النساء والانتخابات
النساء والانتخابات في سوريا

سلوى زكزك/swnsyria- تداول رواد منصّة الفيس بوك نكتة تزامنت مع انتخابات أعضاء وعضوات مجلس الشعب للدورة تقول: بأن زوجاً دخل أحد المراكز الانتخابية وسأل المشرف على الانتخابات عن زوجته التي تحضر لدورتين متتاليتين، لتُدلي بصوتها، دون أن تفكّر بزيارة زوجها، أو دونما أن تفكّر بانتظاره لتراه وهو يُدلي بصوته أيضاً، لنكتشف أنها ميتة منذ فترة طويلة.

وتبدو هذه النكتة إشارة فاقعة إلى المال الانتخابي الأسود الذي يشتري حتى أصوات الموتى، وإلى أن النساء يَبِعن أصواتهنّ بعكس الرجال؛ لأنهنذ لسن على مستوى الوعي والالتزام والمسؤولية المواطنية الكافية لحفظ أصواتهنّ بعيداً عن التلاعب.

تبدو العلاقة التي تربط النساء بالانتخابات علاقة تَفَارق وليست علاقة التقاء، شكلاً ومضموناً وإجرائياً.

والخلل الكامن في هذه العلاقة ليس فقط في المحصلة النهائية لعدد المرشَّحات الناجحات في الانتخابات واللواتي سيخضن غمار العمل والمسؤولية في الشأن العام وفي مراكز صنع القرار، انطلاقاً من لجنة البناء واللجنة النقابية وصولاً إلى أعلى المراكز كمجلس الشعب، بل إنّ الخلل يكمن في معنى الانتخاب وفي جدوى الترشّح من عدمه.

في الدورة التشريعية الأخيرة، والتي جرت في السادس والعشرين من شهر تموز، جرت انتخابات لاختيار مائتين وخمسين عضواً للدورة الجديدة لمجلس الشعب. وكان من نتائجها وصول ثمانية وعشرين امرأة لمقاعد البرلمان، أي أن النسبة تبلغ11،2، مع الإشارة إلى أن عدد عضوات مجلس الشعب في الدورة الماضية بلغ 32 امرأة أي ما نسبته 12،8  نساء إلى عدد الرجال.

المشكلة هنا ليست فقط في النسبة المنخفضة جداً لمشاركة النساء في عضوية مجلس الشعب، بل في مقارنة الرقم الجديد بالرقم القديم، أي في التعوّد على وجود النساء بنسبة متدنية جداً، مما يجعل الفارق وكأنه بسيط جداً ما بين عدد الواصلات إلى البرلمان. ويبدو الفرق وكأنه مجرد نسبة بسيطة لا تتجاوز 1،7 بالمئة لا غير.

إن هذه المحصلة العددية، وعندما تترافق مع تراجع فعلي في عدد النساء الراغبات بالترشّح أصلاً، إضافة إلى أن قوائم الاستئناس راعت وجود امرأة واحدة في كل فئة من القوائم الانتخابية، ولم تلتزم بالرقم الرسمي المصرَّح عنه وهو ثلاثين بالمئة للنساء؛ فهنا يمكننا القول بأنّ النتيجة تمييزية بامتياز.

بعد سنينٍ عشر من غياب الرجال موتاً وهجرة وإعاقة وتغييباً، حتى بات وجود النساء عدديّاً في المجتمع السوري يُقارب ثلثي عدد الرجال، وفي ظل ارتباط عدد كبير من الشباب والرجال الباقين بأداء الخدمة الإلزامية أو كمتطوّعين في الجيش والشرطة، وبالتالي تعثّر مشاركتهم بالحياة السياسية؛ فإنّ النسبة الحالية لعدد النساء الواصلات لمقاعد مجلس الشعب، تشكّل منزلقاً خطيراً في واقع مشاركة النساء وحقّهنّ في المساواة، هذا من الناحية العددية فقط، أي النسبة والتناسب الفعليين.

إن الكوتا أو المحاصصة كتدبير إيجابي مؤقت يفرض نسبة لا تقل عن الثلاثين بالمئة، وصولاً إلى المناصفة ما بين النساء والرجال، هو إجراء تفرضه كل الموانع التي ترفض وتعيق وصول النساء للمشاركة السياسية.

