المرأة العربية بين العلم والإعلان
رسم نور فليحان nouriflayhan

فاطمة عطفة/ raialyoum- قضية المرأة وحريتها في المؤتمرات والمناظرات وحتى في الإعلانات التلفزيونية فرجة مسلية تثير كثيرا من الأسئلة، وكأنها ليست إنسانا ولكنها دمية أو كائن فضائي قادم من المريخ أو أي كوكب آخر. والمصيبة حين يضعونها في موقف حربي ضد الرجل، وكأن البنت والولد لم يهبطا من رحم واحد، أو كأنهما من سلالة داحس والغبراء ولا ينقصهما إلا تجريد السيوف.

وأنا هنا لا أنكر أن أمهاتنا وجداتنا تعرضن لمظالم تاريخية شتى، لكن ظلم المرأة للمرأة لا يقل حدة وفظاعة في كثير من الأحيان عن ظلم الرجل، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا.. أو حتى من فلذات كبدها. تلك سمة تاريخية تؤكد أن الرجل مظلوم أيضا، ويكفي أن نستعرض مشاهد وأحداثا من التاريخ، وهو في الواقع ظلم طبقي، فمن يملك سلطة الحكم أو المال أو العلم أحيانا، بداية من البيت حتى أقوى الإمبراطوريات نجد أن السياف قطع من رؤوس الرجال أعدادا لا تحصى، في حين ظلت المرأة تعاني من درجة دنيا في البيت والمجتمع والعمل. لكن استحضار الأمثلة من التاريخ ومن الأساطير يؤكد لنا أن حالة الظلم ليست قدرا غيبيا لا يد للإنسان به.

ـ في ملحمة جلجاميش البابلية، تقوم المرأة بترويض أنكيدو وتحويله من حياته الوحشية إلى الحياة الإنسانية عن طريق الحب، الحب الجسدي تحديدا…

ـ وفي أساطير الشرق والغرب توجد ربات إلى جانب الأرباب…

ـ وفي تاريخنا القديم نصادف بلقيس وكليوبترا وزنوبيا…

ـ وفي تراثنا العربي القديم نجد الخنساء وليلى الأخيلية وهند بنت عتبة وخولة بنت الأزور وسكينة بنت الحسين وولادة بنت المستكفي وزبيدة زوجة الرشيد وكثيرات غيرهن…

ـ وفي ثورات التحرير والاستقلال ظهرت عشرات النساء المجاهدات الجديرات بأن تكتب أسماؤهن بحروف من نور، لكنهن بقين جنديات مجهولات مثل أي جندي مجهول عاش وكافح واستشهد وهو يقوم بواجبه الوطني والإنساني دون أن ينتظر مكافأة أو ثمنا لأعماله البطولي المجيدة.

هذه مجرد عناوين وخطوط عريضة خطرت لي وأنا أفكر في موضوع هذه الخاطرة. فمنذ أقدم العصور نرى أن المرأة جزء لا يتجزأ، إذا لم نقل الجزء الأهم من جهود البشر وتطلعاتهم نحو بناء البيت الآمن. وهذا يؤكد ما توصلت إليه الشعوب المتقدمة حين رسخت المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات. فالعلاقة بين الرجل والمرأة ليست علاقة تناقض وحرب، وإنما هي مشاركة وتكامل لتحقيق إنسانية الإنسان بقيمه وإنجازاته وأحلامه.

التنظيرات التي تطالعنا بها الصحف والفضائيات والمؤتمرات جعلت موضوع المرأة وتحررها مناسبة موسمية، بغض النظر إن كانت تلك المناظرات تخرج بنتيجة إيجابية نستفيد منها أو العكس. لكن قضية المرأة العربية لا يمكن فصلها عن البيت والأسرة لأنها جزء من المجتمع، ومن يحاول فصلهما يسعى إلى تحويلها إلى دمية أو تحفة أو صورة فولكلورية أو موديل يتغير حسب المصمم والفصول.

