“العنف ضدّ المرأة”… وصمة عار تضرب المجتمعات العربية في مقتل
نسبة الأسر التي ينتشر فيها العنف بالدول العربية (شبكة "الباروميتر العربي" البحثية)

أمينة خيري\independentarabia- تتنوّع أشكاله بين الختان والزواج المبكر والقتل باسم الشرف.. والمجاهرة بالشكوى تنال من سمعة السيدات.. بين “الحمد لله نحن دولة إسلامية، والمرأة لدينا مكرَّمة ومؤمَّنة”، و”العنف ليس في ثقافتنا بل مستورد من الغرب”، و”العنف لدينا مكروهٌ تارةً ومقبولٌ تارةً أخرى”، و”النساء في بلادنا هنّ أكثر فئات المجتمع تعرّضاً للعنف، سواء المؤسسي أو الأُسري أو الثقافي أو الديني”، تدور رحا باتت موسمية حول العنف ضدّ المرأة.

ونحن على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة، ما زال بيننا من يعتبر “تأديب” زوجته بالضرب أو التسفيه أو التحقير شأناً داخلياً. وما زال بيننا من يقنع نفسه والمحيطين أنّ المجتمعات الشرقية، لا سيما الإسلامية هي الأكثر حفاظاً وحمايةً للمرأة، وذلك عبر الحجب والمنع والمنح. وما زال بيننا من يشجب ويندد بفكرة الأيام الـ16 التي تخصص لفعاليات وحملات تصب في خانة “إنهاء العنف ضدّ المرأة” في النصف الثاني من شهر نوفمبر (تشرين أول) من كل عام.

واحد صحيح

وفي كل عام تصدر البيانات الأممية، وتطبع التقارير البحثية، وتحتفي الدول والمؤسسات باليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة، ويتحدث المسؤولون والمسؤولات عن ضرورة مواجهة هذا العنف ورفع الوعي وتربية النشء وتطبيق القوانين وتغيير العادات التي من شأنها أن تجعل من المرأة واحداً صحيحاً وليس ربعاً لا قيمة له، أو نصفاً يحتاج إلى تقويم بسبب النوع، أو حتى ثلاثة أرباع لأن الثقافة الذكورية تحتم ذلك.

وفي كل عام أيضاً تبدو الدول الأكثر إيماناً بممارسة العنف ضدّ المرأة واقفة على طرف نقيض من تلك التي قطعت شوطاً أو أشواطاً من تلك التي لا تمانع كونها رئيسة ومتخذة قرار ومسؤولة عن مصائر أمم وشعوب طالما تستطيع.

وما لا يستطيع هضمه كثيرون هو أن المقصود بالعنف ضدّ النساء لا يتوقف عند حدود ضربهن واغتصابهن واستحلال أموالهن وميراثهن وأجسادهن، لكنه يمتد كذلك إلى حرمانهنّ من التعليم، وتزويجهنّ في سن الطفولة، والزجّ بهنّ في سوق العمل بدلاً من المدرسة، وقتلهنّ باسم الشرف والعفة وإجبارهنّ على ارتداء أزياء بعينها دون غيرها وقائمة طويلة من مظاهر العنف التي ما زالت ملايين في المنطقة العربية –رجالاً ونساءً- تعتبرها أموراً عادية مقبولة أو ذات خصوصية ثقافية معروفة.

أشكال العنف

هيئة الأمم المتحدة للمرأة تخبر العالم هذا العام أن واحدةً من كل خمس فتيات في العالم العربي تتزوّج وهي طفلة. ختان الإناث –رغم تجريمه في العديد من الدول العربية- مازال يُمارس على نطاقٍ واسعٍ جداً، لا سيما في مصر.. حقوق المواريث والزواج والتعليم والعمل، مازال الكثير منها في أيدي الرجال وليس صاحباتها.. الرجال –سواء كانوا آباء أو أشقاء أو أعمام أو أخوال أو أزواج أو أبناء- مازالوا يعتقدون أنّ مصائر النساء قراراتٌ يتخذونها.. التحرّش مازال سائداً.. الإهانة بغرض التقويم مازالت مقبولة.. وتدنّي أُجورها مقارنةً بالرجل مازال سائداً.. وإنهاء عملها أو رفضه من الأصل بسبب أدوارها من حمل وولادة مازال أمراً عادياً.

