النساء في عالم السياسة: إنجاز حقيقي أم حضور شكلي
لا مجال للتراجع

شيماء رحومة/ alarab- “العالم يحتاج ثورة تقودها امرأة”، لم يكن تبني هذه المقولة من قبل عدد كبير من المحتجين على أنظمة بلدانهم الدكتاتورية في العالم العربي اعتباطيا، بل يكشف عن شغور المناصب السياسية شبه الكلي من العنصر النسائي، وترى دراسة عربية حديثة في العنف الممارس ضد المرأة بالبرلمان أحد الأسباب التي تدفع المرأة إلى الإحجام والخوف من الترشح للانتخابات، وعائقا يحد من حرية تعبيرها عن مواقفها ومعالجة قضاياها.

تختلف نسبة مشاركة المرأة العربية في الحياة السياسية من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر حسب منظومة القوانين والقيم والأفكار التي تسود المجتمع. وشهدت العقود الأخيرة زيادة واضحة في وتيرة دعوات تمكين المرأة وإفساح المجال أمام مشاركتها في الحياة السياسية.

وعلى الرغم من هذه الدعوات الحثيثة، إلا أن جهود انخراط المرأة في الحياة السياسية لا تزال تواجه العديد من العقبات.

ويرى بعض المحللين أن هذه العقبات تكمن في أمرين أساسيين، أولهما قبول المجتمع نفسه باضطلاع المرأة بدور قيادي، وثانيا مدى انفتاح الأحزاب السياسية لإشراك المرأة في كوادرها.

كما يرتبط ضعف مشاركة المرأة، بضعف العمل السياسي العام في بعض الدول العربية نتيجة غياب تيارات سياسية وحزبية قوية وفاعلة.

ولفتت سلوى سعيد، محللة سياسية أكاديمية، ومرشحة برلمانية سابقة، إلى أنه في الكويت “لم يلعب التمييز فحسب دورا في ضعف تمثيل المرأة في عالم السياسة، بل يكمن هذا الضعف أيضا في غياب الأحزاب الذي أثر سلبا على نسب تمثيل المرأة”.

وأوضحت سعيد لـ”العرب” أن “هذا عائد إلى أن أسلوب الانتخاب يعتمد على الفردية التي تعمق دور الرجل وتهمش المرأة، نظرا إلى أن المجتمع لأسباب ثقافية ودينية يميل إلى تفضيل الرجل في العمل السياسي على المرأة، وقد عمق عدم وجود الأحزاب هذه المشكلة”.

إلا أن عدداً من التقارير والدراسات يعتبر أن مستقبل المشاركة السياسية والمجتمعية للمرأة متوقف على المرأة ذاتها ومدى قدرتها على التصدي لمحاولات تهميش دورها في المستقبل من قبل بعض القوى والنخب السياسية، ومدى قدرتها على الحفاظ على المكتسبات المجتمعية التي نالتها سابقا والتي جاءت نتيجة نضالها الطويل، وليس منحة أو هبة من أحد.

فالمرأة العربية تتحمّل أيضاً جزءاً كبيراً من مسؤولية قلة تمثيلها السياسي، نظراً لصمتها أمام عدم جدية الأنظمة العربية الحاكمة في إفساح المجال لها للمشاركة في صنع القرار.

وتؤكّد نساء كثيرات أن محاولاتهن للخروج عن هذا الصمت، غالباً ما تبوء بالفشل في إقناع المسؤولين العرب بأهمية دورهن في الحياة العامة والسياسية، أو الأصح لا يسمح لهن بذلك بسبب كمّ العقبات والعراقيل التي تُوضع في طريقهن للحد من تقدمهن وانطلاقهن نحو تحقيق طموحاتهن على جميع الأصعدة.

وتعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية ذات وجهين: يكمن الوجه الأول في الترشّح في الانتخابات، حيث تقرر خوض معترك الحياة السياسية بنفسها، والعمل من داخل المطبخ السياسي. أما الوجه الثاني فيتمثّل في الانتخاب، حيث تُقرر أن يكون لها صوت ودور في تحديد من يمثلها حتى يدافع عن حقوقها ويعبر عن مشكلاتها واهتماماتها.