ولأنّ التغاضي عن تطبيق الكوتا كقاعدة والتخلّي عن ضرورة مشاركة النساء السياسية، هو في متناول أصحاب القرار بعد أن ساهموا في تعميمه لعقود، ولأنّ التضحية بكل فرص تحقيق المساواة هو أمر اعتيادي يبرّره المجتمع، ويسكت عنه القانون، ويسعى إليه الاستبداد الديني، وتقبل به النساء؛ فإن النتائج ستكون حتماً في غير مصلحة النساء وخارج مصلحة المجتمعات بكامل أفرادها.

اللافت في انتخابات الدورة التشريعية الأخيرة هو تحالف النساء المرشّحات ولو في مجموعاتٍ على صفحات الفضاء الأزرق، وارتفاع نبرة وحدّة وعمق خطابهنّ الانتخابي، لكنّ الميزان يبقى خارج دائرة التوازن دوماً، مع الإشارة إلى المستوى التعليمي العالي للمرشَّحات؛ عالٍ من ناحية الإجازات الجامعية وبعضهنّ نسويّات أو أنهنّ قد عَمِلن في مراكز إدارية قيادية، كما أنّ ضعف الإقبال على الانتخابات قد ساهم أيضاً في تغييب فرص عدد كبير من النساء المرشَّحات في الوصول إلى مقاعد البرلمان، خاصةً أنّ الناخبين قد أعلَوا من قيمة مكاسبهم الخاصة التي وعدهم بها المرشّحون من الرجال على حساب  التوجّه لاختيار الأفضل أو على الأقل لتحقيق توازن ولو نسبي ما بين المرشّحين والمرشّحات.

وتجدر الإشارة إلى أنّ وعي النساء للترشّح كان عالياً، مما يعطي مؤشراً إيجابياً عن حجم الثقة بالنفس المتكوّن لدى نساء كسرن القوقعة التقليدية وآمنّ بدورهنّ وبحقّهنّ في الوصول، خاصةّ بعد تلمّس النساء للمستوى الذي حقّقنه بالاعتماد على الذات وفي إدارة شؤون الأسر وفي مواقع العمل، بعد أن تحوّلن لمعيلات ولصاحبات عمل أو منشآت اقتصادية صغيرة.

كما أن المال الانتخابي قد لعب دوره السلبي أيضاً، فالملاءة المادية متوفّرة للرجال لدرجة تكاد أن تكون حكراً عليهم دون النساء، من ملكية وسيولة نقدية ودعم العائلة الاقتصادي. كما أنّ التحالفات ضمن القوائم مالت لكفّة الرجال، لحسابات مناطقية أو تنفيذية أو إرضاءً للمجتمع كما يدّعون أو تقرّباً من المؤسسات الدينية التي تدعم الرجال وتحاول إبعاد النساء؛ إلا إذا أجبرها غياب المرشّحين الرجال من فئة محدّدة تنتمي لها، على القبول بترشيح النساء، وهذا احتمال مشروط بألف شرط ويقع تحت ضغوط يكون التضحية بالنساء المرشّحات وبحقّهنّ بالمشاركة هو الأسهل دوماً.

إنّ تكريس غياب النساء عن مراكز صنع القرار، وتعميم عدم جدوى وجودهن في تلك المراكز، أو تعارض وصولهنّ لتلك المراكز مع الصورة النمطية لدورهنّ الاجتماعي المحصور في العائلة، ومحاولة تنميطهنّ في حال وَصَلنَ إلى المواقع تلك تحت أي سبب أو ربما بالصدفة المحضة، كأن يتم إسناد رئيسة اللجنة الثقافية مثلاً في غالبية اللجان النقابية للنساء، لهو كارثةٌ كبرى تمتد وتتدحرج ككرة ثلج مدمّرة.

في مراحل النزاع وما بعده وحيث تبدو الضرورة ماسّة لتفعيل دور النساء ومشاركتهنّ في كافة مناحي الحياة، فإنّ ما يتم هو استسهال التضحية بحقوق النساء في المشاركة ومصادرة كل الجهود التي قامت بها النساء حتى في ملئ شواغر الغائبين، انتاجاً ومشاركة ومبادرة وتعويضاً لا يقوى أي مجتمع على ترميم نفسه دون تفعيل حضورها واستثمار طاقاتها ووجودها كشريكة وليس كتابعة.

النساء والانتخابات في سوريا

النساء والانتخابات في سوريا 

*جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر فقط عن رأي كاتبها/كاتبتها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي “تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية”.

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015