الكتابات النسائية الجديدة بين المراهقة والدفاع عن المرأة
لوحة للفنان التشكيلي السوري فادي يازجي

جيهان الزمزمي/ ساسة بوست- كيف لنا أن ننسى أسماء أولئك النساء اللواتي هززن عرش الأدب العربي، وأسلن حبر أقلامهنّ إما شعرًا، وإما نثرًا، مساندةً لحواء تلك المكافحة المناضلة من المشرق إلى المغرب.. نساءٌ كرّسن صفحاتهنّ دفاعاً عن المرأة، وذوداً لها عن سنواتٍ وعقودٍ من القمع والاستبداد في ظلّ مجتمعاتٍ ذكورية لم تعرف لحريّة المرأة واستقلاليتها سبيلاً إلّا من رَحِمَ ربّي.

أسماءٌ كُثر؛ وقد نذكر منهنّ، على سبيل الذكر لا الحصر، أشهَرهُنّ غادة السمّان التي عُرِفت بقصّة الحب الممزوجة بروح النضال والمقاومة مع غسان كنفاني، وأحلام مستغانمي الكاتبة الجزائرية التي اتخذت منهجاً توجيهياً؛ فهي تدفع المرأة العربية إلى جفاء الرجل تارةً وتنصحها أُخرى، أو تنقل لنا قصص حبّ مختلفة، كتلك التي وردت في (ذاكرة الجسد) و(الأسود يليق بك). ومنهُنّ من سطع نجمهنّ مؤخراً في سماء الأدب العربي؛ لقصائد ورواياتٍ جسّدت وقائع وآلام المرأة العربية، ونقلت كل مشاغل هذا الجنس اللطيف، كقصص الحب الفاشلة أو النصائح والتوجيهات التي كان الهدف منها توعية المرأة بكيفية التعامل مع الرجل الشرقي، فنجد ميسون سويدان تشكو حبيباً هجرها في قصيدَتَي: (لا ناس حولي)، و(لماذا اخترتني)، ونرى أثير عبد الله النشمي تنقل لنا قصّة حبّ صعبة مليئة بالمشاق بين ثنائي سعودي في روايتها: (أحببتك أكثر مما ينبغي)، جيلٌ جديدٌ صاعدٌ من الأديبات اللواتي اتفقن على هدفٍ واحد، ألا وهو الدفاع عن بنات جنسهِنّ.

الرجل.. رمز الاستبداد والسيطرة

كائنٌ مُستبِدٌ مُسيطرٌ مغرور وأناني؛ هكذا كانت تتعامل معظم الأعمال الأدبية النسائية مع الرجل الشرقي، فجلّ الأديبات كنّ ينظرن ببصر المرأة البسيطة، ويستعملن بصيرة المرأة المثقفة المُتَعَلّمة والمُبدِعة، لترجمة هذه النظرة في إطار كتاباتٍ شعرية أو نثرية، باستثناء من عشن قصص حبّ نضالية كغادة السمّان، التي استلهمت كتاباتها من وحي العلاقة بينها وبين غسان كنفاني، فكانت غالباً ما تعامله بمنطق البطل المقاوم وتشيد بخِصَاله، بيد أنّها كانت تلوم دهراً وظروفًا أثّرت في علاقتها بكنفاني.

إنّ المُتَمِعّن في أشعار ميسون سويدان، وكتابات أثير عبد الله النشمي، مثلاً سيرى حتماً أنها مُستَمَدّة من بيئتهما اللتين عاشتا فيها، وإنّه لمن الحري أن نعترف أنّ البيئة الخليجية ما تزال تعامل المرأة بشكلٍ محافظ رغم محاولات المملكة السعودية للإرتقاء بصور المرأة السعودية ومنحها حقوقها، ونرى أيضًا الظهور الإعلامي والحضور الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الإماراتية والكويتية؛ بيد أنّ هذا لا يُغَيّر كثيراً من الواقع الذي تواجهه الخليجيات. وخير دليلٍ معانتِهِنّ التي نقلتها ووصفتها أديبات هذا العصر أو بعض الكتّاب الأوروبيون أمثال روبرت لايسي في كتابه (المملكة من الداخل).

الأنثى الضحية المِعطاءة والصّبورة

يا صبرك يا أيوب!.. مَن منّا لم يسمع هذه العبارة من أمّه أو أخته أو ربما إبنته، عبارةٌ قد تخرج من فيض غيضٍ، وعبارةٌ اختزلتها أقلام أديباتنا في كتابتهِنّ؛ فنرى المرأة العربية تلك الصبورة والمناضلة، تلك الأنثى ضحية المجتمعات الذكورية والتقاليد والعادات البائدة، تلك المرأة التي تسعى لإرضاء الرجل وإراحته رغم المتاعب والمشاق التي يتسبّب فيها لها.

تبدو المرأة العربية أيضاً أنموذجاً فريداً من نوعه في كتابات هذا الجيل الجديد من الأديبات؛ فهي المُتَمرّدة المُتَحدّية للزمان والمكان والظروف والمجتمع، المِعطاءة والكريمة، العذراء الطاهرة والمُتَعفّفة، خِصالٌ تطنب أثير عبد الله النشمي وخولة حمدي في كتاباتهما؛ ففي رواية (في قلبي أنثى عبرية) يمتزج الدين بالأدب ليصوّر لنا المرأة المُتَعفّفة والمُرتَبطة بدينها، سواءً كانت يهودية أو مُسلِمَة، والفكرة ذاتها مع إبراز بعض الجوانب والخِصال المختلفة التي وردت في روايتي (أحببتك أكثر مما ينبغي) و(في ديسمبر تنتهي كل الأحلام).

أدب مراهقة أم سلاحٌ للدفاع عن حوّاء

اختلفت كثيراً الآراء بخصوص كتابتهن؛ فهناك من يرى أنها أدبياتٌ مُراهِقة لا تختلف عما يحيط بنا من مسلسلاتٍ تركية، لا تخلو من علاقات الحب الخيالية والواهمة، كتلك التي دائمًا ما تكون نهايتها سعيدةً كقصص سندريلا وبياض الثلج، ولكنّ المُتَمعّن في هذه الكتابات سيرى فعلًا أنها أدبياتٌ لا تمت بصِلَةٍ إلى المراهقة، بل على العكس من ذلك، فهي تُعرّي الثغرات الموجودة في مجتمعاتنا العربية تجاه المرأة، وهي تناقش أيضاً معاناة هذا الكائن، وإن كان كذلك لما انتهت قصائد ميسون السويدان بفراق الحبيب، ولا انتهت رواية خولة حمدي بمأساةٍ في قلب أنثى عبرية، ولما تحدّثت عن جدلية التسامح والتعصّب بين الأديان وزواج الرجل من غير المُسلِمة، وكلها قضايا شائكة وهامة تناولتها هذه الرواية.

ولهذا فإنّ هذا النعت للكتابات النسائية المُعاصرة هو نعتٌ سقيم، ولو كان نسبياً وقد يتجنّى نوعاً ما على بعض الكتابات الهادفة المُنتَصِرة لحقوق المرأة العربية المهضومة، وقد حان الوقت للاعتراف بأنّها حركةٌ جديدة ظهرت في نسقٍ تصاعدي، جاءت مُتَمرّدة على كلّ ما هو شائعٌ ومُتعارفٌ عليه بين ذكور المجتمعات العربية من عاداتٍ وتقاليد بالية ولّت مع الزمن.

لوحة للفنان التشكيلي السوري فادي يازجي

لوحة للفنان التشكيلي السوري فادي يازجي

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015