المرأة وحروب من نوع جديد
النساء ضحايا الحرب

الحوار المتمدن- الحروب لا تعني فقط الدمار والقتل وغلبة طرف على آخر، ومن عاشها يدرك تماماً ما تفعل الحروب في الناس على أنواعهم ومعتقداتهم لأن الجانب الإنساني والنفسي فيها لا يُمكن تقديره لا سيما وأن الحرب تظهر عجز الأفراد وقلة حيلتهم وتنزع منهم أي قدرة على التأثير.

ففي الحرب تميل الشخصية الإنسانية للفردية بسبب تغير بيئتها المستقرة ومنها تغير البيت، والقرية أو المدينة بسبب دماره أو بسبب اللجوء هرباً من الموت والدمار، مما يؤدي لغياب الأصدقاء والأقرباء وهو جزء من افتقاد الأمن والاستقرار، وهذه الفردية تلتقي مع جماعات جديدة تجد من خلالها نوع من الطمأنينة لكنها لن تغير من الشخص فَهَمَّه الوحيد هو حفظ نفسه وأسرته، فعلى سبيل المثال في الحرب توزع المعونات في نقاط معينة، ومن لا يستطيع الوصول إليها لن يحصل على شيء وهذا يشمل الضعاف والعجائز والأطفال والمشردين.
وإذا ما أضفنا غياب القانون في الحرب والفوضى نحصل على قانون واحد يميز تلك المرحلة وهو (قانون الغاب) وفي ظله يفلت الكثيرين بلا عقاب، والمرأة أكثر ما يقع عليها في الحرب هو استغلالها في أبشع الصور خصوصاً من فقدنَ عائلاتهنَّ، أو حاضنتهنَّ الطبيعية، ويصبحنَ مطمع لكل سفيه ومارق، فما بالك لو فقدت معيلها وصارت هي معيل الأسرة، في هذه الحالة الضغط عليها يُصبح مضاعف في ظل الحالة الفردية التي تعيشها الأُسر والتي تحاول توفير طعامها ومبيتها بصعوبة لدرجة أنه لا مُتسع للآخرين في حياتهم.
والمرأة في الحرب تتعرض للقتل مثلها مثل الرجل خصوصاً في نوع الحروب الجديدة التي يشهدها العالم وخاصة عالمنا العربي فلم يعد القتال بين جيوش من الذكور يتبعون دولاً قائمة انما ما يحدث هو نوع جديد من الحروب تمارسه جماعات لوحدها من تفجيرات وإرهاب وخلافه، أو جماعات بحروب بالوكالة ضد دولتهم كما في سوريا، واليمن، أو ضد دول أخرى كما يحدث في تصدير الإرهاب وعولمة الحرب والتي أصبحت تضم طوائف عربية وأجنبية تحارب دولاً وتستنزف مقدراتها.
هذا الأمر في تغير نوع الحروب التي عهدناها أدى إلى عدم نجاعة مجلس الأمن الدولي في التأثير بأي نقطة ساخنة بالعالم، وكذلك صمت دولي يُطهر عجزاً واضحاً وأحياناً عدم الاهتمام بكل ما يجري.
وهنا وقعت المرأة ضحية القتل على الهوية كالرجل، وضحية شذوذ بعض الفئات فيما عرف (بنكاح الجهاد)، أو الاغتصاب بحجة الاختلاف الديني أو الطائفي.
الأمر الآخر أن الحرب تفضي إلى عجز في الموارد، وتدني في الرعاية الصحية، فعلى سبيل المثال سببت الحرب في مخيم اليرموك لوحده وهذا ينسحب على باقي أجزاء سوريا أن النساء لا يُكملن حملهن، والمرضعات غير قادرات على الإرضاع لسوء التغذية، وأن الجرَّاح الوحيد في المستشفى استشهد وحل محله طبيباً بيطرياً تساعده ثلاث قابلات للقيام بعمليات الولادة، والحواضن في قسم النساء توقفت، وتحول قسم النساء بأكمله لرعاية حالات سوء التغذية التي أفضت في العديد من الحالات للوفاة.
هذه ترجمة بسيطة لحالة الحرمان القصوى التي تواجهها المرأة في الحرب ومثال صارخ على أن الحرب مصطلح مرادف للموت ليس إلا.
في الحرب الأخيرة على قطاع غزة استشهدت 302 امرأة من أصل عدد شهداء بلغ 2152 أي بنسبة 14% وجرح منهنَّ 19.3%، وهذه نسبة كبيرة جداً للقتل في صفوف المدنيين حملت المرأة جزءاً كبيراً منها فهي التي تنجب وتحافظ على استمرار النوع لذا كانت هدفاً مثلها مثل المقاوم.
ويرتبط بتلك الحرب وفقدان العدد الكبير من النساء، وأزواجهنَّ مشكلة (اليتم) التي تضاعفت في الحرب وتحولت لمئات الأوجاع والجراح التي لا تُشفى أبداً.
هذا النوع من الحروب لا يترك مشكلة أرامل لأن المرأة أصبحت ضحية فيه مثل الرجل، لذا لم يتقلص الفارق بينهم خاصة إذا ما احتسبنا أن هناك أطفالاً وشيوخاً ضحايا لتلك الحروب.
لذلك من الصعب القول في ظل هذه الظروف أن المرأة حظيت بالاهتمام الكافي خصوصاً أن هناك عجز دولي، وصمت عربي، بل الأدهى أنها في مثل هذه التغيرات قد تتهم كما حدث في استغلال التجمعات المناهضة للعنف للتحرش بالنساء أو كما حدث في العديد من الثورات العربية مما قلص مشاركتهنَّ فيها، وهو ما أدى لضعف مشاركة المرأة فما بالك في الحروب التي قلصت نهائياً ليس مشاركة المرأة فحسب بل الشعب أصبح غير مقرر في مصيره، والذي ارتبط بالمنتفعين وتجار الحروب.

النساء ضحايا الحرب

النساء ضحايا الحرب

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015