المرأة في الدراما السورية.. صور نمطية أم مقاومة للواقع؟
المرأة في الدراما السورية..

حلا الإبراهيم\enabbaladi- رغم أن الأديب والروائي المصري نجيب محفوظ، اعتبر أن شخصية أحمد عبد الجواد (سي السيد)، بطل روايته “بين القصرين”، هي “محض خيال ولا وجود لها في الواقع”، وذلك في كتاب مذكراته، لكن المسلسل الذي استند إلى الرواية المذكورة كرس هذه الشخصية وحفظها في ذاكرة الجمهور لفترة طويلة.

يظهر “سي السيد” وهو جالس يتناول طعام العشاء مع أبنائه الذكور، الذين لم يتجاوزوا مرحلة الطفولة، بينما ابنتاه خديجة وعائشة الكبيرتان، وأمهما أمينة، واقفات حولهم ينتظرن أن ينهوا عشاءهم ليأتي دورهن في تناول الطعام، وهذا ليس من فقر، إذ كان أحمد عبد الجواد من كبار التجار، وإنما كان لفرض فكرة أن أبناءه متميزون عن شقيقاتهم فقط لأنهم ذكور.

يرى الكاتب السوري محمد خطيب بدلة أن الدراما المصرية هي أم الدراما العربية، بما فيها السورية، التي ورثت عنها الكثير من القيم، خصوصًا بما يتعلق بالمرأة.

يقول بدلة لعنب بلدي “إن قضية المرأة في الدراما هي قضية إشكالية منذ أيام الدراما المصرية التي انتقلت إلى السورية بكل ما فيها من قيم، خصوصًا ظهور المرأة الجميلة في الدراما، الذي من شأنه أن يؤمّن تسويقًا أفضل للأعمال الدرامية”.

ويؤكّد الناقد الفني جلال سيريس في حديثه لعنب بلدي كلام خطيب بدلة ويضيف “تحوّلت المرأة في بعض المسلسلات السورية إلى سلعة تلهث وراءها المحطات الفضائية لعرض الممثلة الأجمل والأكثر أناقة، بغض النظر عن موهبتها في التمثيل”.

عندما تكون الدراما السورية مرآة للواقع

عكست الدراما على مرّ السنوات التناقضات الموجودة في المجتمع، وتناولت قضايا المرأة المختلفة، سواء في تعرّضها للاضطهاد أو تعنيفها أو حتى إظهارها بمظهر مثالي، وكان للدراما السورية الريادة في هذا التنوّع.

ومع صورتها كمضطَهَدة ومعنَّفة، ظهرت المرأة في أحيان كثيرة بصورة مثالية، تكرّس دورها الإيجابي في المجتمع.

يقول الناقد جلال سيريس “سابقًا كان موضوع اضطهاد المرأة في الدراما السورية لا يحظى بهذا الزخم الكبير، فكانت المرأة تظهر بشكل طبيعي أقرب إلى الواقع، المرأة العادية التي لا يختلف دورها في المجتمع أحيانًا عن الرجل، مثل شخصية (فطوم حيص بيص) في مسلسل (صح النوم) الذي يقدّمها بصورة فاعلة، والرجال تابعون لها، وهي الآمرة الناهية”.

ويرى سيريس أنّ الدراما السورية الحديثة فيها أيضًا مسلسلات تناولت المرأة بشكل مقارب للواقع كما في مسلسل “قلم حمرة”، الذي يصفه بأنه “واقعي جدًا وأعطى نموذجًا للمرأة السورية القوية التي ليس لديها هاجس الزواج، ولديها إمكانية العيش وتربية أولادها بدون وجود ذكر، وهذا صحيح وموجود في كثير من أمثلة الحياة، ويظهر ذلك من خلال الشخصية التي لعبتها الممثلة كاريس بشار في المسلسل”.

مشاهدة عالية في مجتمع ذكوري

هناك مسلسلات قدّمت الصورة التقليدية للمرأة الخانعة لسلطة الرجال، بعض هذه المسلسلات حققت الشعبيةَ العظمى في الشارع العربي، الأمر الذي يؤكّد هيمنة نمط التفكير الذكوري السلطوي في شارع لا يزال سواد جمهوره خارجًا من طفولة يملؤها عنف مسلسلات الأطفال والعنف التربوي الذكوري، وميالًا إلى العنف بأشكاله ومن ضمنه العنف ضد المرأة.

