

أعتقد شبه جازمة أن العنف اللغوي هو تمييز عنيف ضد النساء بسبب نوعهن الاجتماعي، إذن هو أحد هياكل العنف المسكوت عنها وغير المشخصة كقضية تتطلب المناصرة والتدخل السريع لتغييرها كبينة تعبيرية وكأداة خطاب وتواصل والأهم كعقبة معيقة لتعميم خطاب المساواة.

هل تتصالح النساء مع لغة تمييزية تكرّس العنف اللغوي وتوصم قضايا النساء بالعنف؟ إن رفضن التصالح؛ فمعركة ادماج النوع الاجتماعي في قضايا النساء وفي الخطاب العام تحوّلت إلى ضرورة حكماً، وتتطلّب تحركاً سريعاً.

وإن تصالحت النساء مُدركات أو غير مُدركات لفداحة المشهد، رافضات أو متقبّلات بحكم منطق سردية لغوية أصولية وغيبية تعتدي على النساء ويُفلت المعتدي من العقاب ومن المساءلة (ومَن يُسائل مَن هنا؟)، فالواقع يُثبت بأن الجميع هنا مُعتدي! وَعَى ذلك أم لا، وهنا مكمن الخطورة؛ حيث قادت وتقود هذه المصالحة إلى تثبيت اللغة التمييزية وإلى أن يأخذ شكلها المعنّف سمة الاستقرار والإطلاق.

والأكثر واقعية وتماهياً مع العنف، هو ألاّ يشعر الجميع بأنه قد اقترف فعلاً تمييزياً بالمطلق، لأن العنف اللغوي تأسّس واستمر كفعل بديهي جداً.

اللغة حامل اجتماعي، لذلك غالباً ما يتم تبرير التمييز على أساس اللغة وكأنه من طبيعة الأشياء، فكلّ العلاقات المجتمعية هي فعلياً عبارة عن منطوقات لغوية تتناقل الظلم والعنف التمييز وتكرّسه لغوياً كخطاب عام غير قابل للنقد ولا للمراجعة ولا حتى للتأنيث.

إنها دعوة للنقاش، للاستزادة وللنقد أيضاً.

إدماج اللغة في النوع الاجتماعي قضية نسوية، فلنخض غمار التجربة ولننطلق.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

الخطاب النسوي والجندر

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015