منظمة الأمم المتحدة للمرأة تخبرنا أن 37% من النساء العربيّات يكنّ ضحايا لشكلٍ واحد على الأقل من العنف أثناء حياتهنّ. والمؤشرات ترجّح أن تكون النسبة أعلى. و92% من الإناث في مصر بين سن 15 و49 عاماً خضعن للختان، وإن كانت المؤشرات الحديثة تشير إلى أن النسبة تصل إلى 61% للفتيات بين سن 15 و17 عاماً. و14% من الفتيات العربيات يتزوّجن دون سن الـ18 عاماً. و70% من ضحايا الإتجار في البشر إناث، وتشكّل النساء الناضجات 50% من النسبة. وتُظهِر المجتمعات العربية تعاطفاً مع المغتَصِبين، بل إنّ العديد من القوانين في الدول العربية تبرّئ المغتَصِب إن تزوّج الضحية. و6 بين كلّ 10 نساء عربيّات من ضحايا العنف لا يطلبن الدعم أو الحماية.

المجاهرة بالشكوى وصمة

سماح، 42 عاماً، معلّمة في المرحلة الإعدادية، لجأت إلى قسم الشرطة حين اشتد ضرب زوجها لها أثناء خلافاتهما المتكرّرة قبل نحو عشر سنوات. وكانت النتيجة أن أهلها هدّدوها بالتبرؤ منها لو لم تتنازل عن شكواها وتعود إلى بيتها وتعتذر لزوجها. تقول: “مسألة الضرب كانت تضايقني، لا سيما بعدما أنجبتُ ابني وابنتي. كانا يبكيان حين أتعرّض للضرب. لكني لم أكن أشكو إلى أن وصل الأمر في مرةٍ إلى درجة إلحاق إصابات عدّة بي، وهو ما دفعني للجوء إلى قسم الشرطة”.

تحكي سماح عن ردّ فعل الضابط الذي بدت عليه علامات الامتعاض وهي تشرح ما جرى، إذ أشار إلى أنّ لو كل زوجة يضربها زوجها لجأت إلى الشرطة ستترك الشرطة تأمين الناس وتتفرّغ لحل المشاكل الأسرية التافهة.

“التفاهة” هو مفهوم العنف الممارس ضدّ المرأة ومعضلة رئيسة في فكر المجتمع. سكوت المرأة على الضرب من الزوج مطلوب، واستسلامها لنهب حقّها في الميراث مسكوت عنه، وتزويجها طفلة أمر عادي، وتشويه أعضائها التناسلية يستحق الاحتفال بحجة العفّة، وحرمانها من التعليم مقبول، وتخصيص دخل أدنى لها من زميلها الرجل معروف. ومن ثمّ، فإن مجاهرتها بالغضب أو الرفض أو الشكوى أو طلب المساعدة يحمل في طياته وصمةً لها.

تزداد الوصمة وتتضاعف النقمة حين يكون العنف اغتصاباً وتُجاهِر الضحية بما تعرّضت له. عربياً، يفضّل المجتمع أن تسكت المرأة. وإن تكلّمت تلقى جزاءها. فهي حتماً من شجّعت المغتَصِب، أو تهاونت في شرفها بعدم الدفاع عن نفسها، أو وضعت نفسها في موقفٍ شجّع المغتَصِب على اغتصابها. حتى في حالات الصراعات المسلحة التي يستخدم فيها الاغتصاب وسيلةً للقمع والترهيب، أو طريقةً للترفيه والتسلية، تواجه المرأة ضغوطاً لتسكت وتلتزم الصمت القاتل.

أمنية إنهاء الاغتصاب

هذا العام، اختارت المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة “فومزيلي ملامبو-نكوكا” القضاء على الاغتصاب لتكون أمنيتها الوحيدة. تقول: “في حال توقّف الاغتصاب، سيمثّل هذا اختفاء سلاح خطير من أسلحة الحرب من جميع ترسانات الأسلحة في النزاعات، وغياب تقييم المخاطر اليومي للفتيات والنساء في المساحات العامة والخاصة والقضاء على تأكيد السلطة عن طريق العنف، كما سيمثّل تحوّلاً بالنسبة للمجتمع”.