ويؤكّد الناقد سيريس ذلك “تكمن خطورة الدراما عندما تقدّم أمثلة عليا، فيتحوّل بطل المسلسل المعنّف للمرأة إلى قدوة لكثير من الرجال، كما حصل في مسلسل (باب الحارة) الذي يُظهر الأشخاص الذين يعنّفون المرأة على أنهم أشخاص طيبون ويتمتعون بقدر كبير من العلم والأخلاق، فيجعلهم قدوةً للكثيرين، كما يكرّس فكرة اضطهاد وتعنيف المرأة في المجتمع”.

ويضيف سيريس “في الدراما الغربية غالبًا ما يظهر الشخص الذي يعنّف المرأة على أنه شاذ أخلاقيًا ومن طبعه الإجرام، وليس سويًا أبدًا، وهذا يساعد على نبذ فكرة العنف بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص، إذ تعتبر الدراما محرّضًا لكثير من الأفكار في المجتمع”.

ويؤكّد ذلك الكاتب خطيب بدلة، ويرى أن بعض المسلسلات التي تقدم صورة نمطية للمرأة بكونها مضطَهَدة حظيت بنسبة مشاهدة كبيرة مثل (باب الحارة)، “لأنها مسلسلات شعبية ويحاول صانعوها أن يصوّروا المرأة بشكل متماهٍ مع نظرة هذا المجتمع الذكوري، بكونها ذلك الكائن الضعيف الذي لا يساوي شيئًا دون الرجل”.

نساء معنَّفات بطلات في دراما هادفة

لم يقتصر تصوير المرأة على أنها مضطَهَدة ومعنَّفة على مسلسلات “البيئة الشامية”، بل أيضًا قدّمت الدراما السورية مسلسلات كانت بطلات قصصها نساء معنَّفات ومضطَهَدات، ليس لتكريس ممارسة العنف ضدّهن وإنما لوقف هذا السلوك، وذلك عن طريق تصوير ما يسبّبه العنف سواء للمرأة وحتى للأطفال في المستقبل.

ومن هذه المسلسلات ما يُصنّف كأحد أهم الأعمال التي قدّمتها الدراما السورية خلال فترة ازدهارها بداية الألفية الثالثة، منها “زمن العار”، و”غزلان في غابة الذئاب” للمخرجة رشا شربتجي، اللذان طرحا قضايا نساء يتعرّضن للظلم والتهميش والتعنيف، وما نجم عن تلك المعاملة من آثار مجتمعية سلبية، مقدّمين تحذيرات للمجتمع من اتباع هذا السلوك العنيف.

وكذلك مسلسلات مثل “رجال تحت الطربوش”، و”ظل امرأة” الذي لعب دورًا كبيرًا في رفع سن الحضانة وتعديل قانون الأحوال الشخصية.

ويطرح خطيب بدلة نماذج عن كاتبات سوريات حملن قضية مناهضة العنف ضد المرأة في كتاباتهن التي تحوّلت إلى مسلسلات، مثل يم مشهدي، وريم حنا، بالإضافة إلى كتاب ذكور مثل رافي وهبي، قدّموا أعمالًا عبّرت عن تطلّعات المجتمع بأن تكون المرأة قائدةً لنفسها وأحيانًا لغيرها مثل شخصية “وردة” في مسلسل “غدًا نلتقي” التي تعتمد على نفسها في مخيم اللجوء وتساعد جيرانها بمن فيهم الرجال، حتى تصل إلى أوروبا وتكمل دراستها.

ويرى بدلة أنّ الدراما في المحصلة ليست معنية دائمًا بنقل الواقع بحذافيره، ومع ذلك يجب على من يكتب للدراما أن يكون ذا عقلية منفتحة تقود إلى إيجاد حلول لكثير من أنواع العنف في المجتمع.

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

المرأة في الدراما السورية..

المرأة في الدراما السورية..

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015