بائعات الخبز ونساء يصنعن السلام والقرار “1325”

رهادة عبدوش/روزنة- وقفت مطولاً أمام السيدة الأربعينية الملتحفة بشال داكن اللون، قبل أن أسألها عن أحوالها التي تبدو بوضوح بثباتها وسعيها بكل ما تستطيع لبيع ربطات الخبز التي اشترتها توّاً.وهي من بين مجموعة من النساء الراشدات والطفلات متبعثرات على جوانب الطريق، يعملن من الصباح حتى آخر الليل بعضهنّ بالتناوب والبعض الآخر يعتبرن الطريق أكثر حماية من الأماكن التي يعشن بها .تحدثت “صباح”، وهي أم لثلاثة أطفال عن أحوالها، فهي لا تريد الاتّكال على أحد لتطعم أطفالها، بعدما تهجّرت من بيتها في جوبر وفقدت زوجها لتعيش في مركز للإيواء، حيث لا أحد من الذكور الذين خرجت معهم يستطيع العمل بالحرية التي تملكها، فلها حرية التنقل بشكل أكبر ولا خوف عليها من اشتباه أو سحب لعمل سخرة أو لأي سبب يتعرض له ذكور العائلة، اختارت هذه المهنة بين عدّة مهن في سوق الظل (اللفاية، شطف الأدراج، البيع على البسطة) واعتبرتها مهنة، فهي تحتاج لخبرة وقوة وصبر في الوقوف وطريقة التعامل مع الزبائن وتصفيف الخبز لتجلب الزبون العابر بسيارته بأغلب الأحوال.صباح لا تعلم شيئاً عن القرار “1325”، وماجاء فيه عن نساء يصنعن السلام ذلك القرار الذي صاغ بين بنوده حقوق النساء في المشاركة، والحماية والوقاية والغوث والتعافي، خلال النزاعات المسلحة، بل هي كباقي بائعات الخبز، تتعرض لمضايقات وسرقات ومحاولات عديدة للاستغلال والتحرش الجنسي الذي تقاومه بالتعاون مع باقي النساء، فلا يستطيع أحد حمايتهن خوفاً من تفاقم الأمر وتشعبه، لذلك حمايتهن نسائية وبأيديهن فقط إن استطعن، وفي حياتهن الخاصّة منهن من تعيل أسرة بكاملها من أصول وفروع، ومنهنّ من تعيل أبنائها وأسرتها الصغيرة بمحاولة شديدة ألا يخرج أحد الأطفال للعمل، لكن أحياناً يخذلهن الحظ والظروف فتضطّر للاستعانة بأطفالها، كحل أفضل من الذكور الكبار، الذين أقحمهم المرض والخوف والخذلان داخل البيت، أو المركز أو الحديقة عدا عن الذين فقدوا أو اعتقلوا أو قتلوا.فبالرغم من أن القرار “1325” صيغ لـ”دعم الدور الأساسي الذي تمارسه النساء في جميع مناحي السلام والأمن، والاعتراف بدورهن القيادي في صنع السلام، ووضع حد للعنف الجنسي في زمن الحرب” إلا أنه بقي حبراً على ورق، فمَن الذي يعمل على دعم دور النساء الحقيقيات اللواتي يناضلن حقاً على الأرض ويعملن على صنع السلام في أسرهن ومجتمعهن، ومَن يمكّن ويحمي تلك النسوة اللواتي يتعرضن للعنف بكل أشكاله ضمنه الاستغلال الاقتصادي والجنسي؟فلولا دعم النساء العاملات في الظل لأنفسهن من خلال تضامنهن، فلا شيء يذكر عن دعم الدولة أو الحكومة أو المنظمات الدولية، التي تدعوا كل فترة بعضاً من النساء المخمليات رئيسات المراكز داخل سوريا المدعومات من مؤسسات الدولة وبعضاً من الناشطات خارج سوريا، اللواتي لم يعانين شيء أمام معاناة النساء في الحرب، ليتحدّثن ويطالبن بدورهن القيادي بصنع السلام، ويقمن بفعاليات ويقدّمن تقارير وإحصاءات غير مدروسة أو تفتقر للدقة والحيادية، ويتبادلن التذكارات والصور ويقدمن خططاً تبقى حبراً على ورق، لتخرج بعد فترة زعامات سياسية من المعارضة ومن النظام دون وجود نساء في مواقع صنع القرار، لتبقى الصورة النمطية بأذهان المجتمع عن النساء رغم نساء كسرن كل الحواجز وصنعن المستحيل.لتبدو الهوة كبيرة بين بائعات الخبز -النساء الحقيقيات اللواتي يناضلن لصنع السلام دون أية دراية بقرار مجلس الأمن “1325” ولا بكل تلك المؤتمرات وورشات العمل والتدريب- وبين النساء اللواتي يتصدرن كل تلك المجالس دون معاناة أو دراية حقيقية بما يحدث على الأرض، ما يظهر السبب الحقيقي وراء إبعاد النساء عن المشاركة السياسية، وعن تجاهل لكل ما قدّمته تلك النسوة اللواتي قاومن كل هذا العنف الجنسي والجنساني، واللواتي يقاومن من أجل صنع سلام حقيقي، فـ”صباح” لا تقف مسؤوليتها عند بيع الخبز بل ترتي الاحتياجات بخياطة من يدها، وبتدبير بالمصروف، وبتنظيم تحمّلته هي لتقود بنفسها كل مشاكل الأسرة، فتحلّها وتعمل على إسعاد الجميع على حساب جسدها المنهك الصابر إلى الآن، كما كثيرات من زميلاتها بالمهنة اللواتي تفنن بالتعامل مع ناتج القمح، ليصبح جزءاً من حياتهن يبنين أسرهن من جديد ويحمين أنفسهن بأيديهن، ويناضلن ليعم السلام بين أفراد الأسرة علّه يعوض ما تمّ فقده والقهر الذي عاشوه طيلة سنوات.لكن لا تخفي صباح تخوّفها من القادم عندما ينتهي النزاع ويعود الرجال إلى مكاسبهم السابقة لتقول وهي تقضم لقمتها من الخبز الساخن: “يا خوفي بكرى زوجي يرجع وبدل ما يوقف معي، يلاقيني تأهرمت ويتزوج عليّ، الرجال متل هالدنيا ما إلهن أمان”.

امراة في سوق عفرين/ تصوير: محمد بللو

امراة في سوق عفرين/ تصوير: محمد بللو

أترك تعليق

مقالات
خاص (تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية)- بعد عقودٍ من نضال النساء السوريات للوصول إلى حقوقهنّ، ما زال طريق النضال طويلاً مع فجوة هائلة في الحقوق الاقتصادية والمشاركة السياسية. ورغم تكثيف جهود المؤسسات النسوية والنسائية منذ بداية الحرب السورية في العام 2011 ،ورغم الدعم الدولي الظاهر، ...المزيد ...
المبادرة النسوية الأورومتوسطية   EFI-IFE
تابعونا على فايسبوك
تابعونا على غوغل بلس


روابط الوصول السريع

إقرأ أيضاً

www.cswdsy.org

جميع الحقوق محفوظة تجمّع سوريات من أجل الديمقراطية 2015