وأظهرت الكثير من الإحصائيات المتعلقة بمدى تمكين المرأة العربية من ممارسة حقها في الترشح والانتخاب، أن نسب المترشحات عرفت تراجعا وتذبذبا، وقد صرحت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة التونسية السابقة، نزيهة العبيدي، مؤخراً، في مؤتمر صحافي على هامش الاجتماع الدوري لمجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل، “أنه رغم الجهود الوطنية المبذولة من أجل تكريس المساواة بين الجنسين، فإن نسب حضور المرأة في مواقع القرار والمسؤولية ما زالت دون المأمول”.

وأضافت العبيدي أن نسبة حضور المرأة لا تتجاوز 26 في المئة بمجلس نواب الشعب حاليّا مقابل 33.2 في المئة سنة 2014، و18.75 في المئة صلب الحكومة بـ6 أعضاء فقط من النساء (4 وزيرات وكاتبتا دولة) من مجموع 32.

كما أظهر استطلاع أجرته مؤسسة تومسون رويترز وشمل اثنتين وعشرين دولة عربية، أن ثلاثا من بين الدول الخمس التي طالتها انتفاضات الربيع العربي منذ عام 2011 -تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا– احتلت المراتب الأخيرة ضمن قائمة الدول العربية التي تراجعت فيها حقوق المرأة.

فقد احتلت مصر -طبقا للاستطلاع- المرتبة الأخيرة على القائمة. وجاء كل من اليمن وسوريا في المرتبتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة على التوالي.

واستندت نتيجة الاستطلاع إلى تقييم 336 خبيرا في حقوق المرأة بشأن مدى احترام الحكومات العربية للبنود الأساسية الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة من أجل القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إضافة إلى مدى انتشار ظاهرة العنف ضدها. كما شمل التقييم أيضا دورها في السياسة والاقتصاد.

العنف وراء ضعف التمثيل

كشفت دراسة عربية حديثة عن جملة من الأسباب الكامنة وراء هذا التمثيل الضعيف للمرأة في الحياة السياسية. ورصدت الدراسة التي أجرتها شبكة البرلمانيات العربيات للمساواة “رائدات” تحت عنوان “العنف ضد النساء في السياسة: البرلمانيات العربيات نموذجا”، ما تتعرض إليه البرلمانية من عنف.

وخلصت إلى أن نسبة 80 في المئة من البرلمانيات في الوطن العربي يتعرضن لعنف ممنهج، تختلف مصادره وأشكاله، ولا تتوقف ممارسته على جنس معين، فقد شكلت المرأة مصدرا للعنف يمارس ضد المرأة بنسبة 11 في المئة، في حين مثل الرجل47 في المئة.

وتقول رحاب حنان، نائبة برلمانية مغربية، “يجب الإقرار بأن الأرقام التي أوردتها الدراسة مخجلة ولاسيما أن الأمر متعلق بنساء رائدات تمكنّ من ولوج مؤسسة تشريعية”.

 

تعتقد حنان أن “من بين الأمور التي تشجع على العنف ضد النساء غياب قوانين منصفة، فإلقاء نظرة على القوانين التي تجرم العنف ضد المرأة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يبين أنه توجد دولتان فقط هما المغرب والأردن من أصل عشرة بلدان في المنطقة لديهما قوانين لمكافحة العنف الأسري”.

وتابعت النائبة البرلمانية المغربية “أما العنف الممارس داخل المؤسسات والشارع فالقوانين المجرمة -إن وجدت- تظل محتشمة كما أن إثباتها يظل صعبا وأحيانا مستحيلا”.

وأضافت أن “أدوات التنشئة في المجتمعات العربية وفي شمال أفريقيا تحتاج إلى التنقية، لأن القوانين وحدها لا تكفي، بل نحتاج كذلك إلى ثقافة تساعد الناشئ على تبني سلوكات جديدة تجاه النساء، تنبذ العنف وتؤمن بالمساواة الكاملة، وتنتصر لحق المرأة بالتواجد في الفضاء العام”.

