اللاجئات الخليجيات: الموضوع أكبر من مجرد “فتاة معنَّفة”
المرأة الخليجية

عائشة القحطاني/ gulfhouse- أزعم أن فكرة “الهروب” من الوطن تخطر على العديد من الفتيات في دول الخليج، لكن ذلك لا يعني “جدية” الجميع في قرار المغادرة. لكنهن على الأقل، يُحدّثن أنفسهنّ بذلك ويقلبن فكرة “الخلاص”، ولو لمرة واحدة في العمر.

فضاء الأسئلة في هذا الموضوع واسع ومتشعب: لماذا تتوارد فكرة الرحيل في أذهانهن؟ لماذا تتجه بعض الخليجيات إلى اتخاذ مثل هذا القرار الصعب؟ ما هي التغييرات أو الإصلاحات السياسية والمجتمعية التي تحتاجها المرأة الخليجية لتأمَنَ على نفسها في وطنها، فلا تحتاج الرحيل أو التفكير فيه؟

لماذا تحزم الفتيات حقابئهنّ إلى الخارج؟

باستطاعتنا تقسيم أسباب مغادرة الفتيات الخليجيات أوطانهن إلى سببين رئيسيين، اجتماعي وسياسي. وهو تقسيم يرتبط بأنواع اللجوء في الدول الغربية ذاتها؛ اللجوء “الإنساني” و”السياسي”، على أن ذلك لا يمنع أن يجتمع السببان معًا في حالة واحدة.

تتبلور وتستمر مسوغات اللجوء الإنساني بسبب إجحام القانون في دول الخليج وسلبيته في التعامل مع الانتهاكات التي تطال المرأة في هذه البلدان. ويمثل العنف الأسري – على سبيل المثال – جريمة اجتماعية تحدث تحت حماية قوانين الدولة ورعايتها. لنا أن نتخيل في هذا السياق دولة يبيحُ فيها المُشرع أعمال السرقة، هل بإمكاننا الوقوف أمام السرقة – التي هي “رذيلة” بتعبير كانط – في مثل هذا السناريو؟ هل بإمكاننا إرجاع الحقوق لأصحابها إذا كان قانون الدولة هو من يشرع السرقة. وعليه، تقع المسؤولية التامة على عاتق مُشرعي القانون، ولو كان القائم بهذا الانتهاك هو عنصر مجتمعي.

في قطر، لا يُعدّ “الاغتصاب الزوجي” أو “العنف المنزلي” جريمة بخلاف المادة 57 من القانون رقم 22 لسنة 2006 الخاص بالأسرة والأحوال الشخصية، التي تمنع الأزواج من إيذاء زوجاتهم جسديًا أو معنويًا والأحكام العامة المتعلقة بالاعتداء، بالإمكان في هذا السياق مراجعة تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش 2018. وكذلك هو الحال في دول خليجية أخرى تتوافق وقطر في مثل هذه القوانين، لا وجود لقانون صارم وواضح يجرم هذا العنف. ولذلك، يعد العنف الأسري أحد أهم أسباب لجوء الفتيات إلى الخارج، هذا العنف الذي ولئن كان سببه سلوكيات اجتماعية خاطئة إلا أن غياب التشريع والقانون الذي يدافع عن كرامة المرأة، هو ما ساهم ويساهم في انتشار هذا العنف، بل وتوارثه جيلًا بعد جيل.

اللجوء ليس مشكلة أُسريّة وحسب

تمثّل الإدعاءات التي تذهب إلى أن حالات اللجوء للفتيات الخليجيات تنبع من مشاكل “أسرية” ولا دخل لها بقوانين الدولة، فهمًا مجحفًا وخاطئًا لواقع معاناة المرأة الخليجية. غالباً ما تصدر هذه الإدعاءات من باب “المناكفة” والمجاملة “الفجة” للدولة من خلال انكار الواقع المُعاش وتبرئة صناع القرار. شيطنة هذه الحالات ومحاولة إسكات الضحايا وتشويه المطالبات هي محاولة ساذجة للفت الأنظار والإنتباه عن المشكلة، ومحاولة فهمها وايجاد الحلول المناسبة لها.

وبجانب عدم وجود قوانين تجرم “العنف”، تتكامل بقية القوانين في دول الخليج بصورة تمييزية ضد المرأة، مرتكزة على مبدأ “ولاية الرجل” على المرأة. في قطر على وجه الخصوص، ما زالت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي تشترط على المرأة دون الخامسة والعشرين من عمرها الحصول على تصريح للسفر، يأتي ذلك بعد أن أزالت المملكة العربية السعودية تصاريح السفر العام المنصرم. وكذلك هو الحال مع تحصيل “الموافقة على العمل” وهو ما يمثل خرقًا لتوقيع قطر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). وهي الإتفاقية التي تضع عليها دول الخليج “التحفظات” لأسباب تقول أنها تعلق بالدين والأعراف الاجتماعية.

