المرأة التّونسية لم تستكن إنّما هي تنوّع نضالاتها!

لينا بن مهني/موقع إرفع صوتك- تحتفي تونس بالدّفاع عن حقوق المرأة مرّتين كلّ عام: يوم 8 آذار/مارس وهو اليوم العالمي لحقوق المرأة، ويوم 13 آب/أغسطس، العيد الوطنيّ للمرأة.

ومنذ أن هبّت رياح الثّورة أصبح من غير المفاجئ أن تحتلّ حقوق المرأة صدارة الأحداث مرّات ومرّات كلّ عام. ومن ذلك أنّ أول وأضخم مظاهرة ملأت وسط العاصمة بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011 بأيّام كانت مظاهرة النّساء المطالبات بالمساواة والعدل والدّيمقراطية. وكانت مظاهرة ناجحة بكلّ المقاييس، رغم أنّ بعض فلول ميليشيات النّظام القديم، وكمشة من “طلائع” غلاة السّلفيين قد حاولت مهاجمتها.

ومن ذلك أيضا أنّ صائفة عام 2013 كانت أوّلاً وقبل أيّ شيء صائفة نساء تونس اللاّتي رفضن أن يكتب الدّستور الجديد بما يحقّر من شأنهنّ وأن يُعتبرن “مكمّلات للرّجل” فقط ليس إلاّ.

و إذ مرّ يوم 8 مارس من العام الجديد دون تحرّكات جماهيرية واسعة، فإنّ بعض الأصوات قد تساءلت أو حتّى حاولت أن توحي أنّ احتجاجات النّساء سوف تخفت.

وفات هذه الأصوات أن تتعدّى ظاهر الأمور إلى ما هو أعمق وأثبت.

كلاّ! المرأة التّونسية لم تستكن ولم تنخدع ولم تتنازل عن مطالب لطالما تمسّكت بها وعبّرت عنها حتّى والنّظام الجائر القديم يلقي بكلكله على كلّ ساحات الوطن.

المرأة التّونسية لم تكتف ولم تنثن ولم يشلّ الإحباط السّائد عزائمها.

المرأة التّونسية بحسّها المرهف وبسخاء الأمومة الّذي يسمها قرأت الّلحظة الرّاهنة كما لم يقرأها السّاسة، واستشفّت التّطوّرات كما لم يستشفّها “الخبراء”، واستمدّت من قدرتها البالغة على الصّبر ما ييسّر تجاوز ردّ الفعل إلى الفعل، وما يزيّن التّعالي عن الانفعال للتّشبّث بالمنطقيّ والممكن إعداداً للأبهى والأنسب.

المرأة التّونسية لم تخرج للشّارع هذه المرّة في مظاهرات صاخبة تعلن احتجاجها وتثبّت مطالبها.

ولكنّ المرأة التّونسية كانت في الشّارع ولم تفارقه أو تبتعد عنه، لا يوم 8 مارس ولا خلال الأيّام الّتي سبقته والأيّام الّتي تلته.

تحدّت المرأة التّونسية الإرهاب فاستمرّت تحيى وتسعى وتناضل.

وشاركت في مواجهة الإرهاب بتلافي إثقال كاهل المعنيّين، وعزمت على أن لا تشغلهم بغير حفظ أمن الوطن.

المرأة التّونسية أعطت الوطن في بن قردان ومنذ الّلحظات الأولى للعدوان ملاكا، حمت أخاها وفدته، وعرّت أكثر حقيقة المهاجمين البشعة، وخطّت للمستقبل مسارا لن يحاد عنه.

المرأة التّونسية أثبتت مرّة أخرى أنّها فاعلة وكاملة وقويّة ومدركة وإنسانة لا نقص فيها فزغردت لشهدائها، ورعت حماة الوطن وترفّعت عن البكاء واشتهت مزيد التّضحيات وألقت عرض الحائط بأوهام الباغين حتّى إنّنا سمعنا الأمّ مثل الأب، بل قبله، تتعفّف عن أن تروم غير لفظ من ابنها إذا رأت فيه خيانة للوطن.

المرأة التّونسية تبيّنت مرّة أخرى وأبانت الخطّ الفاصل بين القلب والقلب، وجزمت أن لا حبيب قبل الوطن.

المرأة التّونسية أثبتت مرّة جديدة أنّها الوطن والبذل، وفعلت ذلك دون جعجعة ولا تهافت على المنابر ولا لوك للشّعارات ولا تبجّح.

و إلى ذلك لم تنس المرأة التّونسية أن تستمرّ في سعيها إلى تحقيق ذاتها بشرا كالبشر، ومواطنة كاملة الأوصاف عطاء وأخذاً وتفاعلا: فالمرأة التّونسية لم تترك يوم 8 مارس يمضي دون أن تجدّد تماسكها وتمسّكها بالمساواة كلّية ودون استثناء، أو نقصان ولعلّ خير ما يؤكّد ذلك أنّ الرئيسة الجديدة لجمعية النّساء الدّيمقراطيات قد سارعت، أوّل ما سارعت، إلى المناداة بالمساواة في الميراث.

وأيضا هذا السّعي الجادّ إلى استصدار قانون أساسيّ يتصدّى بحقّ للعنف المسلّط على النّساء ويجرّم بوضوح الاغتصاب والتّحرّش.

كلاّ ! المرأة التّونسية لم تتراجع ولم تكلّ ولم تخنع.

المرأة التّونسية تتصدّى على أكثر من جبهة وتطلع على الغادرين ودعاة الإفك والمنادين إلى القرون الخوالي من كلّ شقّ ومسرب: في المسرح والسّينما والرّسوم السّاخرة والتّدوين وقيادة المجتمع المدنيّ وساحات القتال…

الكاتبة لينا بن مهني هي ناشطة حقوقية ومدونة وصحافية من تونس. عُرفت بمعارضتها لسياسة حجب المواقع على شبكة الانترنت تحت نظام بن علي. ساهمت في تغطية أحداث الثورة في جهات مختلفة من تونس. وهي الآن تواصل الكتابة على التدوينة ونشاطها الحقوقي. ألفت كتاباً ترجم إلى ثماني لغات، وتحصلت على عدة جوائز من بينها: البوبز، وجائزة الصحافة العالمية لصحيفة المندو الإسبانية، وجائزة الصحافة العالمية بـ إسكيا – إيطاليا، وجائزة السلام العالمي شان ماك برايد. تم ترشيحها لنيل جائزة نوبل للسلام للعام 2011.

نساء تونسيات في احتفالية 13 آب 2013 AFP/Getty Images

نساء تونسيات في احتفالية 13 آب 2013
AFP/Getty Images

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015