تضيف “وفي كل من حالتي النزاع والسلام، يُشكّل الاغتصاب قرارات المرأة بالرحيل عن المجتمعات المحلية نتيجة الخوف من الهجمات أو وصمة العار بالنسبة للناجيات. وتواجه النساء والفتيات اللاتي فررن من منازلهنّ كلاجئات مخاطر الانتقالات غير الآمنة وظروف العيش غير الآمنة التي قد تفتقر إلى الأبواب المغلقة والإضاءة الجيدة والمرافق الصحيّة المناسبة. ويمكن للفتيات اللاتي يتزوّجن في طفولتهنّ بحثاً عن زيادة الأمن بالمنزل أو في مخيمات اللاجئين أن يقعن فريسة ظروف تُضفي طابع الشرعية على الاغتصاب، دون ملاذٍ للراغبات في الهروب، مثل المأوى والسكن الآمن”.

وتشير ملامبو-نكوكا إلى ما يعتبره الكثير من المجتمعات العربية أمراً مرفوضاً، ألا وهو اعتبار أعمال العنف الموجهة ضدّ المرأة داخل البيت أمراً يستحق تدخّل المجتمع، وتقول “في أغلب دول العالم، تكون المراهقات أكثر تعرّضاً لمخاطر العنف الجنسي من الزوج أو الشريك أو الصديق الحالي أو السابق. ونحن نعلم أن المنزل لا يعتبر مكاناً آمناً لملايين النساء والفتيات”.

جيل المساواة

وإذا كان الاغتصاب هو  ما اختارته المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن التوعية عن العنف الموجَّه ضدّ النساء بكل أشكاله يدخل ضمن فعاليات الـ16 يوماً هذا العام، التي تحمل اسم “اتحدوا”، وتتخذ من “جيل المساواة” هذا العام شعاراً لها. والمقصود هو أن الأجيال الشابة تُطالب بالمساواة في الأجر، وبتقاسم الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي، وبوضع حدّ للتحرّش الجنسي.

يُشار إلى أن حملة الـ16 يوماً هي مبادرة عالمية سنوية تبدأ يوم 25 نوفمبر (تشرين الثاني) الذي يُوافق اليوم العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة،  وتنتهي في 10 ديسمبر (كانون أول) وهو اليوم العالمي لحقوق الإنسان. واللون البرتقالي هو اللون الرسمي لـ”اتحدوا”، إذ يرمز إلى مستقبل أكثر إشراقاً وخالٍ من العنف ضدّ النساء والفتيات.

وتحشد الحملة الشبكات المختلفة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني والمدارس والجامعات والقطاع الخاص والجمعيات الرياضية والأفراد للتضامن مع المدافعين عن حقوق المرأة، بالإضافة إلى الحركات النسائية وحقوق الإنسان الخاصة بالمرأة والمناصرين الذين يعملون على إنهاء العنف ضدّ النساء.

تكلفة العنف

تقول نائب ممثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر الدكتورة جيلان المسيري أن التكلفة الاقتصادية لقضايا العنف ضدّ المرأة بلغت بليونين و17 مليون جنيه مصري (نحو مليون دولار أميركي) في عام 2015، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. كما بلغ مجموع النساء والفتيات المصريات اللاتي تعرّضن للعنف في عامٍ واحد في مصر نحو 7 ملايين و800 ألف سيدة وفتاة، لكن لم تبلّغ عما جرى لها سوى 75 سيدة فقط، أي نحو 1% من مجموع ضحايا العنف.

مصريّاً أيضاً، شهدت القاهرة تدشين حملة توعية عنوانها “مراكب النيل”، برعاية كلّ من المجلس القومي للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي وسفارة السويد في مصر. وضمن أنشطة الحملة، يبحر 16 قارباً في نهر النيل على مدار الـ16 يوماً، بهدف توعية الجميع بقضايا العنف ضدّ المرأة. وتحمل المراكب أعلاماً تُشير إلى ختان الإناث والتحرّش الجنسي والزواج المبكر، مع الدعوة إلى تعزيز تعليم الإناث والمساواة بين الجنسين.

رؤية وطنية مصريّة

وأوضحت رئيس المجلس القومي للمرأة مايا مرسي لـ”اندبندنت عربية”، أنّ مصر تُولي أهمية كبيرة لمواجهة العنف ضدّ المرأة والقضاء عليه، في ضوء تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030. وتتضمن الاستراتيجية محور الحماية والتشريعات والمنبثقة من رؤية مصر 2030، وفي  إطار تنفذها لمكافحة العنف ضدّ المرأة 2015-2020. وشدّدت مرسي على أهميه التوعية والتعريف بالقوانين والتي تعدّ عاملاً أساسياً لمواجهة المشكلة.

