السيدة ميشلين
الفلسطينية ميشلين عواد

ليالي درويش/ فلسطين آلترا- وقتها، لم تكن السيدة ميشلين تعلم أنها ستتحول إلى صورةٍ تعيش إلى الأبد، وأن الكثيرين سيحاولون شرح الدلالات السياسية لحذائها الأصفر في مواجهة بنادق جنود الاحتلال.

هنالك لذّةٌ ما في النظر إلى تلك الصورة، لذّةٌ تعادل قراءة كتاب جيد أو الاستماع إلى مقطوعة موسيقية جميلة، أو أن يفاجئك خبرٌ حقيقي بعد رزمة من الأخبار الكاذبة. صورة السيدة ميشيلين عواد وهي تلقي الحجارة على جنود الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى تمنح النفس الكثير من الراحة، وكأنها تعيد سرد الحكاية الأصلية من سطرها الأول، تُحلل العُقد التي تسبب بها الزمن للقضية، تبسطها وتعيدها نقية واضحة كما كانت في الأصل: الإنسان الفلسطيني يقاوم جيش الاحتلال الاسرائيلي.

الحرص على الظهور بمظهر ما، لم يكن يشغل بال السيدة عواد كما قالت في مقابلة مع قناة الـ بي بي سي في كانون الثاني/ ديسمبر من العالم الماضي، فحذاؤها الأصفر لم يكن سوى جزءاً من الأناقة التي يتطلبها التوجه إلى الكنيسة، وبعد الكنسية انضمت إلى الشباب في المواجهات ضد جنود الاحتلال، لقد خلعت حذاءها لتتمكّن من الركض بشكل أسرع، أما صورتها فلم تنتبه أن أحدهم التقطها.

ويبدو أن المظهر بكل ما قد يحمله من دلالات على الدين أو الطبقة الاجتماعية أو الانتماء الحزبي، لم يكن له أي وزنٍ في تقييم وطنية المتظاهرين أو جديتهم في الانتفاضة الأولى. فوفقاً للقصص الملحمية التي يرويها الجيل الذي عاشها، فإن قلوب الناس وبيوتها كانت تسع الجميع على اختلافهم. هذا الجيل الذي يفتخر بانتفاضته لا يتردد في إظهار الأسى لما وصل إليه حال القضية اليوم.”الناس تغيرت وتغيرت معهم قضاياهم” هكذا يقولون.

حسناً، علينا أن نعرف ما الذي تغير إذاً حتى نعدله، نريد أن نعود إلى الزمن الجميل من فضلك أيها الزمن. ومن أجل أن نعود تعالوا نطرح بعض الأسئلة عن الحزب، التكنولوجيا، الدين وأشياء أخرى:

هل نحن في تك المرحلة؟ أقصد المرحلة التي يمكننا فيها عدم الاكتراث تماماً لحياة إنسان لمجرد أنه لا يرتدي ملابس تعجبنا أو ينتمي إلى حزب غير حزبنا؟ هل أطلّ الدين على القضية بطريقة قاسية؟ أم أن عصر التكنولوجيا وتزاحم الصور والأخبار أفسد العلاقة بين الإنسان ووطنه تماماً كما أفسد له العديد من علاقاته؟ بل يبدو أن تعقيدات الحياة نالت من مشاعر الناس كما نالت من آرائهم وعقدتها معها، أليس كذلك؟ حسناً، كيف نمت اختلافاتنا الساذجة بشكل كبير يحول بيننا وبين قضيتنا الأهم؟

السيدة ميشلين لا تعلم أن صورتها كانت الشاشة الرئيسية لحاسوبي لفترة طويلة، لم أبدلها بصور الفتيات الجميلات المتلثمات بالكوفية، رغم حبي لصورهن، لأنني اخترت أن تكون لشاشة حاسوبي صورة تمنحني القوة والأمل بدون أي منغصات، فأنا لا أرى إلا ميشيلين عندما أنظر إلى صورتها، أما الصور الحديثة للفتيات فأراها مع وابلٍ من التعليقات التي كنت قد قرأتها عنهن على صفحات السوشال ميديا، تعليقات تستنكر مشاركتهن في المواجهات وتتهمهن بالاستعراض، تعليقات كثيرة فيها خليط من النصائح،  أو الشتائم وتحميل ذنب الهزيمة أحياناً لبناطيلهن الضيقة، أو شعورهن الملونة. أما في صورة السيدة ميشيلين فلا أحد يسألها عن تنورتها القصيرة ولا حذائها الأصفر. الكل معجبٌ بالسيدة ميشيلين على الأقل في عقلي وذاكرتي.

الفلسطينية ميشلين عواد

الفلسطينية ميشلين عواد

ذهبت ميشلين عواد إلى الكنيسة منتعلة حذاءها الأصفر قبل ثلاثين عاماً. لم تعلم ميشلين حينها أن مصوراً سيلتقط صورة لها وهي ترمي حجراً على جيش الاحتلال الإسرائيلي. لاحقاً أصبحت الصورة مشهورة، فيما ظلت هوية صاحبتها مجهولة.

 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015