العنف ضدّ النساء في زمن الكورونا
العنف ضدّ النساء في زمن الكورونا

آمال قرامي/ ahewar- لاشكّ أنّ علاقتنا بأجسادنا وبالناس والأشياء والطبيعة… قد تغيّرت في هذا السياق الذي هيمنت فيه الإحصائيات الخاصة بوباء الكورونا، وفُرضت فيه إجراءات ملازمة البيوت على الجميع. ولاشكّ أنّ وعينا بالزمن والمكان قد تغيّر ولكن في أيّ اتّجاه؟

توجد فئة من النساء اللواتي تحوّل البيت في نظرهنّ، إلى معتقل تُقام فيه المحاكمات، وإلى سجن تنظّم فيه حفلات التعذيب، ويتفنّن فيه البعل/السجّان في ابتكار أشكال جديدة من التأديب لاسيما وأنّ القوم في غفلة من أمرهم. ففي زمن الكورونا لا يتدخّل الأهل ولا الجيران حفظاً للتراتيب الصحية واحتراماً للأوامر، فكيف يمكن تخليص المرأة من قبضة الوحش الذي يفتك بها؟

وفي سياق “خلّيك بالبيت” تقيّد حركة الناشطات النسويات اللواتي كنّ يبادرن بمتابعة ملف المعنَّفات، وفي زمن ترتيب الأولويات لم يعد أعوان الأمن منشغلين ببلاغات النسوان؛ فثمّة مشاكل المهرّبين، والمحتكرين، والإرهابيين…

ومادمنا قد تحوّلنا إلى كائنات تلازم الهواتف الجوّالة أكثر من تفاعلها المباشر مع الأشخاص، فلا بأس أن نتابع التعليقات الفيسبوكية بعد كلّ حادث اغتصاب في الفضاء العام، على الفتيات والنساء وأصحاب الاتجاهات الجنسانية المختلفة، أو بعد الاعتداء على هؤلاء في الفضاء المنزلي. إنّ صنف التعليقات المبرّرة للعنف والمتشفّية من النساء المنفلتات تعبّر عن تغلغل كره النساء Misogynie والتعصّب ضدّهن sexisme، وتشيئهنّ في البنى الذهنيّة. وتضاف إلى هذه العوامل المعلومة عناصر جديدة منها: أوّلاً طريقة تقبّل الأمر بملازمة البيت. فمن الرجال من يتمثّل البيت على أساس أنّه “فضاء النسوان اللواتي أُمِرنَ بالبيتوتة “وقرن في بيوتكنّ “. أمّا حضوره في البيت فإنّه لا يتجاوز عدداً من الساعات التي يتلقّى فيها الرعاية والخدمات وتلبّى فيها رغباته. ولذا فمن حقّه أن يضرب زوجته أو ابنته تعبيراً عن حنقه وغضبه حين يشعر بأنّه صار كالنسوان مقيّد الحركة، وهو الذي نشأ على قيم تنمّي لديه روح المغامرة والانطلاق في الفضاء العامّ بكلّ حرية.

أمّا العامل الثاني فيتمثّل في دخلنة مفهوم الخطيئة وتأثيم المرأة وشيطنتها. فما وصلنا إليه هو بسبب “خروج زريعة إبليس في الجنائز والانحراف الأخلاقي، ولذا من حقّ القوّام أن يضبط النساء ويؤدبهنّ كما قال الله وردّد الإمام الخطيب، وفرصة الحجر الصحي ملائمة لتعزيز سلطة “الرجولة” إذ لا رقيب.

يجرّد زمن الكورونا فئةً من الرجال من امتيازاتهم الطبيعية، فلا خروج ولا عمل ولا ترفيه ولا صحبة مع الخلاّن… وتبعاً لذلك تهمّش بعض الأدوار التي تشعرهم بقيمتهم في الحياة وتمنحهم الإحساس بأنّهم فاعلون ومنفقون وأصحاب قرار . فيكون ردّ الفعل على مصادرة حريتهم وحركتهم وإرباك تصورهم لذواتهم: ممارسة العنف على من يُعتَبَرن ضعيفاتٍ بالفطرة. وليس العنف في مثل هذه الحالة، إلاّ تذكير لربّات الخدور بأنّ الرجل وإن لازم البيت مكرَهاً، فإنّه قادرٌ على الفعل وفرض سلطته.

قد يرى واضعو السياسات أنّ العنف الممارس ضدّ النساء هو “خصوصية نسائية” من مشمولات وزارة المرأة، وبعض مكوّنات المجتمع المدنيّ، ويتغافلون عن صلة هذا الموضوع بقضايا الأمن والتنمية وغيرها. فالعنف المُمَارس اليوم، ذو صلة بالحقّ في الصحّة والأمن الصحي؛ ومن ثمّة يكون من بين خطط وزارة الصحّة اتّخاذ تدابير وقاية وعناية نفسيّة تشمل الفئة الهشّة من النساء، ويكون من واجب وسائل الإعلام التعاطي مع هذا الموضوع من زاوية تتجاوز الإخبار عن الأرقام والأحداث والضحايا. فالنساء المعنَّفات لسن مجرّد أرقام أو خبراً للبوز، والناجيات لا يطلبن سرديات التعاطف والشفقة، إنّهنّ يطالبنّ بتفعيل القانون والتعامل بجدية مع التبليغ عن الاعتداءات.

فما جدوى سنّ التشريعات والتغاضي عن تطبيقها؟ ولم صار التأقلم مع العنف عادة متفشّية؟

من هنا تبدأ محاسبة الدولة والحكومات وكلّ الجهات المسؤولة عن تفشّي العنف…

العنف ضدّ النساء في زمن الكورونا

العنف ضدّ النساء في زمن الكورونا

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015