المرأة الخليجية بوصفها لاجئة سياسية

فيما يتعلّق واللجوء السياسي، يجب الإلتفات إلى سياسات وممارسات الاستبداد السياسي للسلطات الخليجية تجاه الناشطات السياسيات والحقوقيات الخليجيات اللاتي يتعرضن للملاحقة والاستهداف والسجن، وهو اضطر الكثيرات منهم لخيار اللجوء إلى الخارج.

اليوم، ثمّة العديد من الناشطات الخليجيات الملهمات في المهجر؛ وهو ما يستحق التركيز والانتباه، حيث لم تكن المرأة الخليجية مستثناة من استهداف السلطات في دول الخليج.

يكرّس النظام الأبوي الذكوري الذي يسيطر على جميع جوانب ومحطات حياة المرأة في دول الخليج (التعليم، العمل، السكن، والزواج) حجر الزاوية في اللجوء خوفًا من سطوة المجتمع وعنفه الرمزي والجسدي، على حد سواء. وهو ما يحيل المرأة في دول الخليج إلى أن تكون مواطنتها منقوصة، مواطنة من الدرجة الثانية، حيث لا قرار لها، ولا استقلالية، ولا حقوق.

تضع غالبية المجتمعات الخليجية المرأة في قالب مكسور، ناقص للأهلية والكرامة، حيث تنشأ الطفلة على نمط مختلف عن الطفل، وحيث تكون “جاهزة” و”مهيئة” لتقبل بهذه “الصورة” التي يطلبها ويريدها العقل الجمعي الذكوري في هذه المجتمعات.

المؤسسة الدينية: شركاء الجريمة

تمثّل المؤسسة الدينية أحد أهم عوامل تكريس هذه الثقافة الحاطّة بكرامة المرأة والتي تزيد من الضرر الإجتماعي عليها. يلعب مشايخ المال – وعّاظ السلاطين بتعبير د. علي الوردي – دور المشرّع وآداة التبرير لمختلف السياسات والعادات الاجتماعية المتعسّفة في دول الخليج.

يحاول بعض رجال الدين التعزيز من “دونية” المرأة وضعفها، بل وشيطنتها أيضًا. رغم ذلك، لا يمكن الإلتفات جانبًا عن أن هناك ما يشبه “الصحوة” في الخليج، وأن هذا التقدم استطاع إحداث تغيير في العقل الجمعي الخليجي ونظرته للمرأة، وكيفية التعامل معها، لكنها “صحوة” بطيئة الحركة ومحدودة التأثير.

الأولى بدول الخليج هو أن تعيد النظر إلى حالات لجوء الفتيات إلى الخارج بإعتبارها جرس إنذار. وأن تتفهم أن الحلول الحقيقية هي في القبول والشروع بإحداث تغييرات اجتماعية وسياسية تضمن تصحيح أوضاع المرأة، فمن واجب الأوطان أن تكون الملاذ الآمن، وبلد اللجوء الأول.

ما تنتظره المرأة الخليجية، داخل بداننا أو خارجها، هو إصلاح جذري وحقيقي لجميع تشريعات الدولة بما يضمن أن تحترم الدولة حرية وحقوق مواطنيها كافة، نساءًا ورجالًا، على حد سواء. هو أن ننجز “دولة المواطنة”، حيث تحفظ الدولة للفرد حريته وحقوقه، هو أن تتحقق وتُحترم جميع مواد الدستور التي تنادي بأن المواطنين والمواطنات متساوون. الذي تنتظره المرأة الخليجية هو أن تؤمن الأنظمة السياسية في الخليج، إيمانًا حقيقيًا، بأن لا أفق لوجود مجتمع متطور متحضر في حال استمرت المرأة “قاصرًا”، تعيش بمواطنة مُنتقصة وبكرامة منقوصة.

في الحقيقة، بقدر ما قد تبدو فيه خيارات المرأة الخليجية في الهجرة أو اللجوء خيارات صدامية، لها سياقاتها وتجاربها الشخصية، بقدر ما تعني أنها محاولة للكشف عن خلل اجتماعي يجب أن يخضع للنقاش، ولإقتراح اصلاحات يجب أن تشرع الدولة بها، وصولاً لضمان حق المرأة في مواطنة متساوية وحقوق كاملة. هنا يكون اللجوء ليس أكثر من محاولة جادة وناضجة للعمل على التغيير المجتمعي والسياسي.

المرأة الخليجية

المرأة الخليجية

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015