الدراما السورية أبحرت في الأمومة.. فهل أعطت الأم حقها؟
الأم في الدراما السورية

وائل العدس/ جريدة الوطن السورية- يتجدد الحديث في شهر آذار من كل عام عن الأم في الدراما السورية وطريقة إظهارها ومعالجتها للقضايا الاجتماعية وأسلوب تربيتها مع أطفالها وشكلها العام الذي لم يخل منها عمل درامي واحد.

الدراما السورية أبحرت في الأمومة وخصصت أعمالاً كاملة تحاكي واقع الأمهات ومعاناتهن في عدة أعمال كمسلسل «أمهات»، وهو عمل اجتماعي تناولت كل حلقة من حلقاته حياة أم عظيمة قدمت من خلال عطاءاتها ونبلها دروساً حقيقية في التضحية والقيم.

ولم يكن مسلسل «أبناء وأمهات» بعيداً عن القضية، بل طرح عبر حلقاته الثلاثين قصصاً متنوعة عن علاقة الأبناء بأمهاتهم وما يرافق ذلك من مشاكل ومعاناة.

ولكن هل أعطت الدراما هذه الأم حقها؟ أم اعتبرتها شخصية جانبية بعيدة عن التأثير على الحبكة الدرامية؟ وهل مازال الاعتقاد الخاطئ ينصب نحو الأم على اعتبارها كائناً ضعيفاً تتغلب مشاعرها الفياضة على رجاحة عقلها.

يرى البعض أن صورة الأم في معظم الأعمال لم تتغير وغلب عليها التنميط ضمن أطر معينة، لأن الكتّاب اعتبروا أن الأم لا تتغير بين عمل وآخر إلا باللباس والمستوى الثقافي والمادي، ناسين أن صفات الأم تطورت شكلاً ومضموناً عبر الزمن، بمعنى أن الدراما عجزت عن مواكبة التطورات التي طرأت على الأم السورية والعربية.

وعلى النقيض تماماً، يقع بعض الكتّاب في الفخ عندما يحاولون إخراج الأم من عباءتها، فتتحول الأم في سطورهم من المرأة الطيبة إلى العدوانية التي تتآمر على من حولها وتحاول العزف على وتر التحريض على الجنس الآخر، كما تحاول الإيقاع بزوج ابنتها، والمثال شخصية «فريال» التي أدتها الفنانة وفاء موصللي في مسلسل «باب الحارة» والتي ساهمت في طلاق ابنتها لإشباع غريزتها في الثرثرة ودس الدسائس.

الأم الضعيفة

وسط الزحام الكبير من الأعمال الدرامية، تباينت صورة الأم بين عمل وآخر، فظهرت في مسلسلات البيئة الشامية وكأنها عبارة عن زوج مطيعة ومضطهدة وطباخة ماهرة ومربية جيدة، على حين يتوقف دورها خارج المنزل عند تنظيم الاستقبالات وحضور المناسبات الاجتماعية والذهاب إلى حمام السوق ونشر النميمة، لكنها في الوقت ذاته حماة قاسية وفضولية تتفنن بالتحكم بزوج ابنها.

أي أن الدراما السورية أظهرت الأم في العصر القديم وكأنها بلا حول ولا قوة، بل صورها بأنها بعيدة كل البعد عما يحصل من حولها من مشاكل لدرجة السذاجة، وأكثر ما يمكنها فعله هو قراءة بعض التعويذات لرد العين عن منزلها.

وتبدو شخصية «أم عصام» في مسلسل باب الحارة الاستثناء الوحيد، فقدمت الممثلة صباح الجزائري شخصية متوازنة بين القوة والحنان، بل متمردة على واقعها لدرجة أوصلها عصيانها لأوامر زوجها إلى الطلاق المتكرر.

وفي مسلسل «أيام الصالحية» يعيش الرجال في عالم من الشهامة والرجولة على حين تعيش النساء في عالم مختلف ينحصر في غرف النوم وإرضاء الزوج وتنظيم الاستقبالات.

وتغافلت أعمال البيئة الشامية الأمهات العظيمات المثقفات اللواتي كان لهن أدوار مهمة في السياسة والعلوم والطب والثقافة.. إلخ.

وبعيداً عن العصر القديم فقد أبرزت بعض الأعمال الدرامية ضعف الأمهات وانحصار أدوارهن على المطبخ كالشخصية التي أدتها الفنانة سمر سامي في مسلسل «أحلام كبيرة» الذي صور الأم المسكينة البسيطة التي لا تفقه بكل ما يدور حولها لدرجة أنها فقدت هدفها في الحياة، والسؤال لماذا؟ ألم يرَ الكاتب الأمهات الطبيبات والشاعرات والدبلوماسيات؟

أمومة فيّاضة

عند الحديث عن الأم لا بد لنا من ذكر الفنانة الكبيرة منى واصف التي برعت في تأدية أدوار الأم عبر سلسلة أعمال عالقة في الأذهان، بدءاً بـ«نهاية رجل شجاع» ومروراً بـ«بكرا أحلى» و«أمهات» وليس انتهاءً بمسلسلات «باب الحارة» و«حاجز الصمت» و«الولادة من الخاصرة» وغيرها الكثير.

تطلّ واصف في الدراما بأمومتها الفياضة المستمدة من أمومتها الحقيقية وبوجهها الطيب الحاني وعطائها المتدفق، لذلك ظهرت في الدراما السورية وكأنها الأم الأكثر دفئاً وصدقاً.

رسخت شخصية واصف في عقول الأجيال السابقة والحالية، وعبّرت عن مثال حي للأم القوية والصبورة والمثالية.

الأم العصرية

وعلى الجانب الآخر، لم تغفل بعض الأعمال الاجتماعية المعاصرة دور الأم الإيجابي في المجتمع، كالدور الذي قدمته الممثلة سلمى المصري في مسلسل «أشواك ناعمة»، حيث ظهرت بدور الأم الأنيقة والحريصة على الظهور المتجدد المواكب للعصر، كل ذلك لم يمنعها من لعب دور آخر يتمثل بالإرشاد النفسي لطالباتها وأبنائها، بل باتت متطورة أكثر لتكون الزوج المتكاملة وربة المنزل التي تحافظ على عائلتها بأسلوب راق ومتحضر، وقد ظهرت أيضاً كأم خفيفة الظل في مسلسل «عائلتي وأنا» مع الفنان دريد لحام.

الأم القوية

قدمت الفنانة نادين خوري في مسلسل «وراء الشمس» شخصية الأم المختلفة في كل زواياها والتي تعيش معاناة يومية مع ابنها المصاب بـ«متلازمة الداون»، وفي كيفية التعامل مع الواقع المؤلم والتأقلم معه، معبرة عن حنانها الذي يصل في بعض الأحيان إلى حد المبالغة، لكنها نجحت في بث الأمل في قلوب كل الأمهات اللواتي يربين أبناءهن من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولا تختلف شخصية «أم بدر» التي أدتها منى واصف كثيراً، فهي أم لابن مصاب بمرض التوحد، لكنها تتعامل معه بكل شفافية وعفوية مقدمة له حنان الأم الذي لا ينضب.

الفنانة ضحى الدبس كانت في مسلسل «الشمس تشرق من جديد» أماً لمراهق مصاب بالشلل، لكنها أظهرت صورة الأم القوية التي لا تنكسر رغم الظروف، ونجحت في زج ابنها في المجتمع من دون أن تشعره أنه ينقص عن غيره ولو بشعرة.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

 الأم في الدراما السورية

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015