الطلاق في بلدان اللجوء.. تمرّد على الزوج أم تمرّد على المجتمع؟
تزايد حالات الطلاق

كفاح زعتري/ ayyamsyria- تحوّل الطلاق ضمن العائلات السورية في المنافي إلى ظاهرة ملفتة بسبب انتشارها الواسع بمختلف دول اللجوء، وكثرت حالات الطلاق بطلب الزوجة، كما لم تقتصر على الأسر حديثة العهد، بل شملت الكثير من الأسر المتزوجة منذ أكثر من 20 سنة.

ردود أفعال كثيرة حول الموضوع وآراء مختلفة باختلاف المرجعية الفكرية، منها؛ “لم يعد يعجبها زوجها، تبحث عن الحب، النسوان فلتوا”.. إلى آخره من عبارات الاستهجان. وبعضها الآخر يبرّر ويعتبر هذا الأمر طبيعي نتيجة لصدمة التغيير وسلطة القانون الذي يُنصف المرأة.

بنية الأسرة في مجتمعنا

تشكّل الأسرة البنية الأولى في المجتمع، وهي تتمتع “بقدسية دينية واجتماعية وقانونية”. كما تخضع الأسرة في مجتمعاتنا للسلطة الأبوية، فالأب؛ هو الراعي والمنفق الأساسي، تمتد سلطته إلى الأبناء وزوجاتهم، وإلى الأحفاد من بعدهم. وتعتبر هذه السلطة بقوة العرف والعادات، قانوناً اجتماعياً سائداً في بلدنا منذ القدم، ويحظى الأب بالاحترام والطاعة من الزوجة والأبناء.

بينما يرسم العرف دوراً مختلفاً للأم والأبناء، فالأم تقدّم الرعاية للزوج والأبناء وتقوم بخدمتهم وتلبيه طلباتهم، والأبناء يدينون للوالدين بالفضل والطاعة التامة.

من جهة تلك القيم الإيجابية التي تحمل الحب والاهتمام والاحترام، قيمٌ إيجابية وذات مضامين هامة، ومن جهةٍ أخرى فهي تقيّد الأبناء وتفرض عليهم آراء ووجهات نظر تبتعد عنهم ثلاثة أجيال فأكثر، كما تمنع عنهم الاستقلالية بالقرار، ورسم حياتهم ومستقبلهم وفق رغباتهم، ويُبقي مجتمعنا متأخراً عن عصره.

إن كان للذكور نصيبٌ بالاستقلالية في الاختيار والقرار مع التقدّم بالعمر، إلا أنّ ذلك غير متاحٍ للإناث، فهنّ أسيرات السلطة الأبوية والمجتمعية.

وبرغم أنّ سن الزواج للفتيات تقدّم عن السابق، إلا أنّ كثيرات هنّ الفتيات اللواتي يتزوّجن بمرحلة الدراسة، ولم يتممن الثامنة عشر. تُربّى الفتاة على الطاعة للوالدين والزوج ووالديه والأخوة الذكور، الأهل دائماً يعرفون ويقدّرون ويفهمون البشر أكثر، لا عبرة للعواطف فهي مؤقتة.

الحلقة الأضعف في المجتمع

الفتاة في مجتمعنا محاصرةٌ دائماً ولا تمتلك حياتها، فهي إما تزوّجت وهي مراهقة، الأهل اختاروا لها زوجها، أو بعد انتهاء الدراسة وهنا يبدأ حصار المجتمع وضغطة وملاحقتها بلقب عانس، فتتخلّى عن الكثير من أولوياتها في الاختيار.

بصرف النظر عن الطريقة التي تمّ بها لزواج؛ ظروف الحياة واختلاف أنماط البشر وتعارض الاحتياجات، تولّد توترات بين الزوجين وصدامات، في الغالب تكون العلاقة عنفية، تتحمّل المرأة أعباءً وضغوطاً قاسية، ليبقى الطلاق الخيار الأخير والمكروه وبعد استنفاذ طاقة الاحتمال.

وإن كانت سلوكيات الرجل بحياته مستهجنةً؛ يتوجّب على الزوجة التحمّل والصبر والقبول بقسمتها وعليها أن لا تخرب بيتها، مما يعني أن المرأة هي المسؤولة عن خراب البيت، لا يُنظر إلى قرارها على أنه نتيجةٌ طبيعية لسلوكٍ شاذ أو عدواني أو…الخ. إضافة إلى أسباب اقتصادية تدفعها إلى تحمّل مختلف أشكال الإساءة، والبقاء في بيت الزوجية.