وأشارت إلى أنه “لم يعد مقبولا اليوم السماح بتمرير رسائل ميسوجينية (مصطلح يعني كره النساء أو ازدراء المرأة) في الإعلام، في المدرسة، في المساجد وفي كل الأماكن المتدخلة في تربية الإنسان لأنها تتحول وتترجم إلى فعل عنيف تجاه النساء”.

ولعل هذا ما يفسر تبوّؤ الأصدقاء والعائلة المرتبتين الأولى والثانية على التوالي بحسب سجل الشكاوى المتكررة التي تقدمت بها البرلمانيات في حالات العنف، واللاتي تعرضن لها وفق ما جاء في الدراسة. وبذلك تكون الرسائل التي تكرس للمزيد من تهميش المرأة نجحت في تأليب حتى أقرب المؤيدين لها وتحويل البيئة التي كان من المفروض أن تكون بيئة مساندة وداعمة لها، إلى فضاء يمارس عليها ضغوطا مضاعفة.

ولم تكن الأحزاب التي تنتمي إليها بعض البرلمانيات بمنأى عن العنف الذي يمارس ضد المرأة، فالبرلمانية العربية تتعرض للعنف من قبل رئيس الحزب بنسبة 19.8 في المئة، ومن قبل زميل أو زميلة في الحزب بنسبة 15 في المئة.

وجاء في نتائج الدراسة أن التعرّض للعنف يكون بدرجات متفاوتة مع اختلاف أشكاله وأساليب استخدامه وطرق ممارسته، ويتمركز العنف النفسي بنسبة 76.2 في المئة بالقائمة، يليه العنف اللفظي المميز جنسيا 47.1 في المئة، فالاقتصادي وغير ذلك من أشكال العنف.

وهذا ما يكشف أن من أسباب إحجام الكثيرات ممن يحملن شهائد جامعية وكفاءات علمية عن الترشح للانتخابات البرلمانية وحتى الرئاسية، خوف المرأة من البيئة الانتخابية وما يرافقها من منافسة شرسة وحملات إعلامية وتبادل للانتقادات.

وتطرح هذه الدراسة  العديد من التساؤلات حول مستقبل المشاركة السياسية للمرأة في ضوء الأرقام التي أظهرتها نتائجها.

تجربة شخصية

استشهدت المحللة السياسية الكويتية بتجربتها الخاصة، قائلة “تعرضت أثناء حملتي الانتخابية في العام 2006 لهذه الأشكال من العنف، حيث تم تخريب مقري الانتخابي خلال أيام ترشحي”، لافتة إلى أن ما تعرضت له موثق وحظي بتغطية إعلامية كبيرة بوصفها كانت المرة الأولى التي يسمح فيها بالترشح للمرأة في الكويت.

وأضافت سعيد “لقد كانت تجربتي الأولى. عملية التخريب أضعفت حملتي الانتخابية ولم أقوَ على استكمال الحملة بذات الوتيرة التي انطلقت بها والتي أطمح إليها، وطبعا فهذا قد أثر على حظوظي في الانتخابات، بالإضافة إلى قصر الحيز الزمني المتاح للانتخابات، وهو ما ساهم في جعلي لا أحظى بفرص متساوية مع المرشحين الآخرين”.

وأشارت إلى أن “التفاعل الإعلامي كان سلبيا للغاية في البداية”، متابعة أن “تغطية أنشطة المرأة في المجال السياسي كانت تتم بطريقة هزلية، إذ لم تكن تحمل موضوع المرأة في السياسة محمل الجد، بل كان هناك استخدام للخطاب الديني للحط من قدرات المرأة ولتهميش دورها السياسي، إلى جانب توظيف استخدام القوالب الاجتماعية والأفكار المجتمعية أيضا لإجبار المرأة على الإحجام عن المشاركة في الانتخابات وهذه ظاهرة مستمرة إلى اليوم”.

إلا أن الوزيرة السابقة والنائبة الحالية في البرلمان الموريتاني، فاطمة خطري، تقول إن التعرض للعنف يمكن أن يلحق الرجال البرلمانيين أيضا.

وتابعت خطري في حديثها لـ“العرب” “فعلا المشاركة السياسية تقف أمامها عوائق اجتماعية وعقلية المجتمع الذكوري خاصة كلما تعمقنا في المجتمع الريفي القبلي، بالإضافة إلى العوائق الاقتصادية، فضعف القدرة المالية لدى غالبية النساء يجعلهن شبه عاجزات عن خوض انتخابات تنافسية للمال فيها دور كبير”.