العنف الصحي

كما أطلقت “مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون” (منظمة حقوقية) حملةً عنوانها “صحتها حقّها”، في إطار المشاركة في حملة الـ16 يوماً. تسلّط خلالها الضوء على العنف المبني على النوع الذي تتعرّض له النساء في أماكن تقديم الخدمات الطبية، لا سيما أن اتفاقية مناهضة العنف ضدّ النساء في أماكن العمل قد صدرت بالفعل.

ويشير القائمون على الحملة إلى تعرّض الكثيرات من النساء للعنف في أماكن تقديم الخدمات الطبية، خلال فترة الحمل والولادة وبعدها، سواء في المؤسسات الصحية الحكومية أو الخاصة. وأشار بيانٌ صادر عن “مؤسسة القاهرة لتنمية والقانون” إلى أنه رغم الاعتراف بوجود عنف الولاية، إلا أنّ المؤسف هو التغاضي عنه في أغلب الأحوال بسبب الافتقار إلى الإحصاءات والمعلومات، وتعقيد تصميم السياسات العامة لمنعِه، وأيضا تخوّف بعض النساء اللاتي تعرّضن له من ذكر تجاربهنّ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر إجراء العمليات القيصرية دون داعٍ طبي.

بدأت فعاليات الأيام الـ16 هذا العام. وإذا كان قبول العديد من النساء في المنطقة العربية لفكرة تعرّضهن للعنف، سواء لأنهنّ لا يعتبرنه عنفاً من الأصل، أو لأنهنّ لا يملكن مهرباً، فإن أعداداً متزايدة من الرجال العرب، لا سيما بين الأجيال الشابة، باتت مناصرةً لحقّ المرأة في عدم التعرّض للعنف من قبلهم، حيث قناعةٌ شبابية بأنّ المجتمعات الساكتة عن حقوق النساء مجتمعات موصومة.

من جهتها أطلقت “الباروميتر العربي”، وهي شبكة بحثية تقدّم قياسات وتحليلات عن الاتجاهات والقيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمواطنين في العالم العربي، عدداً من الإحصاءات التي توضح مدى انتشار العنف الأسري عربياً لإلقاء الضوء على جانبٍ مسكوتٍ عنه من العنف الموجَّه ضدّ المرأة العربية.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

نسبة الأسر التي ينتشر فيها العنف بالدول العربية (شبكة "الباروميتر العربي" البحثية)
نسبة الأسر التي ينتشر فيها العنف بالدول العربية (شبكة “الباروميتر العربي” البحثية)

2 تعليقان في ““العنف ضدّ المرأة”… وصمة عار تضرب المجتمعات العربية في مقتل”

  1. يقول jdea Nofal:

    شكرا لهذا الجهد.. لكني لست مقتنعا بهذه الآرقام والتي تؤشر إلى أن اليمن وليبيا هما أفضل من تونس!
    وإن لبنان في مقدمة الدول العربية التي ينتشر فيها العنف ضد المرأة..
    رسالتي للتجمع مع محبتي.. أرى أن الموضوعية في النشر هي الأساس..

    • يقول CSWDSY:

      كل الشكر لاهتمامكم .. يمكنكم مراسلة صحيفة إندبندنت عربي IndependentArabia عبر موقعها الإلكتروني للوقوف على قضية (الموضوعية في النشر) التي أشرتم لها في تعليقكم أعلاه.. كما يمكنكم مراسلة التجمّع على الايميل info@cswdsy.org حول المسائل والقضايا الأخرى التي أشرتم لها في تعليقكم.
      كما يرحب التجمّع بأية دراسات أو أبحاث قمتم أو تقومون بها حول أيّة أرقام أو إحصائيات يتم نشرها هنا على موقع التجمّع أو في أية أماكن نشر أخرى (مطبوعات أو مواقع إلكترونية) & يمكنكم تزويدنا بها لكي نقوم بنشرها لاحقاً هنا عندما تكون متوافقة مع رؤية “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية” وتحقق شروط النشر المطلوبة.
      كل الشكر لاهتمامكم ومتابعتكم

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015