كل ما تطلبه هو الحب والاحترام

منال،40 سنة لاجئة في ألمانيا، تقول: “تزوّجتُ بعمر الخامسة عشر، في شقةٍ “خاصة” ضمن بناءٍ مستقل لأهل الزوج، لم نكن نحظى بخصوصية في منزلنا، فالمعيشة مشتركة مع البيت الكبير، كنتُ ممنوعةً من الخروج من المنزل، أُضرَبُ من زوجي وحماتي وعمّي، تزوّج زوجي امرأة أخرى بنفس المصاغ الذي قدّمه لي حين تزوّجني، وأسكنَ الزوجة الجديدة معي”.

وتتابعُ بحرقة: “لم يكن لدي حقّ الاعتراض أو التذمّر، فالرجل يمارس حقّه “الشرعي” باختصار لديه حقوق وصلاحيات مطلقة، في حين المرأة لا تملك من أمرها شيء.”

وهنا تسدل ستارة على حقوق المرأة في الشرع. فطلب الطلاق الذي هو حلالٌ بالشرع وإن كان يعتبر أبغض الحلال، لكنه اجتماعياً مرفوض من الأهل والمجتمع، لذلك فالمرأة لا تملك الجرأة ولا المورد لتُقدِمَ على خطوة طلب الطلاق، هذا من جهة؛ ومن جهةٍ أخرى خوفها من فعل حرمانها من أولادها.

تلك الاعتبارات تجعل فكرة الطلاق غير واردة، يبقى الرضا والدُعاء بالصلاح وتحسّن الأحوال، السبيل الوحيد للاستمرار مع بقاء الوضع على ما هو عليه.

تضيف منال: “أذهب الآن إلى المدرسة وأتعلّم، قدّمت إلى مكتب العمل الذي سيساعدني بإيجاد عمل. مستقلةٌ بحياتي”، تتابع “أرغب في الزواج، ما أطلبه هو الحب والاحترام، ان أكمل حياتي كإنسانة”.

سعيدة باستقلالها

عبير، 48 سنة لاجئة في ألمانيا، تأذت وظُلِمَت في حياتها، تقول: “كان زواجي نقمةً عليّ، تزوّجت بقرارٍ عائلي دون رغبة، تعذّبتُ كثيراً، ولكن في هذه البلاد شعرت أنني إنسانة صاحبة قرار، وأنه بإمكاني البداية من جديد، وأنني سأتمكّن من النجاح.”

وتضيف: “أعيشُ وحيدةً، ولستُ حزينةً لذلك، أعمل وأنتج وأفكّر في الفترة القادمة أن أدير مشروعاً خاصاً بنفسي.”

مثل هذه الأعمال لم تكن واردة في قاموس علاقاتنا الاجتماعية. تقول: “(وطني وإن جار عليّ عزيز) لكني لا أفكّر بالعودة والاستقرار هناك، أحببتُ هذا البلد، أشعر بقيمة نفسي كإنسان أولاً وكامرأة ثانياً، أشعر بالثقة والقوة.”

محاولة للبدء من جديد

سامر، موظّف سابق في سوريا، يعمل حالياً في شركة بريد بألمانيا، انفصل عن زوجته بعد الوصول إلى ألمانيا، يبدو منسجماً مع هذا القرار، يعتبر أن ما جرى كان من الممكن أن يقع في سوريا لو كانت سلطة العرف والمجتمع أقلّ قسوةً مما هي عليه، فهو لم يكن متفقاً تماماً مع زوجته، وهي أيضاً ربما كانت تشعر بذلك، يقول “هنا تحرّرنا من وطأة حديث الناس، وقسوة التقييم المجتمعي، كما تحرّرنا من وطأة الضغط الاقتصادي، فكان القرار بالانفصال، وانعكس هذا القرار بالإيجاب على كلينا، يحاول كلٌّ منّا أن يبدأ من جديد.”

لسنا خارج الطبيعي

الناشطة النسوية سهام فتوح تقول: “تبدو ظاهرة الطلاق طبيعية في مجتمعات اللاجئين، حتى بالنسبة للمتزوّجين منذ عقود، بعد أن حظيت المرأة بالاستقلال المادي، والحماية القانونية، وبات من حقّها حضانة ورعاية أولادها دون منازع أو ضغط، وباتت خارج دائرة الضغط المجتمعي والنبذ الاجتماعي للمطلَّقة؛ لقد أطلقت صرخةً كانت عالقة في حنجرتها لسنين بعيدة.”

تتابع: “لا أعني أنّ المرأة هي الضحية والمظلومة دوماً، هناك من النساء هنّ من ظَلمن، مستغِلّاتٍ الوضع القانوني الذي حظين به.” وتضيف فتوح: “ربما يبدو ذلك طبيعياً، فالأخطاء القاسية التي رافقت أو نتجت عن حياة اللجوء، هي ضريبة التغيير، ونتيجة لتأصّل القمع والعنف والاستبداد في ثقافتنا المجتمعية. لا يبقى الحال على ما هو عليه، فالتغيّر سُنَّةُ الكون، عندما يجد الطريق لذلك.”

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

تزايد حالات الطلاق

تزايد حالات الطلاق

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015