وأضافت “وهناك أيضا ضغوط الالتزام الأسري والمسؤوليات تجاه البيت والأسرة والعمل والسياسة، كل ذلك يحد من فاعلية المرأة سياسيا في جو لا يسمح فيه الرجل بالتخلي عن مكانه للمرأة التي يكون دورها سياسيا أقل منه للأسباب الآنفة”.

واعتبرت أن “المفارقة تكمن في أن المرأة في المجتمع الموريتاني تحتل مكانة متميزة في البيت والمجتمع لكن هذه المكانة لا تنعكس على المجال السياسي فلولا نظام الكوتا لما استطاعت المرأة أن تصل إلى ما وصلت إليه”.

وأكدت أن “المرأة الموريتانية تواجه الكثير من العوائق والتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكن عندما تصل إلى مركز القرار لا يبقى أمامها سوى تحدي فرض مكانتها ودورها”.

وقالت خطري في خاتمة حديثها “حسب رأيي المكانة تنتزع ولا تعطى، فحتى الرجال بعضهم لا يستطيع احتلال المكانة لضعف قدرته على المنافسة”.

ومع ذلك يبقى التمثيل النسوي فاقدا للمصداقية والفعالية، قياسا بأوضاع المرأة خاصة في المناطق الريفية والداخلية، بسبب هيمنة الذهنية الذكورية على هذه المجتمعات، واستحواذ العادات والأعراف البالية التي تصنف المرأة ككائن بشري مرادف لكل نقائص وإخفاقات الرجل.

وفي حال نجحت المرأة بالوطن العربي في الحصول على حقائب وزارية أو منصب سياسي، فعليها أولا التخلص من إرث العهدات البرلمانية السابقة، لأن قضيتها بشكل عام تتعلق بثقافة المجتمع ومن ثم فإنه لن يكن متوقعاً أن تتغير هذه النظرة المجتمعية بين عشية وضحاها.

تأثير سلبي على قضايا المرأة

عدم مشاركة النساء على نطاق واسع في الحياة السياسية يترك تأثيراً سلبياً ولاسيما على بعض القضايا الخاصة بالمرأة، يحمل في طياته حقائق تتجاوز مسألة العنف.

وتقول سعيد إن “كل القضايا التي تتعلق بالمرأة أو بالأسرة أو بالمجتمع تعالج بوجهة نظر أحادية، فكل خصوصيات المرأة والقوانين المتعلقة بها يقرها ويصوت عليها الرجال، لا يتم الأخذ بوجهة نظر المرأة، بل تكون وجهة نظرها مهمشة ومغيبة تماما”.

وذكرت أن “المرأة لا تستطيع على سبيل المثال أن تمنح أبناءها الجنسية في حين أن الرجل يسمح له بذلك، كما أن المرأة ليست لديها حقوق متساوية مع الرجل في الأمور المتعلقة بالإسكان والحقوق المعيشية”.

وأضافت أن “هناك مثالا واضحا اليوم؛ المرأة إذا أدخل ابنها أو ابنتها إلى المستشفى ولم يكن الأب موجودا واحتاج هذا الطفل إلى عملية فإن الأم تعجز عن التوقيع على أي معاملات لتسهيل إجراءات خضوع ابنها لهذه العملية، فيصبح الطفل بذلك ضحية لهذه العقلية الذكورية الأحادية ما يعرض الأسرة بأكملها لمشاكل ليست لها علاقة بالمنطق أو بالواقع”.

وتعود أزمة التمثيل والدفاع وتبني قضايا المرأة من طرف النخبة النسوية، بحسب مختصين، إلى استمرار عمل هؤلاء تحت عباءة الرجل، فكل النائبات والناشطات يشتغلن وفق أجندة ذكورية في الحزب أو الجمعية، بحيث لا تمنح الأولوية لقضايا المرأة ويتفرغن كما يتفرّغ الرجال للقضايا والملفات الأخرى.

لا مجال للتراجع

لا مجال للتراجع 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”. 

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015