اللجنة الدستوريّة السوريّة: صمت نسوي قاتل!
اللجنة الدستورية السورية/ جنيف

د.منى غانم/ موقع (كلنا شركاء) الإلكتروني- بدأت اللجنة الدستوريّة السوريّة، التي طال انتظارها، أعمالها في مدينة جنيف السويسرية الأسبوع الماضي، بمحاصصة سياسية واضحة بين الدول الضامنة لمسار أستانا بشكل أساسي، وبين باقي الدول المنخرطة بالصراع في سوريا بشكل ثانوي.

يمكن القول إنّ هذه المحاصصة السياسية تخضع لمبدأ 2+2 ونصف، حيث تمّت القسمة الرئيسة بشكل أساسي بين روسيا وتركيا، بينما تقاسمت الحصة الباقية باقي الدول كإيران ومحور مصر-السعودية-الإمارات مع بعض الدول الغربية الأساسية كفرنسا، أما حصة النصف فيمكن القول إنها حصة النظام السوري الذي عبّر عن عدم رضاه على هذه الحصة من خلال كلام الرئيس الأسد في مقابلته الأخيرة على الفضائية السورية، حيث وصف أعضاء اللجنة الدستورية الذين تمّت تسميتهم من قبل الدولة السورية بأنهم أصدقاء الدولة السورية، وليسوا ممثلين عنها، في محاولةٍ منه لزيادة حصّته السياسية فيما سينتج عن هذه اللجنة من هياكل سياسية.

لم تترافق هذه المحاصصة بتمثيلٍ كافٍ للحركة النسائية السورية، رغم وجود بعضٍ من السيدات السوريّات الداعمات لحقوق المرأة والمُنَاضِلات لأجل تحقيقها في اللجنة الدستورية. كما ترافق بدء نشاط اللجنة الدستورية بغيابٍ كامل لصوت المنظمات النسوية، التي يُفتَرَض بها أن تُذكّر بحقوق النساء عند كلّ منعطفٍ سياسي، واللجنة الدستورية ليست أي منعطف.

وعلى الرغم من إشارة بعض عضوات اللجنة المذكورة في كلماتهنّ الرسمية لأهمية قضايا المرأة في المرحلة القادمة، إلا أنّه -على الأقل فيما وصلنا من هذه الكلمات- لم يتم الإشارة إلى القرار الأممي 1325، الذي طالما عملت السوريّات على الترويج له والتدريب عليه في سنوات الحرب الماضية.

من نافل القول، أن عملية وضع الدستور للدول في فترة ما بعد الصراعات المُسَلَّحة، هي عملية بناء نظامٍ سياسي جديد من قبل الأفرقاء السياسيين والعسكريين المُنخرِطين في الصراع، أو بعبارة أخرى، عملية تقاسم للسلطة بين اللاعبين الأساسين، أو بالأحرى انعكاس لتقاسم السلطة بين الدول المنخرطة في الصراع.

لقد عَمَدَت السلطة السورية، بعد أحداث الإخوان المسلمين في الثمانينيات، على تقاسم السلطة والمجتمع مع الإسلاميين، فكان للسلطة السورية الفضاء العام، وللإسلاميين الفضاء الخاص بما يتعلّق ببناء الإنسان السوري من خلال منح التيارات الإسلامية القطاع التعليمي الخاص، وإبقاء فضاء الأسرة، خاضعاً للقوانين الدينية، فلم يقم النظام السوري بأي تعديل أو تحديث على قانون الأحوال الشخصية، وأبقى المرأة السورية تحت نير قانون عصملي\ عثماني بائد، يتحكّم بها رجل العائلة كيفما شاء بذرائع العُرف والعادات والتعاليم الدينية و قتلها دون أي عقاب يُذكر بحجّة الدفاع عن الشرف.

رغم محاولات النظام السوري، خلال السنوات التسع الماضية، الترويج لنفسه كقوة حداثيّة وعلمانيّة في مواجهة التيارات المُعَارِضة الأُصولية، إلا إنه أيضاً لم يتخذ أي خطوة باتجاه تحسين أوضاع النساء، بل على العكس قام بإلغاء منظمة الاتحاد النسائي، التي كانت تُعتَبر، على ضعفها، الألية المؤسساتية للمرأة في سوريا التي ساهمت إلى حدٍّ كبير في تطوير النساء الريفيّات خاصّةً في مجال محو الأُميّة.

ستكون قضية المرأة ودور الأقليات في الحياة السياسية السورية من أهم القضايا التي سيتفاوض عليها النظام السوري مع المعارضة أثناء عملية وضع الدستور، بعد أن تمّ حسم قضايا الخلاف الكبيرة بمفاوضاتٍ روسية-أمريكية ومفاوضات الدول الضامنة في مسار الآستانة.

من نافل القول، أن قضية الأقليات تشكّل أولوية للنظام السوري؛ لأسباب تتعلّق بطبيعة التوازنات السياسية في المجتمع السوري و تركيبة السلطة، ولكون “حماية الأقليّات” هي من أهم الأوراق الرابحة التي اعتمد عليها النظام السوري في الترويج لنفسه دولياً، وبالتالي لن يقاتل أيٌّ من ممثلي النظام لتمرير مكاسب للنساء في الدستور الذي ستتم صياغته من قبل اللجنة الدستورية، مقابل الحصول على موافقة المعارضة بما تريده السلطة السوريّة في ملف الأقليّات.

يتطلّب الوضع الحالي جهوداً كبيرة من المنظمات النسوية السورية للتعاون و التوحّد، بغضّ النظر عن تموضع شخصياتها السياسي، إذ إن عملية تضمين الدستور لقضايا المرأة و ضمان مشاركة المرأة في الحياة السياسية في سوريا المستقبل ضرورة وطنية قبل أن تكون مطلباً نسوياً، إذ لن يستقيم السلم الأهلي و لن تتحقّق التنمية دون مشاركة حقيقة للنساء في صنع القرار السياسي.

وبالتالي على القوى السياسية التي تعمل على هندسة عملية تقاسم السلطة، أن تعي أنّ للنساء حصّة في هذه العملية، وعلى النساء السوريّات أن يدركن أنّ فترة كتابة الدستور السوري هي فرصتهنّ التاريخية الوحيدة للنهوض بأوضاعهنّ، وبالتالي عليهنّ أن يتحدن في قوّة فاعلة ومؤثّرة.

يبدو لي أنّ هذا المطلب صعب التحقيق، فمازال التشرذم يحكم الحركة النسائية السورية، وسيحتاج الأمر أن تعي قيادات هذه الحركة أن تضامنها اليوم هو حماية لمستقبلها الفردي و الجمعي، كما أنه، رغم الكره الشديد بين السلطة السورية والمعارضة، إلا أنّ كليهما يكره الحركات النسائية أكثر مما يكره الآخر بكثير ومستعد للعمل المشترك لتدمير هذه الحركة.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

اللجنة الدستورية السورية/ جنيف

اللجنة الدستورية السورية/ جنيف

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015