المسألة الأولى التي تواجهنا هي مسألة تربوية، تبدأ من البيت وتمر بالمدرسة والمنتدى الثقافي والنقابة والحزب والشارع وتنتهي بالإعلام والفضائيات وإعلاناتها… وهنا تتحول المسألة إلى مشكلة يعود وجودها إلى عدة أسباب. السبب الأساسي أن مجتمعاتنا لم تتشكل تماما على أساس المواطنة والمساواة أمام القانون، ولم يحصل هذا المواطن، سواء الرجل أو المرأة، على حقوقه الإنسانية التي كفلتها الشرائع والقوانين، كما هي حال البلدان التي سبقتنا في العلم والتقدم والبناء الحضاري. مجتمعاتنا العربية والإسلامية ما زالت ترزح تحت سلطة العشيرة بالمعنى القديم المتخلف، وحتى بعض الأحزاب الحديثة تبدو مثل القبائل، وخاصة  في حالة التعصب. وفي بعض الأحيان والمناطق ما زالت سلطة العائلة والعشيرة هي السائدة والمهيمنة. وحتى في القرية والمدينة أو الحارة الواحدة، نجد اختلافا في مستويات الوعي والتربية والتعليم والتحصيل الثقافي يختلف من بيت إلى آخر. والسبب في رأيي أن الموروثات والتقاليد البعيدة عن العلم، والمحشوة بالخرافة في أحيان كثيرة، ما زالت هي المسيطرة. وهذا يعني أن العلوم لم تدخل بعد في بنية مجتمعنا، ولكنها بقيت محبوسة في بطون الكتب ولا يستفيد منها إلا قلة من المتعلمين.

وهذه المشكلة لا نتحمل مسؤولية استمرارها وحدنا، لأن الآخر (الغرب تحديدا) ما زال ينظر ويتعامل مع مجتمعاتنا وكأنها صورة ثابتة مكررة من “حكايات ألف ليلة وليلة”. وقد واجهت بنفسي هذه  النظرة الاستشراقية المتكبرة والزائغة من خلال المحاضرات العديدة التي قدمتها شخصيات غربية لها بريقها في بلادها. وهذه النظرة بعيدة عن فهم واقعنا وفهم الظروف الاجتماعية والتاريخية لهذا الواقع، سواء كان على المستوى الفردي أو الجماعي.

ولكن لنترك الغرب وشأنه ولنرجع إلى واقعنا. إذا كانت المرأة تعتبر نفسها ضحية للمجتمع وضحية للرجل، فإن الرجل هو ضحية مجتمعه كذلك، ويمكن أن يكون ضحية للمرأة أيضا، وتوجد حالات كثيرة تؤكد ذلك. وهكذا نكون قد دخلنا في دائرة بدايتها ونهايتها في يد الإنسان وليس القدر، كما يعتقد كثيرون.

أحيانا نجد أن الشكوى عند المرأة مستمرة لا تتغير، وكأنها تعودت على الألم والتشكي حتى أصبح ذلك عند بعض النساء عادة دائمة وكأن الشكوى أصبحت جزءا من سعادتهن! ولكن للرجال أيضا شكاواهم ويجب أن نسأل أنفسنا عما يزعجهم وأن نعمل للتخفيف عنهم، بقدر ما نطالبهم بفهم معاناتنا والتخفيف عنا. وأنا أضع مسؤولية أكبر على المرأة لأنها الأقدر والأصلب، وهي تملك قدرة هائلة من التحمل والصبر وحسن التصرف والمداراة. فإن استخدمت كل إمكانياتها بالشكل الصحيح فهي تستطيع أن تعمل المستحيل إذا واتتها الظروف.

إن أكثر شيء يؤذي المرأة ويلغي دورها هو أن تشعر بالضعف والانكسار أمام الصعوبات العديدة التي تواجهها، ويجب أن تعلم أن الضعف يصيب الرجل والمرأة على حد سواء، ولا بد لها أن تتغلب على هذه الحالة. ليس على المرأة أن تنظر إلى نفسها كفرد، بل إن معاناتها تعني أن المجتمع كله يعاني، وكل من فيه يشكو الشيء ذاته، نظرا لمكانتها المؤثرة في الأسرة. فأنا أرى وأؤمن بأن مكانة المرأة مثل مكانة الوطن، وأي أزمة تعصف بهما يكون تأثيرها المباشر على الجميع.

رسم نور فليحان nouriflayhan

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبتها/كاتبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015